الثلاثاء: 24/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

حرب أكتوبر… أي أكتوبر؟

نشر بتاريخ: 05/06/2024 ( آخر تحديث: 05/06/2024 الساعة: 09:48 )
حرب أكتوبر… أي أكتوبر؟

بقلم: د. صبري صيدم

اعتدنا على خطوط الرابع من حزيران/يونيو، وحدود الرابع من حزيران، ونكسة حزيران، وحرب العام 1967، لنغدو اليوم في عالم تحاول فيه إسرائيل أن تفرض خطوط السادس من تشرين الأول/أكتوبر، وحدود السادس من تشرين الأول، ونكبة تشرين الأول ومحرقة عام 2023.

كثيرون ممن يكبرونني سناً عاشوا نكسة يونيو، وكثيرون مثلي ولدوا بعدها، لكن أحداً منهم لم يمضِ يوما في حياته وحياتها، ولا حياة كل من سبقونا إلا وكانت النكسة حاضرة تماماً كما نكبة عام 1948، حاضرة في مخيلته ووجدانه وضميره وأحاسيسه، إلى أن جاءت حرب السادس من أكتوبر، أو ما يسميها البعض حرب أكتوبر، لتعقبها محطات ومحطات كبيرة غيرت مجرى التاريخ. اليوم وبعد السابع من أكتوبر صرنا بحاجة أن نميز بين حرب السادس من أكتوبر والسابع من أكتوبر، أي ما أن تذكر حرب أكتوبر حتى يسألك الناس أي حرب أكتوبر حرب عام 1973؟ أم حرب 2023؟

أياً كان النقاش فإن ما حدث قد حدث وهو ما سيترك مفاعيل كثيرة ستعيش في وجدان العالم، وسيعيش الشعب الفلسطيني تبعاتها وهزاتها الارتدادية، لكن هذه الهزات بما لها وما عليها، ستكون اعتباراً من اليوم، مسؤولية العالم بأسره. كيف لا وهو الذي تقاعس في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، إما لفرط مصالحه، أو لشعوره بعدم أولوية القضية الفلسطينية، لذلك فإن التردد لم يعد خياراً متاحاً لأحد، خاصة بعد بشاعة المحرقة الأخيرة، التي عبّرت عن حجم غير مسبوق من الاحتقار الآدمي ونزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، واغتيال الأرض والشجر والحجر، والإيغال في العنصرية والكراهية والتطرف، وهو ما يستوجب تغيّراً عالمياً في التعامل مع الصراع.

إن القضية الفلسطينية لم تعد قضية عربية أو إقليمية، ولم تعد أبداً قضية هامشية مهما تغوّلت إسرائيل ومهما تواطأ معها البعض من أصحاب النفوذ، عرباً كانوا أم عجماً، فلا مال ولا جاه ولا نفوذ ولا دين ولا طائفة ولا عرق ولا ملة، أسمى من حق البشر في الحياة والتطور والازدهار والتحلل من الحروب والمحارق والموت والنزاعات.

وعليه فإن قضية فلسطين باتت قضية أممية تستوجب تفاعلاً غير مسبوق وتماشياً كبيرا مع الحق الغريزي للإنسان في العيش والازدهار والتطور في بيئة آمنة وجاذبة وحامية ومزدهرة.

إن السجال المرتبط بالسابع من أكتوبر وفي أي اتجاه سار، لا ينفي حقيقة أن زلزالاً قد ضرب المنطقة، وهو ما يستأهل أن لا يستمر العالم في تحركاته المعتادة، إذ عليه أن يغير ويبدل وأن يعي بأن 76 عاماً من صمود الشعب الفلسطيني لم تكن صدفة، وإنما جاءت للتأكيد على صبره وجلده، وصولاً إلى تحقيق طموحه بالحياة والحرية والاستقلال.

لقد رسمت البشرية عبر دعمها لفلسطين، وتحديداً في الآونة الأخيرة معالم مهمة لمستقبل الفلسطينيين أنفسهم، مستقبلا متحررا من ظلم واضطهاد وكراهية الاحتلال الإسرائيلي وبعض أرباب الصهاينة وغلاة المستوطنين، وجمهور الموتورين الذين يؤمنون بأن منطق القوة سيغلب قوة المنطق. التاريخ بعد أكتوبر سادسه أو سابعه لن يرحم أحدا، لا من حيث التقاعس ولا التغاضي ولا التناسي، ولن يقبل بالعودة لمحرقة أو إبادة أو مجزرة جديدة، تظهر انتصار الرصاصة على العقل، فهل تنضج البشرية شعوباً وحكومات لترى الحقيقة دونما موانع ومجاملات، أم أن العالم سيبقى أسير العضلات لا العقل؟ ننتظر ونرى.

[email protected]