رام الله- معا- قبل عامين، بدأت رحلة جديدة لتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى في المستشفيات الفلسطينية، وذلك عبر إطلاق نظام متطور لتقييم رضا المرضى والموظفين عن الرعاية الصحية. وقد أتاح هذا النظام، من خلال استبيانات رقمية على أجهزة تابلت موزعة في المستشفيات، فرصة ثمينة للمرضى لتقييم الخدمات التي يتلقونها وتقديم ملاحظاتهم بشكل مباشر.
ومع بدء تطبيقه تجريبيًا في ثلاثة مستشفيات رئيسية – مجمع رام الله الطبي، ومستشفى بيت جالا الحكومي، ومستشفى جنين الحكومي – أثبتت التجربة نجاحها بوضوح، حيث انعكس ذلك إيجابًا على أداء هذه المرافق ورضا المرضى. واليوم، وبعد مرور عامين على بدء العمل بهذا النظام، تشير التقارير إلى تحسن ملحوظ في مستوى رضا المرضى، حيث استمر العمل على تطوير الأداء والاستجابة لملاحظات المرضى لتحقيق تجربة علاجية أفضل. وقد جاء هذا النظام بتمويل من القنصلية البريطانية العامة ومملكة السويد، وبتنفيذ من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بالشراكة مع وزارة الصحة الفلسطينية، ضمن برنامج الشفافية والأدلة والمساءلة، وكان خطوة حاسمة نحو الارتقاء بجودة الخدمات الصحية.
في هذا التقرير، سنتتبع التغير الزمني منذ إطلاق الاستبيان مرورًا بالأحداث والتحديات، وصولاً إلى النتائج على أرض الواقع اليوم.
البداية - الخطوة الأولى نحو التحسين
قال د. عنان راشد، في حديث خاص لـ "معا" من مكتب وكيل وزارة الصحة، وأول من عمل على استبيان رضا المرضى قبل عامين مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي - برنامج الشفافية والأدلة والمساءلة، إن الاستبيان، الذي يُعتبر أداة قياس عالمية، يهدف إلى قياس مدى تحقيق وزارة الصحة لاحتياجات متلقي الخدمات - المرضى، للتعرف على الفجوات بين الطرفين، والتعبير عنها من خلال هذا الاستبيان ليكون هناك تغذية راجعة للتدخل في نقاط الضعف الموجودة في الخدمات من باب النزاهة والشفافية.
وأكد راشد في حديثه لـ "معا" أن الجهود جاءت من أجل المواءمة على أرض الواقع في فلسطين، حيث تم إعداد الاستبيان الذي يتمحور حول أربعة محاور لتلبي لغة جميع المرضى: المحور الأول يتعلق بالبيئة الآمنة، والمحور الثاني يركز على مدى استجابة الطبيب والممرضين للمريض، والمحور الثالث يتناول عملية الاتصال والتواصل بين مقدم الخدمة ومتلقيها، أما المحور الرابع فيتعلق بالرضا العام.
وأشار راشد إلى أنه بعد وضع الأسئلة ومواءمتها مع كافة الاحتياجات، وبصياغة بسيطة يستوعبها جميع المرضى، تم تحويل الأسئلة إلى تطبيق على جهاز تابلت يُجاب عليه إلكترونيًا من قبل كل مريض يقضي أكثر من 48 ساعة داخل أقسام المبيت في المستشفيات. كما أُجريت تجربة في أكثر من مستشفى، وتم تدريب الطواقم للتعامل مع المرضى لفهم الأسئلة وتعبئتها، وربط نتائج الاستطلاع بمؤشر الأداء لكل المستشفيات لتكون هناك تدخلات محلية على مستوى المستشفى ذاته وعلى مستوى صناعة القرار في وزارة الصحة.
وأشار راشد أيضًا إلى أن استبيانًا لرضا الموظفين جرى تنفيذه أيضًا، متناولاً جوانب الرضا الوظيفي والضغط في العمل، بهدف تحسين الخدمات المقدمة للموظفين أنفسهم، ما يسهم في الوصول إلى رضا الموظف، الذي ينعكس بدوره على جودة الخدمات المقدمة للمرضى.
