رام الله- معا- في وسط تحديات محلية وإقليمية، تنهض المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة كأحد أبرز إنجازات البنية الإدارية في فلسطين، حيث تمثل حجر الأساس لجهود تطوير قدرات الموظفين الحكوميين وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن. رئيس مجلس إدارة المدرسة، موسى أبو زيد، يصفها بأنها "نقلة نوعية في ميدان الإدارة العامة"، هدفها الاستجابة لطموحات الشعب الفلسطيني في خدمات عامة كفؤة وفعّالة.
مسيرة التأسيس ودعم القيادة السياسية
وفي هذا السياق وعن بناء قادة اداريين، قال رئيس مجلي إدارة المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة الوزير موسى أبو زيد لمعا، بدأت المدرسة الوطنية مشوارها بتوجيه ودعم سياسي كبير، ففي عام 2016 أصدر الرئيس محمود عباس قرارًا بقانون يؤسس المدرسة ويفتح الباب لتطوير كفاءات المؤسسات الحكومية بما يلبي احتياجات المجتمع الفلسطيني، مضيفا : "منذ اللحظة الأولى، كانت الرؤية واضحة بدعم قيادي يتجاوز الإطار المحلي إلى تعاون إقليمي ودولي؛ فالهدف هو أن تكون المدرسة منبرًا لرفع مستوى الأداء الحكومي، وجسرًا للتعاون مع دول العالم."
أهداف استراتيجية: رفع كفاءة الموظفين وتحقيق رضا المواطن
واكد أبو زيد في حديثه، ان المدرسة الوطنية للإدارة تسعى إلى تحقيق حزمة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها تطوير أداء الموظفين في القطاع العام لتعزيز رضا المواطن الفلسطيني، ورفع جودة الخدمات، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة الحوكمة الرشيدة والإدارة الفعالة. وأكد أبو زيد: "هدفنا ليس فقط تقديم تدريب، بل إحداث أثر في كل مفاصل الإدارة العامة. نحن هنا لتعزيز الثقة بين المواطن والحكومة."
وأشار أبو زيد لأربع ركائز أساسية لتحقيق التغيير الإداري، بدأ بالتدريب من خلال برامج مكثفة وشاملة، مثل برنامج إعداد القادة وبرامج التأهيل المستمر، وصولا للدراسات والأبحاث من خلال: تقديم دراسات تعزز الابتكار الإداري، كما الاستشارات من خلال خدمات استشارية تستهدف تحسين أداء المؤسسات، وأيضا التشبيك من خلال التواصل وتبادل الخبرات مع مؤسسات عربية ودولية.
المرونة الرقمية في زمن الأزمات
واكد أبو زيد في حديثة لـ معا انه وفي إطار سعيها لمواكبة المتغيرات، عملت المدرسة الوطنية على تحويل التدريب إلى بيئة إلكترونية منذ عام 2018، عبر إنشاء منصة تدريبية إلكترونية، حيث أثبتت هذه الاستراتيجية مرونتها خلال الجائحة، حيث استمرت المدرسة في تقديم خدماتها من خلال التعليم عبر الإنترنت، للاطلاع على موقع المدرسة الوطنية http://pnsa.gov.ps/ar
برنامج النزاهة والمسائلة: نحو شفافية أكبر في الإدارة العامة
يمثل مشروع "TEA" المدعوم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) نقلة نوعية في تعزيز القيم الوظيفية، حيث يهدف هذا المشروع إلى تدريب أكثر من 1200 موظف على مبادئ النزاهة والمسائلة وأخلاقيات المهنة، ما يسهم في تعزيز الشفافية والثقة في المؤسسات الحكومية.
في هذا السياق قال أبو زيد، ان مشروع "حوسبة تدريب النزاهة والمسائلة وأخلاقيات المهنة والوظيفة العامة وتكنولوجيا المعلومات (TEA)" يعد أحد أهم المبادرات الداعمة لرسالة المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة، حيث يهدف إلى تعزيز قيم النزاهة والمسائلة وأخلاقيات العمل في قطاع الخدمة المدنية. هذا البرنامج الممول من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) تحت مشروع الشفافية والأدلة والمسائلة (UNDP-TEA) يعمل على تطوير محتوى تدريبي رقمي متخصص في مجال أخلاقيات المهنة والمسائلة، إلى جانب بناء منصة إلكترونية تستهدف تدريب الموظفين الجدد في الخدمة المدنية.
وأضاف أبو زيد في حديثة: "أثمر المشروع عن تطوير منهج تدريبي إلكتروني شامل يعتمد على تكنولوجيا المعلومات، وتدريب ما يزيد عن 1200 موظف في القطاع الحكومي الفلسطيني عبر هذه المنصة"، موضحا ان التدريبات حققت عدة نتائج هامة، من بينها تعزيز مرونة التدريب عبر الاستفادة من أحدث تقنيات المعلومات وتطوير أساليب التعليم الإلكتروني، مما يسهم في تمكين الموظفين من اكتساب المهارات المطلوبة بشكل فعّال وسريع، كما يرسخ المشروع قيم النزاهة والمسائلة وأخلاقيات المهنة لدى الموظفين الجدد، ما يؤدي إلى رفع مستوى الشفافية داخل القطاع الحكومي، كما يساهم ذلك بشكل مباشر في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن الفلسطيني، وتعزيز ثقته بالعمل الحكومي، وبالتالي ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية في المجتمع.
