تل أبيب- معا- أثار قانون التجنيد الإلزامي لليهود المتدينين خلافاً في الحكومة الإسرائيلية، التي تعيش على وقع توترات مستمرة أدت إلى انقسامات متزايدة في المجتمع، وداخل دوائر السياسة بعد مرور نحو 6 أشهر على حرب غزة، فيما رجحت تقارير أن "الهدف الحقيقي" لوزراء يعارضون التشريع هو "إسقاط" التحالف الحكومي الهش لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وهدد عضو حكومة الحرب الإسرائيلية، بيني غانتس، الأحد، بالاستقالة من الحكومة، إذا أقر الكنيست تشريعا يبقي على إعفاء اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية الإجبارية.
وانضم غانتس، القائد العسكري السابق الذي يحظى بتأييد أكبر مما يتمتع به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفقا لأحدث استطلاعات الرأي، إلى حكومة الوحدة للمساعدة في إدارة الحرب على غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر.
ولن يتمكن حزب غانتس وحده من إسقاط حكومة نتنياهو؛ لكن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت يعارض أيضاً مشروع القانون، ما يشير إلى وجود معارضة داخل حزب الليكود اليميني الذي يتزعمه نتنياهو.
وقال وزير الجيش غالانت، الذي بدأ للتو زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، إنه من المقرر عرض مشروع القانون على مجلس الوزراء، الثلاثاء، وإنه لن يؤيده.
وأشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إلى أن وزير الجيش، سافر إلى واشنطن من أجل مهمة رئيسية واحدة، وهي "محاولة تسريع توريد الذخائر الأميركية التي تحتاج إليها القوات الإسرائيلية بشكل عاجل لمواصة حربها على حماس في غزة، والاستعداد للتصعيد ضد حزب الله في الشمال".
"الهدف الحقيقي" لغالانت
وفي ضوء هذه الأجندة، التي وصفتها الصحيفة بأنها "مزدحمة ومشتعلة"، لم يتضح تماماً "لماذا حرص غالانت على الإعلان عن رفضه رعاية تشريع يعفي اليهود المتشددين (الحريديم) في المدارس الدينية من التجنيد الإلزامي، وهو التشريع الذي يُتوقع أن يوافق عليه مجلس الوزراء خلال هذا الأسبوع.
ولفتت الصحيفة، إلى أنه خلال سنوات عمله كجنرال في القوات الإسرائيلية، وحتى خلال العقد الذي أمضاه في العمل السياسي، لم يعبأ غالانت قط بهذه الأمور، والآن بات مسؤولاً عن حرب.
وكان من الأفضل بالنسبة لغالانت، وفق الصحيفة، أن يُجنب نفسه هذه المواجهة، وأن يمضي قدماً في تقديم مشروع القانون، الذي من غير المرجح أن يصادق عليه الكنيست.
ووفقاً للصحيفة، يدرك غالانت أن الفشل في تمرير مشروع قانون الإعفاء، "لن يساعده على ملء الفراغات في صفوف الجيش الإسرائيلي خلال هذه الحرب، أو حتى خلال هذا العقد بأكمله"، وأنه "لن يقدم أكثر من دَفعة صغيرة ومؤقتة للغاية لمعنويات جنود الاحتياط الذي عادوا إلى ديارهم قبل أسابيع قليلة بعد 4 أشهر من الخدمة خلال الحرب ليجدوا أوامر الاستدعاء خلال فصل الربيع أو الصيف في صناديق بريدهم".
ولن تكون المعضلة التي يواجهونها عندما يُطلب منهم مرة أخرى ترك عائلاتهم والمخاطرة بوظائفهم أو أعمالهم التجارية أو دراساتهم، سهلة على الإطلاق لمجرد عدم إقرار مشروع قانون لإعفاء "الحريديم"، وهو ما يعلمه غالانت جيداً أيضاً.
مخاوف بشأن مستقبل الحرب
ورجحت "هآرتس"، أن "غالانت توصل إلى نتيجة لا مفر منها" مفادها، أنه في ظل الائتلاف الحاكم الحالي "لن تكون هناك مساواة في الخدمة فحسب، بل إن "الأمر الأكثر إلحاحاً، هو أنه لن يكون ممكناً مواصلة الحرب".