مجالس استشارية لدعم المستشفيات الحكومية
وفي هذا السياق، شكّلت وزارة الصحة الفلسطينية مجالس استشارية لدعم المستشفيات الحكومية، وتهدف هذه المجالس إلى تقديم التوصيات والاقتراحات لتطوير ورفع مستوى جودة الخدمات، وتنمية الموارد الخاصة بالمستشفيات، إضافة إلى توسيع وتطوير دائرة التواصل بين المستشفى والمجتمع المحلي، والتنسيق مع كافة الجهات لتحقيق هذه الأهداف. ويُشار إلى أن نتائج استبيانات رضا المرضى تُشارك مع المجالس الاستشارية لمناقشة التدخلات التي يمكن أن يدعمها أعضاء المجلس لتطوير الخدمات في المستشفيات.
من جانبه، قال أ. نظام رمضان، المستشار القانوني في وزارة الصحة، إن فكرة المجالس الاستشارية تُعتبر تحديثًا لفكرة جمعية أصدقاء المستشفى في المستشفيات الحكومية، حيث تهدف إلى كسر الحواجز بين المستشفى ومن يتلقى الخدمات، بالإضافة إلى أنها تساهم في دعم وزارة الصحة وتغطية جزء من الخدمات المقدمة للمواطنين والمجتمع المحلي وإدارة المستشفى.
وتابع رمضان أن الأهداف من هذه المجالس عديدة، منها تقديم التوصيات والاقتراحات لتطوير المستشفى وتنمية الموارد الخاصة به. وتتشكل هذه المجالس بقرار من وزير الصحة، وتضم بين تسعة إلى خمسة عشر شخصًا، من بينهم المدير الطبي، والمدير المالي، ومدير/ة التمريض من داخل المستشفى، وأعضاء من المجتمع المحلي من تخصصات متعددة. ويفضّل ألا تقل نسبة الإناث بين أعضاء المجلس عن الثلث، وأن يشمل المجلس، بقدر الإمكان، تمثيلاً لفئة الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.
اراء المواطنين والمرضى عن المجالس الاستشارية
وقد أبدى العديد من المواطنين الفلسطينيين ترحيبهم بفكرة إنشاء مجالس استشارية لدعم المستشفيات الحكومية، حيث قال "ع- م" من الخليل: "إن هذه الخطوة يمكن أن تساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتعزيز استجابة المستشفيات لاحتياجاتهم".
فيما اعتبرت "س- ق" أن المجالس الاستشارية ستوفر جسراً بين المستشفيات والمجتمع المحلي، مما يسمح بطرح مقترحات لتطوير الخدمات وضمان تقديمها بشكل شفاف وفعّال.
من جانبها، قالت "م- ق" من بيت لحم لـ "معا": "نأمل أن تساهم هذه المجالس في تعزيز المساءلة وإيصال صوت المرضى ومرافقيهم، ودعم المستشفيات في تجاوز التحديات التي تواجهها، من خلال إشراك شخصيات مجتمعية وطبية ذات خبرة في صنع القرار الصحي".
كما أوضح المواطن "ط،ع" أن المجالس المحلية تعد مطلبًا ملحًا لدعم المستشفيات من جهة، والمراقبة على تقديم الخدمات من جهة أخرى.
لتفاصيل أكثر عن المجالس الاستشارية واستبيان رضى المرضى في المقابلة التالية خلال لقاء سابق في عام 2022
https://www.youtube.com/watch?v=GYvCBwAWRsY
اليوم بعد عامين على الإطلاق، ماذا تغير على أرض الواقع؟
بدوره قال باسم أبو الرب، مدير الجودة وسلامة المريض لشؤون المستشفيات والطوارئ في وزارة الصحة، في مقابلة خاصة لـ"معا"، إن الاستبيان يلعب دورًا أساسيًا في تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة في المستشفى، حيث يُعد أداة فعّالة تساعد المستشفى على قياس مدى رضا المرضى عن الخدمات المقدمة. من خلال تحديد الجوانب التي تحتاج إلى تطوير بناءً على ملاحظات المرضى، يمكن للمستشفى اتخاذ خطوات لتحسين جودة الخدمة بشكل مستمر على مدى السنوات القادمة.
وأضاف أبو الرب أن الاستبيان يسهم في تعزيز العلاقة بين المستشفى ومرضاه، إذ إن إشعار المرضى بأن أصواتهم مسموعة يزيد من ثقتهم وولائهم للمستشفى. على المدى البعيد، يمكن لهذا التواصل الإيجابي أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات العودة إلى المستشفى وتطوير علاقات طويلة الأمد مع المرضى، مما يسهم في استدامة الثقة المتبادلة.
