لندن- معا- يواجه قطاع غزة، وبالتحديد منطقة جباليا، أوضاعًا إنسانية كارثية في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي والنقص الحاد في الإمدادات الأساسية. يعكس الوضع الحالي في جباليا مشهدًا مأساويًا يمكن أن يمتد إلى باقي مناطق القطاع إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وفي هذا الصدد، وضع مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية في لندن ورقة تقدير موقف بعنوان "الوضع في جباليا"، مشيرةً إلى أن هناك أزمة إنسانية تتفاقم في جباليا، التي تُعد إحدى أكثر المناطق كثافة سكانية في قطاع غزة، وتشهد حاليًا ظروفًا مروعة مع تصاعد القصف والاشتباكات العسكرية. يعاني السكان في هذه المنطقة من نقص في الغذاء والماء والدواء، مع انقطاع شبه كامل للخدمات الأساسية.
وتشير الورقة إلى أن هذه الحالة المأساوية تؤكد أن استمرار التصعيد العسكري دون توفير ممرات آمنة للإخلاء قد يؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق تشمل مجاعة ونقصًا حادًا في الموارد الأساسية.
وتشدد الورقة على أن أهمية إخلاء المدنيين وحمايتهم من أهم الدروس التي يجب أن يستوعبها المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية؛ إذ يجب أن يكون ضمان حماية المدنيين وإخلائهم من مناطق النزاع أولوية قصوى.
وترى الورقة أنه في حالة جباليا، تشير التقارير إلى أن السكان يتعرضون لضغوط كبيرة للبقاء في منازلهم وسط تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية. هذا الواقع يهدد بنقل المعاناة إلى مناطق أخرى في قطاع غزة إذا لم يُسمح بإخلاء المدنيين وتأمين وصول المساعدات الغذائية والطبية إليهم.
وتنتقل الورقة إلى الحديث عن دور حركة حماس في إدارة الأزمة، مشيرةً إلى أن المرحلة الحالية تتطلب إعادة النظر في سياسات الأطراف الفاعلة في القطاع. وتوضح الورقة أن حماس بصفتها القوة الحاكمة في غزة، ورغم ما تعرضت وتتعرض له من محاولات للتخلص منها، تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن توفير الحماية للسكان وضمان سلامتهم. وعلى الرغم من تحديات الحصار وصعوبة الوضع الأمني، يجب أن يكون توفير ظروف آمنة للمدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية من أولويات القيادة في غزة.
وترى الورقة أنه، ومع ذلك، يمكن توجيه بعض الانتقادات إلى حماس فيما يتعلق بطريقة إدارة الأزمة الراهنة واستراتيجيات التصدي للتحديات الإنسانية. وتوصي الورقة بأن يكون القائمون على السلطة في غزة أكثر مرونة في السماح بوجود منظمات الإغاثة الدولية وتعزيز التنسيق مع المؤسسات الأممية لضمان وصول المساعدات وإن كانت غير كافية بشكل أسرع وأكثر فعالية.
وتنتقل الورقة للحديث عن الجهود الدبلوماسية التي تقودها السلطة الفلسطينية في المحافل الدولية، مشيدةً بأهمية هذه الجهود في إبراز القضية الفلسطينية وتسليط الضوء على الاحتياجات الملحة للشعب الفلسطيني. يمثل استمرار هذه الجهود وضرورة تعزيزها عنصرًا حيويًا لضمان تدفق المساعدات وتخفيف الضغط على سكان القطاع.
وتشير الورقة إلى أن الأزمة الحالية تتزامن مع اقتراب فصل الشتاء، مما يزيد من المخاوف الإنسانية. ومع نقص الملاجئ الصالحة للسكن وانخفاض درجات الحرارة، قد يجد السكان أنفسهم في وضع لا يُحسدون عليه، مما يزيد من حدة المعاناة ويضاعف من خطر انتشار الأمراض.
التوصيات والاستنتاجات
تشير ورقة التقدير إلى أن الوضع في جباليا هو نموذج مصغر لأزمة أوسع في قطاع غزة تتطلب حلولًا شاملة. من الضروري التركيز على النقاط التالية:
1. الضغط الدولي: يجب على المجتمع الدولي ممارسة ضغوط أكبر على الاحتلال الإسرائيلي كي يسمح بدخول المساعدات الإنسانية و فتح ممرات آمنة للمدنيين وتقديم الدعم الإنساني.
2. تعزيز التعاون بين الأطراف الفلسطينية: يتطلب الوضع الحالي تضافر الجهود بين مختلف القوى الفلسطينية لضمان حماية المدنيين وتعزيز صمودهم.
3. من الواضح أن غزة تحتاج بالفعل إلى قيادة وطنية فلسطينية يتفق عليها أبناء الشعب الفلسطيني لضمان توجيه الموارد بشكل يخدم السكان ويعزز استقرارهم، وهو ما أوصت به الورقة بشدة.
4. دعم السلطة الفلسطينية: يجب تعزيز جهود السلطة في تمثيل القضية الفلسطينية دوليًا وتوفير الدعم للجهود الإغاثية.
وختمت الورقة البحثية بالقول إن الوضع في جباليا هو تذكير مؤلم بمدى قسوة الوضع الإنساني في غزة. تحتاج المنطقة إلى جهود فلسطينية موحدة وإجراءات دولية فعالة لتجنب تحول الأزمة إلى كارثة شاملة تهدد أرواح آلاف المدنيين الذين يتعرضون لحرب شرسة منذ أكثر من عام .