الصحيفة أشارت أيضاً إلى أن الجهود المتواصلة التي يبذلها نتنياهو لإثارة أزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، واستخدامه "الشائن" لعملية رفح، ورفضه حتى مناقشة خطة واقعية للوضع في غزة في "اليوم التالي" للحرب، جميعها "عوامل تمنع الجيش الإسرائيلي من التخطيط للأشهر المقبلة من الحرب".
وتبنى غالانت موقفاً مماثلاً قبل عام بالضبط عندما أعلن أنه لن يصوت لصالح مشاريع القوانين التي قدمها الائتلاف لإضعاف السلطة القضائية. والحقيقة أن غالانت لم يرفض ذلك "عن إيمان عميق باستقلال المحكمة العليا"، وإنما "عن تخوف دفين من تأثير هذا التشريع على الجيش الإسرائيلي"، بحسب "هآرتس".
وغالانت، وفق الصحيفة، "ليس من الرجال الذين تزعجهم عدم المساواة في أداء الخدمة العسكرية". وإذا تمكن فقط من إدارة الحرب بالطريقة التي يراها مناسبة هو وهيئة أركانه العامة، لكان من المحتمل أن يقبل بالإعفاء.
كما أنه لم يعترض عندما كان هذا الإعفاء، عنصراً اساسياً في الاتفاقيات التي أبرمها الائتلاف مع أحزاب "الحريديم" عند تشكيل الحكومة في نهاية عام 2022.
إجماع شعبي
ولكن بعد نحو 6 أشهر من الحرب الإسرائيلية على غزة، تولدت لدى غالانت قناعة راسخة بأن هذه الحكومة لا تريد أو لا تستطيع وضع أهداف استراتيجية واضحة للجيش الإسرائيلي؛ ومن ثم فقد بات البديل الوحيد أمامه هو "محاولة هندسة إسقاط التحالف على خلفية قضية تحظى بإجماع شعبي نادر". كما أنه يعلم أن نتنياهو "لن يتمكن من إقالته" هذه المرة.
ولفتت الصحيفة الإسرائيلية، إلى أن الأزمة التي باتت تتعلق بأيديولوجية دينية "لا يمكن التوصل إلى حل وسط بشأنها". "فمشروع القانون الذي وافقوا عليه لا يتضمن أي أهداف أو عقوبات محددة أو حتى صورية، ما يجعل من السهل على غالانت التشبث بموقفه وربما إجبار زميله المتردد في حكومة الحرب، بيني غانتس، على اتخاذ موقف أيضاً".
ولا يعني هذا بالضرورة، وفق "هآرتس"، أن غالانت سيتمكن من إسقاط الحكومة، ففي مجلس الوزراء، لا يزال بإمكان نتنياهو وحلفائه "الحريديم" محاولة التصويت لصالح مشروع قانون الإعفاء، دون دعم وزير الجيش فقط، لكسب الوقت في المحكمة العليا، على الرغم من أن فرص حشد 61 مشرعاً تابعين للائتلاف لتمرير مشروع القانون في جلسة الكنيسيت المقبلة غير مؤكدة على الإطلاق.
وحتى في حال لم يصوت مجلس الوزراء، وبات الطلاب "الحريديم" عرضة للتجنيد الإلزامي، وقطع التمويل عن المدارس الدينية، "فإن هذا لا يعني على الإطلاق أن الأحزاب الدينية المتطرفة ستترك الحكومة بالضرورة، إذ لا يزالون يتمتعون بسلطة غير مسبوقة ويحصلون على تمويل بالمليارات من أماكن أخرى، وسيزعم نتنياهو أنه بذل كل مافي وسعه".
وحتى في حال انفصالهم عن الائتلاف، فإن "هذا لا يعني أيضاً أنهم سيصوتون تلقائياً مع المعارضة على حل الكنيست. فمن وجهة نظرهم أن الانتخابات المبكرة لن تسفر عن حكومة أفضل".
ولكن غالانت "ليس لديه ما يخسره"، بحسب الصحيفة، ومن الواضح الآن أنه "في ظل هذه الحكومة فإن الجيش الإسرائيلي، حتى لو ضم آلاف المجندين الحريديم، لن يكون قادراً على الانتصار في الحرب".