وأشار أبو الرب في حديثه إلى أن نتائج الاستبيان تساعد الإدارة في تطوير استراتيجيات الإدارة والجودة بشكل شامل. فمن خلال تحليل البيانات المتوفرة حول جوانب القوة والضعف في الأداء، يمكن للإدارة اعتماد استراتيجيات فعّالة على مدى السنوات الخمس المقبلة، تهدف إلى تحسين الجودة ورفع رضا المرضى.
وأكد أبو الرب أن استبيان رضا المرضى يلعب دورًا مهمًا في تعزيز سمعة المستشفى على مستوى المجتمع، حيث يسهم بشكل مباشر في بناء صورة إيجابية عن المستشفى كجهة صحية تهتم برعاية واحتياجات مرضاها، مؤكدًا أن الاستبيان يتيح للمستشفى القدرة على التكيف مع احتياجات المرضى المتغيرة وتوقعاتهم المستقبلية، كما توفر استبيانات الرضا نظرة شاملة ومستدامة حول تطلعات المرضى، ما يمكّن المستشفى من تقديم خدمات تتوافق مع هذه التغيرات، ويسهم في المحافظة على تنافسيته في تقديم خدمات صحية تلبي احتياجات المجتمع المتجددة.
الخطط المستقبلية نحو التطوير وتحسين جودة الخدمات
وعن الخطط المستقبلية للاستمرار بهذا الإنجاز الوطني وتحسينه، أوضح باسم أبو الرب أنه خلال السنوات الخمس المقبلة من المتوقع أن تلعب استبيانات رضا المرضى دورًا محوريًا في تحسين خدمات المستشفيات وتطوير تجربة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى، من خلال تطبيق استراتيجيات متقدمة، يمكن للمستشفيات استغلال نتائج هذه الاستبيانات بطرق مبتكرة لتحقيق المزيد من التحسينات.
وأشار أبو الرب في حديثه لـ "معا" إلى أن التطوير يمكن العمل عليه بعدة طرق، منها تحليل البيانات بشكل متقدم باستخدام تقنيات التحليل المتقدم مثل التحليل الإحصائي، لتحديد الاحتياجات والتوقعات، كذلك من خلال تطوير خدمات مخصصة وتصميم خدمات تلبي احتياجات فئات معينة بناءً على آراء المرضى، أو من خلال إطلاق مبادرات لتحسين رضا المرضى، أو من خلال توظيف التكنولوجيا لتحسين التفاعل مع المرضى، مثل منصات رقمية أو صفحات إلكترونية لتلقي الملاحظات بشكل مباشر، مما يسهم في تحسين التجربة الكلية للمرضى.
تجارب استبيان رضى المرضى في المستشفيات الحكومية والخاصة
في هذا السياق، قالت علام أبو صباح، رئيس قسم الجودة في المستشفى الوطني، لـ "معا" إن المستشفى منذ عامين يطبق استبيان رضا المرضى، موضحة أنه في البداية كانت هناك صعوبة في إقناع المرضى بتعبئة الاستبيان، لكن مع مرور الوقت ولأن المستشفى متخصص في الأمراض الباطنية، ما يستدعي مراجعة المريض أكثر من مرة والتواجد في المستشفى، لاحظ المرضى التغير الإيجابي لصالح الخدمات المقدمة بعد تعبئة الاستبيان لكل مريض يقضي 48 ساعة داخل أقسام المبيت في المستشفى.
وعن تجربة مستشفى المقاصد في القدس، قال إبراهيم حلوة، مسؤول قسم الجودة في مستشفى المقاصد، في حديث لـ"معًا"، إنه في إطار جهوده المتواصلة لتعزيز جودة الخدمات الصحية، أطلق مستشفى المقاصد نظامًا إلكترونيًا جديدًا لقياس رضا المرضى بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). ويأتي هذا النظام بديلاً للاستبيانات الورقية التقليدية، مشيرًا إلى أنه تم تجهيز الأقسام الرئيسية بأجهزة تابلت تتيح للمرضى تقديم آرائهم بشكل سريع ومباشر.
وأضاف حلوة: "وقد أثبتت التجربة فاعليتها في جمع وتحليل التغذية الراجعة، مما يمكّن الفريق المختص من الاستفادة من تقييمات المرضى في تحسين جودة الرعاية المقدمة"، مشيرًا إلى أن النظام حظي بتقييمات إيجابية من حيث الكفاءة وسهولة الاستخدام، وأسهم بوضوح في رفع مستوى رضا المرضى وتعزيز تجربتهم داخل المستشفى".
