غزة- معا- عيدٌ جديد أطل على قطاع غزة، من نافذة الحرب والقصف والدمار.. غابت عنه ملامح فرحة الاستقبال، وابتهاج القدوم، وخلت تفاصيله من معظم سُنن الاحتفال المعتادة، سوى محاولات بسيطة هنا وهناك؛ أملاً في انتزاع فسحة من سعادة، رغم كل مشاعر الأسى التي ترتسم على أوجه المارة في الشوارع والطرقات.
واستقبل الفلسطينيون في قطاع غزة، الأحد، عيد الأضحى على أنقاض المنازل المدمرة، وفوق الركام، وسط أجواء من الحزن على فراق أحبتهم، بعد أكثر من 8 أشهر على الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة "حماس".
وأقام عشرات الفلسطينيين، صلاة العيد في مناطق مختلفة من قطاع غزة فوق الركام، وعلى أنقاض المساجد وفي العراء، مصطحبين أطفالهم وأبنائهم، في أجواء تغيب عنها مظاهر الفرحة بقدوم العيد، في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية.
وعقب أداء صلاة العيد، قام عدد من الفلسطينيين بزيارة أضرحة الضحايا، فيما قام آخرون بتوزيع حلوى الكعك، والمعمول على أهالي المنطقة، لا سيما الأطفال.
الحاج شاكر زعرب، روى لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) قصته مع الأضاحي قائلاً: "على مدى نحو ثلاثين عاماً، لم أنقطع مطلقاً عن تقديم الأضحية في العيد، وكان في ذلك فرصة مناسبة للتعاون بيني وأبنائي والأهل والجيران في عملية شراء الأضحية، وتجهيزها وتوزيع لحمها على الفقراء والمحتاجين من الأقارب والأصدقاء والعائلات المستورة".
وأضاف: "أما هذا العام فقلبي ينفطرُ حسرةً لعدم قدرتي على الوفاء بهذه الشعيرة الأحب، فالمواشي المتوفرة في السوق شحيحة جداً وأسعارها مضاعفة بشكل جنوني يفوق خمسة أو سبعة أضعاف سعرها الطبيعي، وأحياناً عشرة، كذلك إمكانياتي المالية تراجعت بشكل ملموس بعد الاستنزاف الكبير في مصروف البيت، والمصاريف المستحدثة في الحرب من شراء أخشاب نار الطهي وخيام، ومواصلات التنقل والنزوح المتكرر من مكان إلى آخر؛ مما جعلني غير قادر على شراء أضحية هذا العام".
أما على صعيد الحركة التجارية، فيروي سوق دير البلح، آخر الأسواق المركزية المتبقية في قطاع غزة، قصة هذا العام، والتي تجسدت وعلى عكس العادة، في الافتقار إلى مظاهر استقبال موسم عيد الأضحى إلا من بث تكبيرات العيد عبر السماعات الصغيرة الموجودة على بعض البسطات الشعبية، وأمام أبواب المحال التجارية، مع غياب واضح لرمزية العيد المتمثلة في مجسمات خروف الأضحية؛ علاوةً على أن حجم إقبال الناس على الشراء مع اقتراب العيد لم يختلف عن الأيام السابقة، قبل دخول الموسم، بل لربما تراجعت أكثر.
وتأتي فرحة العيد، فيما أعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع أعداد الضحايا الفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية على القطاع منذ السابع من أكتوبر الماضي إلى 37 ألفاً و337، بينما زاد عدد المصابين إلى 85 ألفاً و299.
وذكرت الوزارة في بيان، أن 41 فلسطينياً استشهدوا، وأصيب 102 جراء الهجمات الإسرائيلية على القطاع خلال الساعات الـ24 الماضية، مضيفةً في تقريرها اليومي أنه لا يزال هناك عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
ومع تصاعد أعداد الضحايا، يواجه الفلسطينيون الأحياء في شمال القطاع الجوع الذي بلغ أشده حيث يقول السكان، إن النقص الحاد في الخضروات والفواكه واللحوم، يعني أنهم يقتاتون على الخبز فقط، بحسب وكالة "رويترز".
يروي الفلسطينيون هناك كيف أن المواد الغذائية المتاحة في السوق تباع بأسعار باهظة، إذ بلغ سعر كيلو الفلفل الأخضر، الذي كان سعره قبل الحرب نحو دولار، 320 شيقلا أي ما يقارب 90 دولاراً، ويبيع التجار البصل بنحو 70 دولاراً.
وقالت "أم محمد" وهي أم لستة أطفال في مدينة غزة: "إحنا بنتعرض لمجاعة والعالم كله نسينا".
وبقيت "أم محمد" في شمال قطاع غزة على مدى أكثر من 8 أشهر من العمليات العسكرية الإسرائيلية. لكنها وعائلتها غادروا منزلهم إلى ملاجئ محددة في مدارس الأمم المتحدة عدة مرات.
ووصفت وضع الطعام لديهم قائلة: "ما في إلا الطحين، الخبز، وما عنا شي نأكله معه أو نغمس فيه، يعني بس بناكل خبز حاف".
وقال مسؤولون فلسطينيون وعاملون في منظمات إغاثة دولية، إن الجيش الإسرائيلي رفع في أواخر مايو الماضي حظراً على بيع الأغذية الطازجة إلى قطاع غزة من إسرائيل والضفة الغربية المحتلة.
وتعطل تدفق مساعدات الأمم المتحدة إلى قطاع غزة المدمر بشكل كبير منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح الواقعة جنوب القطاع، وهي المعبر الرئيسي للقطاع من مصر.
وتتعرض إسرائيل لضغوط عالمية متزايدة لتخفيف الأزمة، بينما تحذر وكالات إغاثة إنسانية من أن المجاعة وشيكة.