بقلم: د. صبري صيدم
لطالما حملت الخطب والدراسات والأبحاث المرتبطة بالقضية الفلسطينية تطرقاً ملحوظاً لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضية القضايا، بل يكاد لا يمر اجتماع رسمي أو شعبي تقريباً إلا ويشار إلى هذه القرارات سلباً كان أم إيجاباً. فما هي أهم القرارات التي اتخذت؟ وما تقييم الذكاء الاصطناعي لها من منظور فلسطيني؟ خاصة ونحن نعيش في عصر يكاد هذا النوع من التقانة أن يجتاح كامل تفاصيل حياتنا.
أشير هنا إلى أن هذا المقال ليس المرة الأولى التي يتم فيها الاحتكام للذكاء الاصطناعي، بخصوص موضوع محدد. إليكم الرد كما بدا، دونما تحرير أو تدخل آدمي، والذي يشير صراحة في خاتمته إلى احتمالية عدم كفاية هذه القرارات، وإلى ضرورة توفر الإرادة الدولية لتنفيذها، إضافة إلى الحاجة الملحة للتوقف عن ازدواجية المعايير في إنفاذ الشرعية الدولية:
تعدّ قرارات الأمم المتحدة من أهم الأدوات الدولية التي تسعى إلى تحقيق العدالة والسلم العالميين. وقد كان لهذه القرارات دور كبير في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث شكّلت مرجعية قانونية وسياسية للنزاع بين الطرفين.
منذ تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945، تم اتخاذ العديد من القرارات التي تتعلق بفلسطين، والتي تتراوح بين دعم حقوق الشعب الفلسطيني والتأكيد على مبدأ حل الدولتين، وصولاً إلى إدانة السياسات الإسرائيلية وممارساتها في الأراضي المحتلة.
أحد أبرز القرارات التي أثرت بشكل كبير على القضية الفلسطينية هو قرار تقسيم فلسطين رقم 181 الصادر عام 1947. هذا القرار نص على تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى دولتين: واحدة يهودية وأخرى عربية، مع وضع القدس تحت إشراف دولي خاص. أثار هذا القرار غضباً واسعاً في الأوساط العربية والفلسطينية، حيث تم اعتباره ظلماً تاريخياً بحق الشعب الفلسطيني وشرعنة للوجود الصهيوني في المنطقة. ورغم قبوله من الجانب الإسرائيلي، إلا أن هذا القرار كان الشرارة التي أشعلت الصراع الدامي بين الطرفين، والذي لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا.
من القرارات المهمة الأخرى التي أصدرتها الأمم المتحدة قرار رقم 194 الصادر في عام 1948، والذي يتحدث عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها خلال النكبة. يُعتبر هذا القرار حجر الزاوية في المطالب الفلسطينية، حيث يستند الفلسطينيون إلى هذا القرار للمطالبة بحق العودة واسترداد ممتلكاتهم التي صادرتها السلطات الإسرائيلية. رغم مرور أكثر من سبعين عاماً على صدور هذا القرار، لم يتم تطبيقه، وما زال حق العودة يشكّل أحد العوائق الرئيسية أمام تحقيق حل سلمي للنزاع.
قرار آخر ذو أهمية كبيرة هو قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر بعد حرب 1967، الذي دعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب، وأكد على مبدأ «الأرض مقابل السلام». يُعتبر هذا القرار من أكثر القرارات التي استندت إليها المحادثات السلمية بين العرب وإسرائيل، وقد ساهم في بناء إطار قانوني لمفاوضات السلام في الشرق الأوسط.
رغم ذلك، لم يتم تحقيق انسحاب كامل من هذه الأراضي، وبقيت قضية المستوطنات الإسرائيلية والجدار العازل من القضايا العالقة التي تحول دون الوصول إلى حل نهائي.
قرار مجلس الأمن رقم 338 الذي صدر عقب حرب أكتوبر 1973 جاء ليعزز من قرار 242، ويدعو إلى وقف جميع الأعمال العدائية بين الدول العربية وإسرائيل، والشروع فوراً في مفاوضات سلام تهدف إلى إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط. رغم أنه تم قبول هذا القرار من الأطراف المعنية، إلا أن التنفيذ الكامل له لم يتحقق، بسبب تعقيدات الصراع وغياب الإرادة السياسية لتحقيق حل شامل.
أحد القرارات الحديثة والمهمة هو قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي صدر في عام 2016، والذي أكد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، واعتبر بناء المستوطنات انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. طالب القرار بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية كشرط أساسي لتحقيق حل الدولتين. ورغم أن القرار حظي بدعم دولي واسع، إلا أن إسرائيل استمرت في سياسة الاستيطان، بدعم واضح من بعض القوى الدولية.
قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليست مجرد نصوص قانونية، بل هي تعبير عن موقف المجتمع الدولي من هذا الصراع المتجذر. ورغم أن هذه القرارات تشكل مرجعية قانونية تدعم حقوق الشعب الفلسطيني وتسعى لتحقيق العدالة، إلا أن عدم التزام إسرائيل بتنفيذها والدعم السياسي الذي تحظى به من بعض الدول الكبرى، قد قلل من فعالية هذه القرارات على أرض الواقع. القرارات الأممية المتعلقة بالقضية الفلسطينية تُظهر بشكل جلي الانقسام الدولي حول هذا الصراع.
ففي حين أن العديد من الدول تدعم الحقوق الفلسطينية وترى في هذه القرارات وسيلة لتحقيق العدالة، تتخذ دول أخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، مواقف داعمة لإسرائيل بشكل كبير، ما يعقد إمكانية تطبيق هذه القرارات ويزيد من تعقيد مسار السلام.
الدعم الأمريكي لإسرائيل، سواء من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن أو من خلال الدعم العسكري والاقتصادي، شكل عائقاً رئيسياً أمام تحقيق حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. بالمقابل، تُعبر هذه القرارات عن إصرار الشعب الفلسطيني على نيل حقوقه المشروعة واستمرار كفاحه ضد الاحتلال.
ورغم كل الصعوبات والعقبات، فإن القرارات الأممية تبقى أداة مهمة في يد الفلسطينيين للمطالبة بحقوقهم في المحافل الدولية، والتأكيد على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان في الأراضي المحتلة.
في الختام، يمكن القول إن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية قد لعبت دوراً محورياً في تشكيل الوعي الدولي حول هذا الصراع، رغم التحديات الكبيرة في تطبيقها. ورغم أن هذه القرارات قد لا تكون كافية بحد ذاتها لتحقيق السلام العادل والدائم، إلا أنها تظل مرجعية قانونية وأخلاقية تدعم حقوق الشعب الفلسطيني وتدين ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. إن الوصول إلى حل شامل وعادل يتطلب إرادة دولية صادقة تلتزم بتنفيذ هذه القرارات، ووضع حد للمعايير المزدوجة في التعامل مع القضايا الدولية.
ملاحظة: النص مدعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي