رام الله - معا- أطلقت مجموعة مؤسسات أهلية فلسطينية اليوم الثلاثاء، مبادرة "عونة"، في لقاء نظمته في مقر مؤسسة عبد المحسن القطان في مدينة رام الله، بحضور ما يقارب 50 مؤسسة وفاعل/ة في المجتمع المدني الفلسطيني. وتم استعراض فكرة المبادرة الرئيسية وأدواتها وآليات عملها المقترحة، والبحث في آفاق تطورها عبر نقاش جماعي.
تبلورت فكرة مبادرة "عونة" بعد حرب الإبادة الجماعية المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني على قطاع غزة، والهجوم المستمر للاحتلال وميلشيات المستوطنين في الضفة الغربية، وبدعم وتواطؤ واضح من عدد من الدول الغربية الاستعمارية. وتأتي هذه المبادرة من منطلق المسؤولية المجتمعية للمؤسسات والائتلافات الفلسطينية الفاعلة في القطاعات المتعددة لخلق مسار استراتيجي تحت عنوان "عونة" من أجل السعي نحو الاستقلال عن منظومة التمويل الاستعمارية، اذ ترى هذه المؤسسات نفسها جزءً لا يتجزأ من المشروع التحرري الوطني، رافضة إدانة نضال الشعب الفلسطيني وأي شكل من أشكال التمويل المرهون بشروط سياسية تتعارض مع الحق الجمعي المشروع في مواجهة الاستعمار، اضافة الى رفض ما شكلته منظومة التمويل الاستعمارية عبر عقود طويلة من تقويض للمشروع الوطني التحرري التنموي.
تسعى هذه المبادرة بالأساس الى مساءلة سياسات التمويل الاستعماري من جهة، والى مراجعة نقدية جادة لثقافة العمل الاهلي واستراتجياته وتوجهاته من جهة أخرى، كما تسعى المبادرة الى تعزيز صمود المؤسسات في مواجهة التمويل المشروط سياسياً عبر عدة أدوات تعيد الاعتبار الى الموارد المحلية والطاقات البشرية الفاعلة في مواجهة منظومة الإخضاع والسيطرة وتعزيز أشكال التكافل المجتمعي، من أجل الانفكاك عبر مسار عمل منهجي واستراتيجي عن منظومة التمويل الاستعمارية المهيمنة.
تدعو مبادرة "عونة" مؤسسات العمل الأهلي الفلسطيني كافة، الى اتخاذ موقف حاسم من منظومة التمويل الاستعماري، والانضمام الى المبادرة من خلال تبنيها وثيقة المبادئ المرفقة والالتزام بها والعمل تحت إطارها العام، ايماناً بأهمية توحيد الصوت الفلسطيني في مواجهة آلة القمع الاستعمارية وأدواتها من أجل احقاق حقوق الشعب الفلسطيني كاملة.
*مرفق البيان ادناه.
وثيقة المبادئ لمبادرة الاستقلال عن منظومة التمويل الاستعمارية
مقدّمة
انطلاقاً من مسؤوليتنا المجتمعية والتزامنا الوطني والأخلاقي، فإننا، كمجموعة من المؤسسات والائتلافات الفلسطينية العاملة في قطاعات مختلفة، نُطلِق مبادرةً تحت إطار "السعي إلى الاستقلال عن منظومة التمويل الاستعمارية"، إثر مواقف العديد من الجهات المانحة، التي أظهرت تواطؤاً في حرب الإبادة على قطاع غزّة. إذ جرّمت هذه الجهات مقاومة الاستعمار الصهيونيّ، وساوت في مواقفها بين المستعمِر والمستعمَر، وقطعت التمويل أو هددت بقطعه، واتّخذت إجراءات مجحفةً لفرض مواقفها.
تنطلق هذه المبادرة من الإدراك بأن منظومة التمويل الاستعمارية شكلت، تاريخياً، أداةً السيطرة والإخضاع السياسي، وسعت إلى زرع ثقافة تنافسية وفردانية فيما بين منظمات العمل الأهلي، قائمة على تعزيز الشرذمة، بهدف تقويض ممنهج للبنية التحتيّة للنضال التحرّريّ في فلسطين.
وانطلاقاً من هنا، تسعى هذه المبادرة إلى مراجعة سياسات وممارسات وأدوات وأضرار التمويل الاستعماري والمنح المشروطة و/أو الموجهة سياسياً، وأثرها على نضال الشعب الفلسطينيّ. كما ستعمل على توحيد وتقوية دور المؤسسات الأهليّة في مواجهة هذا النوع من التمويل، ضمن رؤية تؤمن بدور وموقع منظمات العمل الأهلي كجزء معزز للنضال الشعبيّ الفلسطينيّ، للتحرّر والانعتاق، وإحقاق حقوقنا كاملةً.
