السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل يفعل البطيخ ما عجزت عنه الجيوش؟!

نشر بتاريخ: 19/06/2024 ( آخر تحديث: 19/06/2024 الساعة: 09:33 )
هل يفعل البطيخ ما عجزت عنه الجيوش؟!

بقلم: د. صبري صيدم

البطيخ، الذي يعتبر من الفواكه المحبوبة والمنعشة في فصل الصيف، أصبح رمزاً قوياً لفلسطين في السنوات الأخيرة. هذا التحول من مجرد فاكهة إلى رمز وطني مرتبط بالنضال الفلسطيني يمكن تفسيره من خلال عدة جوانب ثقافية وتاريخية وسياسية. يحمل البطيخ ألوان العلم الفلسطيني: الأحمر والأخضر والأبيض والأسود.

هذه الألوان تجتمع في لب البطيخ الأحمر وقشرته الخضراء وبذوره السوداء الخضراء وبطانته البيضاء، وهي تذكير بصري بالعَلَم الفلسطيني، الذي يمثل الهوية الوطنية والحق في السيادة وتقرير المصير. على الرغم من بساطة هذا الارتباط اللوني، فإنه يحمل في طياته رمزية عميقة لدى الفلسطينيين.

لكن الألوان وحدها ليست السبب الوحيد وراء ارتباط البطيخ بفلسطين. هناك تاريخ طويل ومعقد يتعلق بالهوية والوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية. وفي سبعينيات القرن الماضي، ومع تصاعد المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بدأ استخدام الرموز الوطنية بطرق جديدة ومبتكرة. حيث كانت إسرائيل وخلال تلك الفترة تفرض قيوداً مشددة على استخدام الأعلام والرموز الوطنية الفلسطينية، ما دفع الناشطين والمواطنين للبحث عن بدائل أقل وضوحاً لكنها تحمل المعاني والدلالات نفسها.

من هنا جاء استخدام البطيخ كرمز غير مباشر ولكنه قوي. في الفعاليات والمظاهرات، كان الفلسطينيون يحملون البطيخ ويرسمون عليه العلم الفلسطيني، ما جعل من الصعب على السلطات الإسرائيلية ودول أخرى، فرضت حظرا على الرموز الوطنية الفلسطينية، بما فيها العلم والكوفية، ملاحقة تلك الرموز أو قمعها. البطيخ أصبح وسيلة للتعبير عن الانتماء والوطنية بطريقة ذكية ومبدعة، تتحدى القيود وتبقي على الروح النضالية حيّة.

علاوة على ذلك، يعتبر البطيخ محصولاً زراعياً مهماً في فلسطين، ويمثل جزءاً من التراث الزراعي والتاريخي للشعب الفلسطيني. زراعة البطيخ في الأراضي الفلسطينية تعكس الصمود والتمسك بالأرض، رغم كل التحديات والصعوبات. لذلك، فإن البطيخ يحمل في طياته رمزية مزدوجة: فهو يمثل الفخر بالأرض والهوية الزراعية من جهة، ومن جهة أخرى يمثل النضال والمقاومة، من خلال استخدامه كرمز وطني.

وفي السياق الثقافي، ارتبط البطيخ أيضاً بالعديد من الأغاني والقصص الشعبية الفلسطينية، ما عزز مكانته كرمز ثقافي وجزء من التراث الشعبي. في بعض المناطق الفلسطينية، تُقام مهرجانات سنوية للاحتفال بموسم حصاد البطيخ، ما يعزز ارتباط الناس بهذه الفاكهة ويزيد من قيمتها الرمزية. في الوقت الراهن، يستمر ويتصاعد استخدام البطيخ كرمز وطني في العديد من الأنشطة والفعاليات الفلسطينية، سواء في الداخل أو في الشتات. على وسائل التواصل الاجتماعي، تجد صور البطيخ والرسومات التي تتضمن ألوان العلم الفلسطيني، منتشرة بشكل واسع، ما يعكس استمرار هذا الرمز في الحياة اليومية والثقافية للشعب الفلسطيني.

ومن الجدير بالذكر أن استخدام البطيخ كرمز وطني ليس مجرد عمل رمزي، بل هو أيضاً شكل من أشكال المقاومة السلمية والإبداعية.

في مواجهة القيود والضغوط، يجد الفلسطينيون دائماً طرقاً جديدة للتعبير عن هويتهم وتطلعاتهم، والبطيخ هو مثال حي على ذلك، بالإضافة إلى ذلك، فإن رمزية البطيخ تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد تمثيل للألوان الوطنية، إنه يمثل أيضاً الاستمرارية والتحدي، عندما يُزرع البطيخ في الأرض الفلسطينية، فإنه يعبر عن تواصل الحياة والأمل بالمستقبل، هذا الشعور بالتجدد والحياة يعكس إرادة الشعب الفلسطيني في الصمود والبقاء على أرضه رغم كل الصعوبات.

كما أن البطيخ يعكس التضامن بين الفلسطينيين، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال، يصبح البطيخ رمزاً للتضامن والوحدة، فعندما يحتفل الناس بموسم البطيخ، يستذكرون إرثهم الثقافي الذي يجمعهم، كمخزون مهم لحبهم لأرضهم وتاريخهم. علاوة على ذلك، يمكن رؤية استخدام البطيخ كرمز في الفنون البصرية والأدب الفلسطيني. العديد من الفنانين والكتاب يستخدمون صورة البطيخ في أعمالهم للتعبير عن الهوية الوطنية والنضال. هذا الاستخدام الفني يعزز من رمزية البطيخ، ويجعله جزءاً من الرواية الوطنية الفلسطينية.

ووسط المحرقة التي تفرضها إسرائيل على فلسطين هذه الأيام فإن البعض من الصهاينة بدأوا حملة ممنهجة لمواجهة ما سموه استحواذ الفلسطينيين على البطيخ عبر استخدام صوره في مظاهراتهم، وتأكيد رفضهم سيطرة الفلسطينيين على ما اعتبروه رمزاً سيادياً.. سبحان الله!

الحرب الميدانية إذن لم تعد بالصواريخ والقتل والدمار فقط، وإنما طالت محاولة سلب كل الرموز المؤثرة التي يوظفها الفلسطينيون لخدمة نضالهم بصورة يريدها الاحتلال، أن تشكل رافداً لحرب إسرائيل على الهوية والأرض والإنسان والثقافة والثوب الفلسطيني والإرث الغذائي، وصولاً إلى قرص الفلافل، وغيرها مما يقض مضاجع إسرائيل ويذكرها بالفلسطينيين ووجودهم وبقائهم… فهل تحقق إرادة الفلسطيني وصموده وثباته وحتى بطيخه النصر على أعتى جيوش العالم وأكثرها بطشاً وحقداً وظلماً؟! ننتظر ونرى.

[email protected]