الأربعاء: 25/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

اختتام مؤتمر القضاء:المطالبة بعدم تدخل التنفيذية والتشريعية بالقضائية

نشر بتاريخ: 18/07/2009 ( آخر تحديث: 18/07/2009 الساعة: 19:18 )
بيت لحم - معا - اختتم مجلس القضاء الفلسطيني، "الهيئة العامة لقضاة فلسطين"، اليوم السبت، مؤتمر القضاء الفلسطيني الثاني في مدينة بيت لحم تحت عنوان "نحو سلطة قضائية مستقلة"، والذي استمر 3 ايام بدعم من برنامج "نظام" الممول من USAID.

وطالب المؤتمر مجلس القضاء الأعلى العمل في اختتام المؤتمر اليوم، بعدة قضايا هامة لدعم واستمرار استقلالية القضاء الفلسطيني، ومنها إعادة النظر بقانون السلطة القضائية، بما يؤدي إلى استقلالها لتقف على قدم المساواة مع السلطتين التنفيذية والتشريعية، بحيث يُحظر على هاتين السلطتين التدخل في شؤون القضاء أو الاعتداء على صلاحياته واختصاصاته؛ وصولاً إلى رفع يد السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العدل عن القضاء، وهي التي تعمل جاهدة على التدخل في شؤونه وسلب صلاحياته، والتأكيد على حياد القاضي كأحد عناصر استقلاله، بحيث تقتصر مهمته الأساسية على تطبيق القانون وتحقيق العدالة وصيانتها في المجتمع.

كما طالب المؤتمر بالعمل على حماية استقلال القضاء الذي ضمنه القانون الأساسي الفلسطيني عبر نصوصه التي قررت مبدأ استقلال القضاء وحظرت التدخل في شؤونه من أي جهة، وتجريم أي فعل بالتدخل فيه، أو محاولة التأثير على القضاة على نحو معين لإصدار أحكامهم، والعمل على تعزيز إيمان الشعب وقواه ومؤسساته ومنظمات المجتمع المدني بأهمية استقلال القضاء كضمان له في حماية الحقوق والحريات من الانتهاك أو الإنكار، وتكريس مفهوم استقلال القضاء كقيمة لدى القاضي وعقيدة يؤمن بها، بحيث يجابه أي اعتداء على استقلاله، لأنّ ذلك هو المدخل الأساسي لتحقيق العدالة وضمان الحقوق والحريات الذي يعمل القاضي من أجل تكريسها.

واكد المؤتمر على أن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية لا يشكل اعتداءً على القانون الأساسي وجريمة يعاقب عليها القانون فحسب، بل عملاً غير حضاري ينتهك استقلال القضاء ويؤدي إلى الانتقاص من هيبته، وطالبوا توفير الأمن والحماية للمحاكم وقضاتها من أي اعتداء.

وشدد المؤتمر على حق مجلس القضاء الأعلى باقتراح القوانين المتعلقة بأي شأن من شؤون القضاء وإبداء الرأي بمشروعات القوانين ذات الصلة.

وفي هذا السياق العمل على تعديل، قانون السلطة القضائية، قانون تشكيل المحاكم، قانون الإجراءات الجزائية، قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية، تعديل نظام المعهد القضائي ،وإلغاء المرسوم الرئاسي الذي يتعارض مع النظام،والذي شكّل عائقاً في سبيل إقلاع المعهد القضائي، إقرار قانون العفو العام.

كما وطالبوا بالتأكيد على تبعية كافة موظفي المحاكم لمجلس القضاء الأعلى، وإشرافه على كل ما يتعلق بشؤونهم الإدارية والمالية، والعمل على تحديد تبعية النيابة العامة ومرجعيتها وفقا لإحدى الأنظمة القانونية المتعلقة بهذا الشأن، والعمل على تشكيل هيئة قضايا الدولة، ونيابة إدارية متخصصة تتبعان وزارة العدل، والعمل على إقرار الإحداثيات المطلوبة للسلطة القضائية بموجب ملحق للموازنة، والموافقة على اعتماد التعيينات بدل الشواغر الوظيفية، وتعديل بدل مواصلات القضاة وذلك بزيادتها بنفس نسبة زيادة سائر موظفي السلطة.

وطالب المؤتمر بالعمل على تعديل المادة 34 من قانون السلطة القضائية، وذلك برفع سن التقاعد لقضاة المحكمة العليا إلى 74 عاما، وذلك تأكيداً على للمذكرة المرفوعة من القضاة بهذا الخصوص بناءً على واقع قضاة المحكمة العليا في غزة، والتي سينتهي فيها خدمة ستة قضاة من قضاة المحكمة العليا خلال سنة 2010، بما يشكل خللاً يصعب تدراكه، علما بأن الهيئة العامة قد صادقت على هذه المذكرة، وتم رفعها لفخامة الرئيس عن طريق رئيس ديوان الرئاسة، وإلى رئيس مجلس الوزراء من خلال الأمين العام لمجلس الوزراء.