في مداخلة هاتفية لـ"معًا"، قالت جيهان أبو رميلة من مستشفى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في القدس حول تجربة الجمعية في قياس رضا المرضى، إن استبيانات الرضا تلعب دورًا حيويًا في تحسين جودة الرعاية الصحية داخل مستشفيات الهلال، موضحةً أن هذه الاستبيانات تُعد أداة فعّالة لرصد تجربة المرضى بشكل مباشر، مما يتيح للجمعية التعرف على نقاط القوة والضعف في الخدمات الصحية المقدمة.
وأشارت أبو رميلة إلى أن مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في القدس كان سباقًا في تطبيق استبيان رضا المرضى منذ عام 2006، حيث شهد نموذج الاستبيان التطويري عدة مراحل؛ ففي الفترة الأخيرة تم اعتماد النظام المحوسب كبديل للنماذج الورقية، مؤكدةً أن هذا الانتقال أسهم في تسهيل عملية تقديم المرضى لآرائهم بحرية وشفافية، وساعد في توفير تقارير سريعة ودقيقة للإدارة حول مستويات رضا المرضى.
وأوضحت أبو رميلة في حديثها أن التحول من النظام الورقي إلى النظام المحوسب يعكس حرص الهلال الأحمر على تعزيز جودة الخدمات الصحية بشكل مستمر، معتمدًا على تغذية راجعة دقيقة وسهلة الوصول، بما يخدم تطوير تجربة المرضى بشكل ملموس ويعزز استجابة المستشفى لاحتياجاتهم المتنوعة.
وأكدت في ختام حديثها أن نتائج الاستطلاعات تتيح تحديد نقاط القوة والفرص التحسينية التي يمكن التركيز عليها لتطوير وتحسين الخدمات المقدمة للمرضى.
آراء المواطنين حول استبيان رضا المرضى في المستشفيات الفلسطينية
عبّر المواطن "م. ال."، الذي قضى أكثر من 48 ساعة في مجمع فلسطين الطبي في رام الله، عن رأيه قائلاً: "كانت تجربتي في المستشفى جيدة بشكل عام، لكن ما أدهشني هو كيفية استجابة إدارة المستشفى لتعليقاتنا. بعد تعبئتي لاستبيان رضا المرضى، عدت إلى المستشفى مرة أخرى واستغربت من أن تعليقي تم أخذه بعين الاعتبار، حيث كان تعليقي حول أسلوب تعامل أحد الممرضين، وبالفعل لاحظت تغيّرًا كبيرًا في التعامل والأسلوب"، وفقاً لتعبيره.
من جهتها، أكدت المواطنة "غ. ع." التي مكثت في مستشفى بيت جالا الحكومي، أن الاستبيان كان له تأثير إيجابي. تقول: "عندما قمت بتعبئة الاستبيان، كانت لدي بعض الملاحظات حول الخدمة. بعد أيام قليلة، لاحظت تغييرات في طريقة تعامل الطاقم الطبي مع المرضى. كان هناك اهتمام أكبر بالتفاصيل، مما جعلني أشعر بأنني جزء من العملية التحسينية. أعتقد أن هذا النظام يساعد في جعل المستشفيات أكثر وعيًا باحتياجات المرضى".
في ختام هذا التقرير، يمكن القول إن استبيان رضا المرضى يمثل أداة حيوية لتحسين جودة الرعاية الصحية في المستشفيات الفلسطينية. لقد أثبتت النتائج المستخلصة من هذه الاستبيانات أهمية الاستماع لآراء المرضى وملاحظاتهم، حيث تتيح هذه المعلومات للمؤسسات الصحية تحديد نقاط القوة والضعف في الخدمات المقدمة.
بفضل الجهود المستمرة في تطوير النظام واستخدام التكنولوجيا الحديثة، تمكنت المستشفيات من تحقيق تحسينات ملحوظة في مستوى رضا المرضى. ومع الاستمرار في جمع التغذية الراجعة وتحليلها، فإن الفرص لتعزيز جودة الخدمات الصحية لا حصر لها.
إن نجاح هذا النظام يتطلب التزام جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الإدارة العليا وصولاً إلى فرق العمل في كل قسم. ومن خلال التعاون المستمر وتبني ثقافة تحسين الجودة، يمكننا أن نضمن توفير رعاية صحية متميزة تلبي احتياجات وتوقعات المرضى، مما يسهم في بناء مجتمع صحي ومستدام.