بقلم: د. صبري صيدم
الجواب على هذا السؤال ستحدده المعطيات المتوفرة مع انطلاق عمل هذه الحكومة، التي لا يختلف اثنان على أن مهمتها هي الأصعب منذ نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، أو ربما الأصعب منذ ولادة القضية الفلسطينية. فنكبة عام 2023 تفوقت حسب كثيرين على نكبة عام 1948، من حيث ضراوة المشهد وقباحة الحدث، وهول الهجوم وروع الوقائع، وحجم النيران وفداحة الجريمة وبشاعة الحرب ودموية الأفعال.
وعليه فإن المشهد الميداني وحسب تجلياته سيضبط ويحكم ويهيمن على مجريات النتائج التي ستتعامل معها الحكومة المقبلة بما يشمل مخرجات العدوان الإسرائيلي وحجم احتلاله الميداني واقتطاعاته الجغرافية ونزواته الأمنية، ومطامحه الترحيلية وأحلامه الإزاحية، ورغباته الاستيطانية التي ما يلبث يهدد الفلسطينيين بها ليل نهار، ناهيكم عن هول الجريمة التي سينتجها هذا العدوان بحق البشر والحجر والشجر.
ويستند عمل الحكومة أيضاً على حجم الدعم المتاح لإعادة الإعمار قراراً ومالاً، بالإضافة إلى استناده إلى مستقبل وكالة الأونروا، وطبيعة توافر الدعم الفصائلي الفلسطيني، وشكل العلاقة الوفاقية الداخلية الواجب تحققها، وتعاون المجتمع المدني والأكاديمي والرسمي، وتحقيق التجانس السياسي بين أطراف العمل الوطني مجتمعين، سواء من هم في إطار منظمة التحرير، أو منهم خارجها.
يضاف إلى هذا كله طبيعة التركيبة الفعلية لهذه الحكومة وكفاءة وزرائها وقبولهم جماهيرياً وتفرغهم المتاح لجهود إعادة الإعمار في غزة (إن أتيح)، ومنع التهجير وتثبيت الناس ومدها بسبل الحياة قاطبة، ومتابعة هموم الضفة الغربية بكامل تفصيلاتها، إضافة إلى قدرتها على تعظيم التعاون الدولي والإقليمي، والقدرة على تنفيذ الوعود بالشفافية المطلوبة وحسن الأداء.
سترث هذه الحكومة حتماً ومن دون شك كارثة الوضع القائم والناجم عن العدوان الإسرائيلي السابق والحالي، والتحديات التي واجهت وتواجه الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، إضافة إلى وراثتها لفاتورة باهظة من رواتب ومستحقات متأخرة، ونفقات متعثرة، وحقوق قطاعية متعطلة تراكمت في زمن سابقتها بفعل واقع صعب وعوامل عدة لا مجال لاستذكارها.
ملاءة الحكومة المالية وقدرتها على سد الثغرات المذكورة وتحمل الأعباء المقبلة سيكون عنوان المرحلة المستقبلية أيضاً، وكذلك قدرتها على تنفيذ وعود سابقتها، إضافة إلى تقديمها لأداء مقبول، في مقابل جمهور سئم الوعود فتحول إلى مراقب متمحص متسلح بأقلامه الحمراء ومخزون العلامات التي سيمنحها لها أو يحجبها عنها.
لقد قدم رئيس الحكومة المكلف الدكتور محمد مصطفى في رده على كتاب التكليف، حصيلة طموحة من الأفكار المطلوب تحقيقها والتعامل معها، وتنفيذ مكوناتها، فالشارع والشعب لن يرحما ولم يعودا في ظل الوضع الراهن وتبعاته قابلين للتعامل مع ما تقول، بل مع ما تفعل، وما تفعل فقط.
وعليه فإن انتقاء الوزراء الجدد في مهمة الكفاءة والبناء المنشودين، اللذين تضمنهما الرد المذكور، ليشكل نقطة حساسة وفارقة للجميع، إذن لا بد من وزراء جدد لم يسبق لهم أن تولوا حقائب وزارية، أن يحملوا إزر المهمة لا أن تحمل فلسطين إزر وجودهم دونما أثر أو فعل. لذلك لا بد من وزراء الفعل بحيث يطغى هذا الفعل والقدرة عليه، على أولوية استرضاء الجغرافيا والمشارب على تنوعها وتعددها.
«الكمال لله» لا محالة، لكن مقولة كهذه إنما هي حمالة للصواب والخطأ. والصواب يأتي في إطار التمحيص في الأسماء المقبولة مجتمعياً والقادرة على الإقناع والتأثير عبر العمل والحضور والفعل والتفاني وإيمانها برسالتها في رعاية الشعب الفلسطيني وصون مصالحه.
إن الأيام الأولى لهذه الحكومة لن تشكل مؤشراً على مدى التزامها وقدرتها وكفاءتها فحسب، وإنما ستحدد قدراتها وحضورها وإيلائها للمسؤوليات الجسام ما تستحقه من عناية وتفانٍ خاصة في إطار متابعة الوضع الكارثي في غزة المنكوبة وحراجة الوضع الملتهب في الضفة الغربية، وعلى رأسها القدس ومخيمات الصمود ومواقع الثبات والإباء، مع اهتمام كبير أيضاً بإعادة التجمعات البدوية إلى المضارب التي هجرت منها مع توفير تام لاحتياجاتها الحياتية الملحة.
إن نجاح الحكومة مرتبط في قدرتها على إحداث اختراق نوعي في كل ما ذكر، وإلا فإنها ستسير بإقدامها نحو الانتحار مستسلمة لهول الأنواء العاتية التي تحتاج الكل الفلسطيني لمواجهتها بعقلية وحدوية جماعية جامعة ووفاقية مسؤولة، فهل تكون تلك الحكومة على قدر المسؤولية؟ ننتظر ونرى!