واكدوا على ضرورة العمل على إدراج موازنة السلطة القضائية رقماً واحداً وفقا للأصول في الموازنة العامة للدولة، وحث مجلس القضاء الأعلى على استكمال بناء مجمعات المحاكم لكافة المحافظات بصورة عصرية تحقق بيئة مناسبة للتقاضي، وتعزز من هيبة القضاء، واستئجار مقر مناسب للمعهد القضائي يفي بالاحتياجات اللازمة للتدريب القضائي إلى حين بناء معهد قضائي نموذجي، والعمل من أجل بناء نادٍ للقضاة لتحقيق الأهداف المرجوة منه للسادة القضاة وأسرهم، وضرورة إيجاد الآليات القانونيّة التي تساعد على الإحالة المبكّرة على التقاعد للقضاة غير الصالحين للارتقاء بالسلّم القضائي، اعتماد كلمة رئيس المجلس كوثيقة من وثائق المؤتمر، والطلب من مجلس القضاء الأعلى وضع فخامة الرئيس ورئيس مجلس الوزراء بنتائج أعمال المؤتمر وتوصياته.

وكانت الهيئة العامة لقضاة فلسطين قد عقدت على مدى ثلاثة أيام من 16 – 18 تمّوز 2009، مؤتمرها الثاني تحت شعار "نحو سلطة قضائية مستقلة"، وفيه تداول أعضاء المؤتمر في كافّة الأمور المتعلقة بشؤونهم وشؤون السلطة القضائية واستقلالها، لأنّ القضاء هو الضمان لاحترام الحقوق والحريات ومصالح كافة فئات المجتمع، والسلطة القضائيّة هي الجهة المعهود إليها ضمان سيادة القانون، ومعاملة الجميع على قدم المساواة وفقاً للمبادئ المنصوص عليها دستوريّاً.

ووقال المتحدثون في اختتام المؤتمر :" لتحقيق هذه الأهداف، فلا مناصّ من الاستقلال الكامل للسلطة القضائية، وهذا ما أكّد عليه القانون الأساسي بالنص على أن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها...، كما أكّد على استقلال القاضي بالقول القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأي سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة".

انطلاقاً من هنا، اكد المتحدثون على عدم جواز التدخل في شؤون القضاء باسم أي سلطة سياسية أو إدارية أو من خلال أي نفوذٍ ماديٍّ أو معنويّ، أو التأثير عليه بأي شكل من الأشكال، كما لا يجوز لأيّ شخص أو مؤسسة من السلطة التنفيذية -بدءا برئيس الدولة، وانتهاءً بأيّ فردٍ منها- أن يتدخّل لدى القضاء بخصوص أي قضية معروضة عليه، أو ممارسة أي ضغط مباشر أو غير مباشر للتأثير على المحاكم فيما تصدره من أحكام، بحيث لا يخضع القضاة وهم يزاولون أعمالهم ومهامهم إلا لضمائرهم وشرفهم، ولا سلطان عليهم لغير القانون.

وقال المؤتمرون إن ضمان الاستقلال التام للسلطة القضائية في إطار التعاون مع السلطات الأخرى، وتحصينها في مواجهة الضغوط، وضمان النزاهة والفاعلية لقضاتها وأجهزتها الإدارية، لن يأتي دون توفير الشروط المادية والمعنوية والقانونية اللازمة لحسن سير العمل القضائي، وتوفير الضمانات الكافية لتنفيذ الأحكام والقرارات القضائية، دون أن يكون لأي سلطة أخرى حق التدخل أو التأثير، لا في تسيير السلطة القضائية، ولا فيما يزاوله القضاة من عمل أو يصدرونه من أحكام، كما لا بدّ من توفير كافة الظروف الملائمة والوسائل المادية والمعنوية التي تصون كرامة القاضي وتحصّنه من أي تأثير، وما يتبع ذلك من ضرورة إجراء تعديلات جوهرية على التشريعات والقوانين ذات الشأن لتأمين هذه المتطلّبات.

واضافوا :" إنّ قيام سلطة قضائية مستقلة وفاعلة، وفقا لما جاء بالقانون الأساسي مؤكّداً على استقلالها، يعدّ أحدَ الضمانات لشعبنا الفلسطيني، ودعامةً أساسية من دعامات صلابة جبهته الداخلية، وملاذَه دائماً في ظل كلّ الظروف بتوفير العدل والأمن والاستقرار، ويشكّل حمايةً للشرعية القانونية".

