ويبقى جحيم العربي أفضل بكثير من جنة الصهاينة./ بقلم :بروفيسور عبد الستار قاسم
نشر بتاريخ: 15/03/2006 ( آخر تحديث: 15/03/2006 الساعة: 20:59 )
أخذت الضفة الغربية اسمها على اعتبار أن لنهر الأردن ضفتين، وتعززت التسمية بعد أن أصبحت الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية.
عاش الشعب العربي في الضفتين معا في حب ومودة واندماج تام لا يكاد المرء أن يشعر بأي نوع من التمييز والتفرقة. كانت هناك بعض المآخذ السياسية على النظام من قبل أناس وأحزاب في الضفتين، لكن ذلك لم ينعكس على الجذور.
وإذا كانت مشاعر من التمييز والتفرقة قد بدأت تظهر بعد حرب حزيران/1967 فذلك بسبب سوء صنيع القيادات السياسية.
اتبع الأردن بعد الهزيمة سياسة الجسور المفتوحة التي كان لها مؤيدوها ومعارضوها، وتعامل مع فلسطينيي الضفة الغربية على أنهم مواطنون أردنيون لهم ذات الحقوق التي يتمتع بها الأردنيون.
كان هذا متوقعا لأن الأردن هي التي خسرت الحرب عام 1967، وفقدت بذلك جزءا من المملكة. حتى أن النظام الأردني، وبغض النظر عن الضغوط السياسية في حينه، كان يحاول إعطاء الفلسطينيين من قطاع غزة ذات الحقوق التي يتمتع بها أهل الضفة.
المهم هنا هو أن منظمة التحرير الفلسطينية قد حاولت ومنذ عام 1968 أن تنزع عن الأردن مهمة تمثيل الفلسطينيين على اعتبار أنها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وقد نجحت في الحصول على قرار من مؤتمر القمة العربي المنعقد في الرباط عام 1974 يعطيها صفة الممثل الشرعي والوحيد، وانكفأ الملك حسين حينها إلى غضبه وقبوله الممضوض للشرعية العربية.
كان أغلب الفلسطينيين حينها يؤيدون مثل هذا التوجه على اعتبار أن الأنظمة العربية ليست أهلا للثقة، وأنها ستساوم في النهاية على القضية الفلسطينية.
عمل الفلسطينيون على فلسطنة القضية الفلسطينية وإخراج العرب منها، وعلى رأسهم مصر والأردن اللتين تتحملان مسؤولية خسران الحرب ووقوع المزيد من الأرض الفلسطينية بالقبضة الصهيونية.
استمر ضغط منظمة التحرير على الأردن حتى قررت الحكومة الأردنية عام 1988 فك الارتباط مع الضفة الغربية وترك الفلسطينيون وشأنهم. في هذا العام، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية اعترافها بقراري مجلس الأمن 242 و 338، واعترفت بإسرائيل، وأعلنت قيام دولة لا يوجد منها سوى عطلة رسمية سنوية في 15/11.
هل كان أداء منظمة التحرير الفلسطينية أكثر خدمة للشعب الفلسطيني؟ قبل الإجابة ولقطع الطريق على التأويلات، أقول للقارئ إنني مفصول من عملي في الجامعة الأردنية عام 1979، وتم سحب جواز سفري الأردني، ولم أدخل الأردن منذ 26 عاما، والحصار مضروب أيضا على زوجتي، هذا فضلا عن التحقيق الذي يتعرض له كثير ممن يعرفونني على أيدي أجهزة المخابرات الأردنية.
منذ أن عزلت منظمة التحرير العرب وتنازلاتها عن الحقوق الفلسطينية مستمرة: اعترفت بإسرائيل وقبلت بالحكم الذاتي الذي طالما اعتبرته خيانة عظمى، وفتحت أبواب الحوار مع أمريكا، ولم تأت على ذكر حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في الاتفاقيات، وتحول مطلب عودة اللاجئين إلى موضوع إعلامي فحسب، وأخذت تعتقل فلسطينيين دفاعا عن الأمن الإسرائيلي، الخ.
والمهم هو أن المنظمة ربطت الحياة اليومية للشعب الفلسطينية بكل أوجهها بإسرائيل. كان الفلسطيني يضطر للذهاب إلى مكاتب إدارة الاحتلال لأسباب ضرورية تمليها حياته اليومية مثل الحصول على تصريح عمل في إسرائيل أو للسفر إلى الأردن أو للحصول على لم شمل.
أما في عهد منظمة التحرير، فلم يعد هناك نشاط لا يحتاج إلى تنسيق مع الإسرائيليين أو الحصول على تصاريح منهم. لقمة خبز الفلسطينيين أصبحت بيد الإسرائيليين ومنهم والاهم، اصبح هناك عشرات آلاف الموظفين ينتظرون رواتبهم من الدول المانحة نهاية كل شهر.
أما الضفة والقطاع فتقطعها الحواجز وقصف الطائرات والدبابات ولم تعد هناك حرية حركة لا لمريض يحتاج إلى مشفى، ولا لطالب ذاهب إلى الجامعة، ولا لفلاح ينقل إنتاجه إلى المدينة، أو لعامل يبحث عن رزقه.
يتدخل الإسرائيليون فيما يأكل الفلسطينيون ويشربون، وحتى أن جواز السفر الفلسطيني يحمل رقم بطاقة الهوية الإسرائيلية.
أي أن المنظمة لم تخفق فقط في تحقيق استقلال، وإنما ربطت حياة الفلسطينيين بإسرائيل وبطريقة تجعل مهمة الاستلال أكثر صعوبة.
كان بالإمكان أن تبقى منظمة تحرير منظمة لتحرير فلسطين، وأن تترك مهمات الإدارة وتدبير شؤون الناس للدول العربية المسؤولة عن الهزيمة وهي الأردن ومصر وسوريا.
أوقعت المنظمة الشعب الفلسطيني في شباك معقدة لقاء إنجاز واحد يتمثل في السجادة الحمراء المفروشة تحت أقدام رئيس السلطة الفلسطينية.وبأعمالها فتحت المجال أمام الأردن التي فقدت نصفها أن توقع اتفاق صلح مع إسرائيل، وأمام العرب ليطبعوا العلاقات بلا مقابل، وأبقت الأبواب موصدة أمام المقاومة الفلسطينية، وساهمت مع أجهزة الأمن العربية في بث الكراهية والأحقاد بين الفلسطينيين والأردنيين.
إزاء هذا الوضع الصعب، من المطلوب من حركة حماس أن تبحث عن حلول. التوجه نحو الشرق بالتأكيد هو أحد هذه الحلول. ليس من السهل أن يفتح النظام الأردني أبوابا أمام الفلسطينيين بدون إذن أو تنسيق مع أمريكا وإسرائيل، لكن التركيز على الاستيراد من الأردن، وتحويل التعامل المالي في الضفة والقطاع من العملة الإسرائيلية إلى الدينار الأردني، وتطوير الخطاب الفلسطيني ليصبح عربيا وإسلاميا سيجعل الأمور أكثر ليونة.
ويبقى جحيم العربي أفضل بكثير من جنة الصهاينة.