غزة- معا- تسند مريم أبو العمرين ظهرها بيدها وهي تقف قرب النقطة الميدانية التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
أبو العمرين نازحة من حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، وهي أمٌ لأربعة أطفال تنتظر خامسهم بعد أقل من شهرين. تقول: "نصبتُ خيمتي في منطقة قريبة كي يتسنى لي الوصول السريع للنقطة في حال الطوارئ".
وتقيّم السيدة عمل النقطة بـ "الممتاز" في ظل الأوضاع الصحية المتردية في مستشفيات المنطقة، قائلةً: "لولا الأطباء هنا لكان حالنا صعبًا للغاية، ورغم نقص الإمدادات الطبية، والعلاجات، إلا أنهم لا يتوانون لحظة عن تقديم النصائح والإرشادات، وتوفير العلاج المناسب".
ولأن رسالة جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني، منذ نشأتها رسميًا، كجمعية وطنية بتاريخ 26/12/1968م، تتمثل في توفير الخدمات الإنسانية والصحية والاجتماعية والإغاثية للشعب الفلسطيني، حيثما تواجدت الحاجة، وأينما كان، ولدرء المعاناة الإنسانية التي خلّفها -وما زال- العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، عزّزت الجمعية مواجهتها للوضع الكارثي الذي خلقه الاحتلال متعمدًا في كافة المحافظات ولمناطق، فأنشأت 23 نقطة طبية وعيادة ميدانية، يتماشى توزيعها مع مقتضيات النزوح، وتغير التوزيع الديموغرافي للسكان.
ووفقًا للدكتور محمد ابو رحمة رئيس لجنة إدارة النقاط الطبية، فهذه النقاط موزعة كالتالي: 3 نقاط في محافظة غزة، و4 في محافظة الشمال، و6 في المحافظة الوسطى، و6 في محافظة خانيونس، و4 في محافظة رفح "وهي متوقفة الآن بسبب العملية العسكرية المستمرة هناك".
ويقول: "لتكامل الخدمة الصحية المقدمة في مرافق جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، يتم تحويل المرضى الذين هم بحاجة إلى خدمات صحية ثانوية لمستشفيات الجمعية من أجل استكمال العلاج اللازم، وهي مستشفى الأمل ومستشفى الهلال الأحمر الكويتي، ومستشفى القدس الميداني".
وتقدم الفرق الطبية المتخصصة والمتطوعة في النقاط الطبية التابعة للجمعية، الخدمات الطارئة والاستشارات الصحية وخدمات الغيارات للجرحى والتثقيف الصحي للسكان والنازحين وبشكل مجاني، الأمر الذي جعل لها دورًا محوريًا في تخفيف الضغط عن المستشفيات والمراكز الطبية الأخرى.
ويتحدث د. أبو رحمة عن المعيقات التي تعرقل تقديم الخدمات الصحية، فأشار إلى: "عدم توفر الأمان في مناطق العمل، وفقدان بعض الأدوية في السوق المحلي، وصعوبة إدخالها من الخارج بسبب إغلاق المعابر، بالإضافة لعدم توفر الكهرباء والمياه الصالحة للاستخدام الآدمي".
وتطرق لصعوبة التنقل بين مكان الإقامة ومكان العمل للموظفين والمراجعين، كأحد التحديات المهمة، وذلك بسبب تدمير معظم الشوارع والمرافق العامة، بسبب القصف والاجتياحات البرية والتجريف، مشددًا على أن الطواقم ستستمر في تقديم الخدمة رغم كل تلك المعيقات.
في منطقة معن، الواقعة شرقي مدينة خانيونس، تستقبل عيادة الهلال الأحمر نحو 180 حالة يوميًا. يقول محمد قديح، الذي حضر للمراجعة في حساسية الجلد التي أصابته بسبب حرارة الخيمة التي نصبها على أنقاض بيته المدمر: "لم يقصر الأطباء والممرضون هنا لحظة. استقبلني الطبيب، وقدم لي الإرشادات اللازمة، والمراهم المطلوبة، رغم أنها لم تكن متوفرة، كتب لي بديلًا عنها، وأخرى مكملة لها، وطلب مني المراجعة بتاريخ اليوم".
يخبرنا قديح عن تحسن كبير في جلده، بفضل إرشادات الطبيب الذي تابع حالته، ويستدرك: "لكن الشفاء التام سيكون صعبًا طالما أنا مستمر في العيش بخيمة، أُدرك ذلك تمامًا".
وتعد نقاط وعيادات "الهلال الأحمر" ركيزة أساسية في تقديم الخدمات الصحية الطارئة، في مدينة غزة وشمالي القطاع، بمعسكر جباليا، وبركة أبو راشد، والفالوجة، ودوار زمو، بالإضافة لنقطتين طبيتين في مدينة غزة داخل منطقتَي الصبرة والصحابة.
ويتحدث ناهض بلاطة المراقب العام لـ"الهلال الأحمر الفلسطيني" في قطاع غزة، عن إقامة الجمعية 10 نقاط طبية في مدينة غزة، وشمالي القطاع، تم افتتاحها رغم الصعوبات الكبيرة، بدءًا بالقصف والاستهداف المتواصل، وليس انتهاءً بصعوبة الوصول رغم اختيار أماكن في وسط التواجد السكاني، قائلًا: "رغم كل ما نمر به، لن نتوقف عن تقديم المساعدة للمواطنين ما دمنا قادرين على ذلك"
الحاجة يمنى حسنين التي تتابع الضغط والسكر في النقطة الطبية التابعة للجمعية بمنطقة الصبرة، وسط مدينة غزة، قالت: العاملون في الجمعية، والمتطوعون فيها، هم منا، ونحن منهم، هم أبناؤنا، ونحن أمهاتهم، فكيف يبخلون علينا بالمساعدة؟"، معربةً عن أملها بانتهاء الحرب قريبًا، وإعادة إعمار غزة ومستشفياتها وعياداتها، ومستقبل أبنائها قبل كل ذلك.