ويأتي ذلك، بالضرورة، من خلال مراجعة نقديّة جادة لثقافة العمل الأهلي السائدة التي عززتها الجهات المانحة، ومن خلال رفع وتيرة عملنا ودورنا في مساءلة الجهات المانحة، وتقييم التزامها بقيم التضامن، وموقفها من النضال الفلسطينيّ، وبخاصة مع غياب دور السلطة الفلسطينية في تطبيق التزاماتها، وممارسة دورها المنصوص عليه في قانون الجمعيات، وما ينص عليه القانون من رفض أي شروط سياسية على المنح والتمويل المقدم للمؤسسات الأهلية.
ونؤكد أن هذه المبادرة تأتي استكمالاً للحملات والمبادرات الوطنية السابقة التي تهدف إلى الانفكاك عن منظومة التمويل المشروط. كما تتكامل هذه المبادرة مع الحملات العالمية الشبيهة الداعية إلى الاستقلالية والاعتماد على الطاقات والموارد المحلية للشعوب المستضعفة، وبخاصة الشعوب التي عانت من الاستعمار على مدار عقود طويلة، وما زالت تناضل للتخلص من تبعيته.
مبادئ
تعلن هذه المبادرة أنها جزء لا يتجزأ من النضال الوطني لتحرير فلسطين، وأن دورنا وهدفنا الأساسي هو المساهمة في العمل الجاد على إحقاق حقوقنا الوطنية الكاملة والمشروعة، وعلى رأسها حق العودة وتقرير المصير، ونسعى إلى:
أن نضع نصب أعيننا هدف الانفكاك عن منظومة التمويل الاستعمارية، من خلال تحشيد وتفعيل كل مواردنا المتاحة وطاقاتنا البشرية، وروح التطوع والعطاء، وتعميق التشارك فيما بين أبناء وبنات شعبنا، وتعزيز الانخراط المجتمعي القاعدي في العمل الأهلي.
الرفض القاطع لأي تمويل مرهون بشروط سياسية أو إجرائية تتضارب مع نضالنا ضد الاستعمار والقيم التي ننطلق منها في عملنا؛ مثل تجريم مؤسسات زميلة، والتصريح بنبذ المقاومة من خلال بنود تسمّيها بـ"الإرهاب"، أو منع تبنّي نداءات مقاطعة إسرائيل، أو إسكاتنا تحت ذرائع "التحريض".
الترحيب بالدعم التضامني الدولي، أكان مالياً أم غير ذلك، القائم على احترام كرامة شعبنا واستقلالية قراره، وحقنا كفاعلين في مجتمعنا بقراءة واقعنا مقترناً مع خطاب واستراتيجيات وأدوات عمل تنطلق منه.
رفض التمويل الذي يعزز التجزئة والشرذمة لشعبنا.
تلتزم المؤسسات الموقّعة على هذه الوثيقة بالتالي:
مكافحة كل أشكال التطبيع، ورفض تلقي تمويل مشروط سياسياً.
رفض تلقي أي دعم من حكومات ومؤسسات أجنبية أو عربية أعلنت مواقف سياسية تدين وتجرم نضال شعبنا، وبخاصة بعد 7 أكتوبر.
مراجعة نقدية جريئة لسياسات التمويل الخاصة بالمؤسسات، واستراتيجيّات عملها، وتطويرها بما ينسجم مع رؤية الانفكاك عن منظومة التمويل الاستعماريّ، والعمل على تعزيز ثقافة التكافل الاجتماعي، والانطلاق من حاجاتنا وتقديرنا لموارد وطاقات شعبنا بعيداً عن النخبوية والشرذمة.
المشاركة الفاعلة في إسناد المناصرة المحلية والدولية، ومواجهة شروط التمويل علنياً، وتوفير الدعم القانوني، والحملات المشتركة لمواجهة الشروط التمويلية، عبر العمل لمراقبة المانحين ومساءلتهم، وعبر حشد الموارد وتبادلها.
رفض أية إجراءات رقابية بهدف الفحص والتدقيق، وبخاصة تلك المستحدثة بعد 7 أكتوبر، التي تحمل طابعاً أمنياً وسياسياً، مع فضح الجهات الأجنبية والدولية التي تُضمِّن هذه الإجراءات في عقودها على الرغم من عدم شرعيتها وقانونيتها.
أن تشكل المبادئ الواردة أعلاه الحد الأدنى لمواقف الجهات الموقعة على هذه الوثيقة مع تطوير آليات إسناد للمؤسسات والجهات المستعدة لتقديم سقف أعلى منها.
ندعو منظمات العمل الأهلي في عموم فلسطين كافة، إلى الانضمام إلى هذه المبادرة والتوقيع عليها، والالتزام بالترويج للمبادئ الواردة في هذه الوثيقة على الصعيد الداخلي، من خلال طرحها ونقاشها داخل المؤسسات، وإجراء مراجعة جدية لسياسات التمويل المتبناة، وتطويرها بما ينسجم مع هذه الوثيقة. كما ندعو المؤسسات والائتلافات الشريكة إلى المشاركة في جهودنا لتطوير قواعد سلوك بهدف مراقبة الجهات المانحة ومساءلتها.