بقلم: د. صبري صيدم
ما أن صدرت مذكرة الاعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال، حتى جن جنون الأخير ما بين وقع الصدمة والتفكير المتمعن بسبل الطعن في القرار، أو رفضه، أو إعطاب محكمة الجنايات الدولية برمتها.
وبين هذا وذاك استمرت صواريخ نتنياهو السياسية والميدانية في قصف فلسطين والفلسطينيين ولبنان واللبنانيين، في محاولة متجاسرة للتأكيد على أن مذكرات الاعتقال لن تجدي نفعاً في الميدان: فلا هي أوقفت الحرب، ولا هي خففت من وطأة الحمم والبارود الصهيوني على الشعبين الفلسطيني واللبناني.
عدم الاكتراث هو الموقف الذي ادعاه نتنياهو بعيد صدور مذكرتي الاعتقال، متسلحاً برفض إدارة بايدن له، ومواقف بعض الداعمين لنتنياهو نفسه كرئيس وزراء هنغاريا، إضافة إلى تردد البعض الآخر في الإفصاح عن موقفه من المذكرة كألمانيا والتشيك وغيرهما.
واستناداً إلى مبدأ «خير وسيلة للدفاع.. الهجوم»، كثف نتنياهو زحف قواته باتجاه بيت لاهيا وجباليا ومدينة غزة، إضافة إلى زحفهم العسير باتجاه نهر الليطاني، بينما استمرت قواته في منعها لدخول المساعدات لقطاع غزة، وتركت المهجرين الفلسطينيين فريسة للرياح والبرد والمطر، من دون مأوى ولا رحمة، وسط الإصرار على إخلاء عمق منطقتي الشجاعية والزيتون، في الوقت الذي قصفت قواته مشفى كمال عدوان في شمال القطاع، لتزداد مع هذا وذاك وتيرة الاعتقالات وسط الفلسطينيين تحديداً في غزة، وصولاً إلى عدم شعور إسرائيل بأي حرج من الاعتراف بأن أكثر من ربع الأسرى الفلسطينيين مصابون بالجرب بفعل حرمانهم من الرعاية، وتوفير أبسط سبل الحياة، حال مثل هذا تقاطع تماماً مع احتدام الحال في الضفة الغربية.
لكن مطامح نتنياهو لم تتوقف عند صد الهجوم بالهجوم، بل بالبحث الصامت عن الخروج من ورطته المستفحلة من خلال صفقة وقف إطلاق النار في لبنان، عبر القبول بإعطاء فرنسا المجال لتعود إلى مفاوضات صفقة لبنان ونيل شرف الإعلان عن وقف النار مقابل استخدام الرئيس الفرنسي، وحسب القناة 13 العبرية، لما سمي بالحصانة الشخصية لمنع اعتقال نتنياهو وتعليق العمل بمذكرة الاعتقال على الأراضي الفرنسية، حسب زعم القناة نفسها.
لكن ثمن القبول بصفقة لبنان لم يكن مقتصراً على هذا الأمر، بل شمل موافقة الرئيس الأمريكي على رفع الحظر عن شحنة جديدة من السلاح الثقيل لدولة الاحتلال، والكلام لقناة كان العبرية، إضافة إلى إعطاء الضوء الأخضر لشريكه في الإئتلاف ووزير ماليته المتطرف بتسلئيل سموتريتش الذي قال إن نصف سكان غزة سيهاجرون خلال عامين، وإن من حق إسرائيل ضم بعض أراضي القطاع.
وقد سبق قرار المحكمة بساعات بسيطة الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ضد مشروع وقف إطلاق النار في غزة، ليشكل رافعة لنتنياهو بصورة تمكنه من استدامة الحرب التي يحتاجها للبقاء في السلطة، حسب لابيد وليبرمان المعارضين لنتنياهو نفسه. كل هذا يأتي في سياق محاولة صد الزوبعة التي أحدثها قرار الجنائية الدولية، إلا أن البعض يعتقد بأن توقيته، إنما جاء ليوفر الذريعة لنتنياهو لضم الضفة الغربية كخطوة انتقامية منه وبذلك يكون قد حقق مبتغاه.
أياً كان الموقف فإن أحداً لا يستطيع أن ينكر أهمية قرار محكمة الجنايات الدولية، ودوره في تغيير مسار المحرقة الدائرة حالياً بصورة أو أخرى، سلباً كان أم إيجاباً. فهل سيشهد الواقعان السياسي والميداني تغيرات دراماتيكية خلال الأيام المقبلة، أم سيستمر حرق الأخضر واليابس إرضاءً لطموحات نتنياهو؟ ننتظر ونرى!