ردود أفعال المتدربين حول تدريبات أداء المدرسة الوطنية
في إطار برنامج الشفافية والأدلة والمسائلة، أعرب المتدرب محمد الباشا، موظف محكمة استئناف القدس - رام الله، عن رضاه الكبير عن تدريبه الذي تلقاه عبر منصة المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة الإلكترونية. وقد وصف الباشا التجربة بأنها "ممتازة جدًا ومفيدة للغاية"، مشيرًا إلى أن الدورة، التي تناولت الشفافية والنزاهة والمسائلة وتكنولوجيا المعلومات، أثرت بشكل إيجابي على مسيرته الشخصية والمهنية.
وأوضح الباشا أنه استفاد بشكل خاص من مساقات أخلاقيات المهنة والمسائلة والنزاهة، والتي تهدف إلى ترسيخ قيم الشفافية والمسؤولية لدى الموظفين العموميين الجدد. حيث تعلم من مساق أخلاقيات المهنة والوظيفة العامة في القطاع العام الفلسطيني، الذي يعزز من قدراته المهنية ويساعده على تبني أفضل الممارسات الإدارية، وأكد على أهمية تطوير هذه المساقات لتحقيق رؤية قيادية متميزة في المؤسسات الفلسطينية.
كما تحدث الباشا عن مساق المسائلة الذي علمه أهمية التزام أصحاب القرار بمبدأ المسائلة، بغض النظر عن مستوى سلطتهم أو مجال عملهم، وأكد على أن هذا الالتزام يُعزز من مصداقية المؤسسات أمام الجمهور. وفيما يخص مساق النزاهة، شدد الباشا على أهمية الالتزام بالمبادئ الأخلاقية وتطبيقها بشكل يومي، مؤكداً أن هذا المساق يعزز من وعي الموظفين بأهمية القيام بالعمل الصحيح للسبب الصحيح حتى في غياب الرقابة.
وأشاد أخيرًا بمساق تكنولوجيا المعلومات الذي مكّنه من فهم آليات التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد، مما ساعده في تحسين مهاراته في بيئة العمل الرقمية.
من جانبها، المتدربة لينا حطاب من النيابة العامة قالت بخصوص التدريبات التي تلقتها من المدرسة الوطنية للإدارة: "يعد التدريب من العناصر الأساسية التي تسهم في تعزيز معرفة المتدرب وتطوير مهاراته، مما ينعكس بشكل إيجابي على أدائه الوظيفي وكفاءته العامة".
وأضافت حطاب في حديثها لـ معا: انه وفي ظل التحديات الأمنية والمالية التي نواجهها كموظفين، أصبح من الضروري إيجاد بدائل للتدريب الوجاهي، شاكرة للمدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة على تنظيم تدريب تفاعلي ساهم في تحقيق الفائدة المرجوة، متجاوزين بذلك صعوبة الوضع الأمني على الطرق والتكاليف المرتبطة بالتنقل، املة أن تستمر مثل هذه البرامج التدريبية التي تعود بالنفع على الموظف والمؤسسة على حد سواء.
وفي ذات السياق ، الدكتور باسم فؤاد أبو داود، الموظف في وزارة العمل - الإدارة العامة لسياسات قطاع العمل، قدّم ملاحظات إيجابية حول الدورة التدريبية الخاصة بالنزاهة والشفافية والتي أتاحتها المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة عبر منصتها الإلكترونية. أعرب الدكتور باسم عن تقديره لطريقة التعامل السهلة والسريعة مع المنصة الإلكترونية، حيث وجد أن تصميم المنصة وأسلوب عرض المحتوى التدريبي من خلال الفيديوهات كان مبسطاً وواضحاً، مما يسهل على المتدربين استيعاب المفاهيم دون جهد أو ملل.
كما نوّه الدكتور باسم بأهمية موضوع النزاهة والشفافية في سياق الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة ومجلس الوزراء، مشيدًا بجودة العرض وطريقة إيصال المعلومات. ومع ذلك، أشار إلى أن هناك حاجة لزيادة تفاعل المتدربين مع الموضوع من خلال عقد لقاءات حضورية أو تمديد مدة الدورة، بحيث يتم تقديم مواد أوسع وإتاحة المجال لمناقشات أعمق، مما يسهم في تعزيز فهم أعمق للمواضيع المطروحة
وفي الختام، تعد المدرسة الوطنية الفلسطينية للإدارة اليوم منصة حيوية لدعم التنمية الإدارية في فلسطين، وتواصل عملها بدعم كامل من القيادة السياسية، حيث تسهم المدرسة بفعالية في بناء جيل من الموظفين الحكوميين القادرين على تقديم خدمات تلبي التطلعات وتحقق رضا المواطن، ليكون لها دور رائد في بناء مستقبل فلسطيني أكثر إشراقًا وتقدمًا.