بقلم: نافذ الرفاعي
علني اكتب للعاصمة وللقدس وللأقصى، لا لأحمّلها أوجاعي وأحلامي، بل لأكتب غزلًا لفتاة مقدسية تتجول في أزقة القدس العريقة؛ تضج أنوثة صارخة تتحد مع قداسة العاصمة، يتعانق الجمال والتاريخ والروح في ثلاثيةٍ باهرةٍ.
أمسكت بقلمي، ولكن بلغني أن أيوب قد مات. لم أدرِ ماذا أفعل! هل فاجأني الخبر! أم كان متوقعًا؟
موت أيوب لم يكن مفاجئًا، رغم أنه دخل غيبوبةً منذ زمن. يروي البعض أن عتاة المستوطنين قتلوه على أبواب الحرم، وآخر يؤكد أنه مات قهرًا على بوابة الانتظار. كان يؤمن بالشرق وبالعرب وببعض الفلسطينين، استمع لهم مطولا رغم مخالفة الرأي. ولكن اخيرًا فقع، وأعلنت القدس انبلاج النهار دون استئذان من أحد.
بما أننا اليوم نبكي، أو نحتفل، أو نرثي، أو نؤبن موت أيوب، لا أعرف ماذا ورّثَنا بعدما أخذ صبره معه. يقول أحدهم: ورّثنا رخصة قيادة، غير صالحة، للسياقة على صفحات العاصمة.
وآخر يقول: أن أيوب بموته أيقظ الأقلام النائمة؛ لتعود جسورة من جديد بعدما تسلل اليها صبر أيوب، كان عبارة ملحمية لبعض شعراء "الواقع" تزيينا لرؤيا اوسلو، وللوعد الوهم بالسلم والرفاهية.
ويحكي منظرٌ من بقايا عصر الانتفاضات، قد ضج فرحا قائلا: موت أيوب وحّدنا، وكسر سلوك القطيع فينا، وأخذ معه غرائزية الانشطار.
اما الحّمال المقدسي، الذي لم ترهقه لوحة "جمل المحامل"، فما زال متشبثًا بأثقاله ويقاوم آلام ظهره؛ كي لا يلقيها تحت أقدام الغزاة.
رغم موت أيوب المدوي، ما زالت القدس ترسل حبًا منثورا لكل المصلين لله من كل انحاء العالم، ما زالت تقرأ نشيد فيصل الحسيني صباح مساء، معلقة على حبه والوجد الذي قتله في طريق العرب.
رغم موت أيوب، ما زال صوت الأذان يصدح بين ثناياها، وفي جنبات سوق القطانين؛ يُخرس مزوري التاريخ ويحمد الله رب العالمين.
وعلى حافة حارة النصارى جرس مكسور يدق معلنًا الصلاة لله وباللغة العربية، وان رؤيا إيشعيا لله لم تكن سوى وهم.
أيوب مات، وانتشر الخبر في المقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكن حتى الآن لم تنشره الجريدة الرسمية.
أيوب، لقد كنتَ حلمًا جميلا، كما وصفتك شاعرة جليلية، ترسل حبا يوميًا للقدس، أو كابوسًا مرعبًا، كما وصفك فلاح كسر معوله مستوطن حاقد وأحرق حقل زيتونه.
أيوب، تتعدد الآراء فيك ومنك وعليك. غادرتنا، لا تعد لتمكث بيننا؛ لأن القدس الفلسطينية العربية تولد من جديد.