واشاروا اننا ندرك أنّ استقلال السلطة القضائية ليس شأناً خاصاً بالقضاة وحدهم، أو مجلس القضاء الأعلى أو برئيس المجلس، وإنّما هو حق لكل المواطنين يمارسه القضاة حمايةً لهم، وأيّ انتقاص لهذا الاستقلال إنما هو انتقاص من حقوق المواطنين، ويُرتّب نتائج وخيمة يتحمل وزرها المواطن الفلسطيني.

وجاء في البيان الاختتامي للهيئة العامة لقضاة فلسطين، إن الحديث عن استقلال القضاء لا يجد له سنداً في ظل الممارسات العمليّة التي تسعى إلى تحجيم دور القضاء، وسلب اختصاصه، وعدم احترام بعض القرارات القضائية ؛ كل ذلك في محاولة للهيمنة على السلطة القضائية وعلى صلاحيات مجلس القضاء الأعلى.

واضافوا :" ما حديث من يُنادون بإعادة هيكلة القضاء وتنظيم الجهاز القضائي، وقرار منع نشر اللوائح التي أقرها مجلس القضاء في مجلة الوقائع الفلسطينيّة، وغير ذلك من الأمور إلا إمعانًا في التدخل في شؤون القضاء وخروجاً على نصوص القانون الأساسي الذي كرّس مبدأ الفصل بين السلطات".

وفي هذا السياق، اعرب المؤتمرون عن استيائهم العميق وقلقهم من مثل هذه المحاولات الساعية إلى تقويض استقلال سلطتهم، اضافة إلى ما سبق المحاولات المحمومة من جهات عديدة ومن مراكز القوى والنفوذ في السلطة التنفيذية لإحكام السيطرة على استقلال القضاء، إلاّ أن هذه المحاولات باءت جميعا بالفشل بفضل شجاعة الدفاع الذي خاضه مجلس القضاء الأعلى، ورئيسه، ومن خَلفهِم الهيئة العامة للقضاة.

بذات الوقت، أكّد المؤتمر على حرية القاضي في اتخاذ القرارات القانونية بعيداً عن التأثيرات والتجاذبات السياسية والاجتماعية والحزبية، وأكّد على ضرورة العمل على توفير الحماية للقاضي بكل أشكالها ليبقى قوياً لاتأخذه في الحق لومة لائم، ومستقلا، وليكون محايداً؛ لأن الاستقلال سبيل الحياد، والحياد سبيل تحقيق العدالة.

وفي هذا الإطار ناقش المؤتمرون -بحسٍّ عالٍ من المسؤولية- التجسيد العملي لاستقلال السلطة القضائية في الشأن الإداري والمالي، باعتباره جوهر الاستقلال الذي يتناسب وجودا وعدما مع قدر سيطرة القضاء على هذه الشؤون.

كما وأكّد المؤتمر على تعزيز الصلاحيات الإدارية بكل ما يتعلق بعمل الجهاز القضائي، وعلى عدم السماح لأي جهة بالتدخل بهذا الشأن، ليتسنى للسلطة القضائية الاستقلال بتنظيم شؤونها الإدارية، والسهر على تأمين مستلزمات القضاة والهيئات القضائية لاحتياجاتهم من أجل القيام بأعمالهم بسرعة وكفاءة واقتدار.

أما الاستقلال المالي، فقال المؤتمرون انه بدون استقلال مادي يصعب الحديث عن استقلال السلطة القضائية دون التعرض للضغوط والتأثير للحصول على متطلبات العمل القضائي، لأن الاستقلال المالي هو الوسيلة التي تتيح للسلطة القضائية حرية التصرف، ودعم تنفيذ القرارات من دون إعاقة، وبعكس ذلك فإن قدرة القضاء على اتخاذ القرارات وتنفيذ مشاريعه ستكون محدودة ومرتبطة بموافقات وعدة مراجع، بما قد تؤدي إلى التردد في اتخاذها وتنفيذها مما يُضعف من إمكانية تلبية الاحتياجات وسد النواقص. هذا فضلاً عن كون عنصر المال يشكل مدخلاً يمكن أن تتدخّل السلطة التنفيذية عبره تدخّلاً مباشراً من خلال عدم إعطاء الموافقات، والعمل على تقنين الأوامر المالية.

وعليه، فقد أكّد المؤتمر على تفعيل النص القانوني الخاص بموازنة السلطة القضائية بحيث تدرَج رقما واحدا في الموازنة العامة، بما يؤدي إلى تمكين مجلس القضاء من تولّي مسؤولية الإشراف على تنفيذ موازنته وتنفيذ خططه التطويرية، وبرامج عمله وفقا لرؤيته واستراتيجيته المعتمدة دون عوائق، وبما يُمكّن من النهوض بالجهاز القضائي، والارتقاء بأدائه، وتحقيق رسالته من خلال قضاء عادل وحيادي، يُحقّق العدالة بنزاهة واستقلال وفاعلية.