السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

العودة لا الدولة/بقلم: د. عبدالله السعافين...

نشر بتاريخ: 17/03/2006 ( آخر تحديث: 17/03/2006 الساعة: 18:02 )
في اطار سعيها لاعادة الحركة الوطنية ، وهو ما نأمل ان يكون شعارا فقط ، لا مفر لحركة حماس من اعادة تقييم مسألة المطالبة بدولة فلسطينية كطموح وطني فلسطيني ، بادىء ذي بدء ، لا بد من التأكيد على انه حق طبيعي ومشروع لاي شعب في العالم ان يقيم دولته على ارضه .. لكن قيام الدولة الفلسطينية بالمواصفات المطروحة على المشهد السياسي الفلسطيني والاقليمي والعالمي لا تحقق هدفاً وطنياً فلسطينياً ، بل على العكس تحبط وتفشل اي مسعى لتحقيق الاهداف الوطنية المشروعة ، وقبل ان يرفع القارىء العزيز حاجبيه دهشة دعونا نبسط الحقائق التالية :

الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها الجميع ، ووفقاً لاعلان الاستقلال الفلسطيني عام ثمانية وثمانين ، محددة جغرافياً بالضفة والقطاع والقدس الشرقية ، ولا يختلف اثنان على ان حدود فلسطين التاريخية اشمل من ذلك ، وليس هناك مسوغ منطقي قانوني واحد لاهمال هذه الحقيقة، وان كان هناك مسوغات سياسية كثيرة .. وبات لا يخفى على احد بالطبع ان الدولة المطروحة مقطعة الاوصال ، معزولة ومحاصرة جغرافياً ، مسيطر عليها اسرائيلياً براً وبحراً وجواً ، ولا تقوم حتى على حدود سبعة وستين وانما في الحدود التي يفرضها جدار الفصل الاسرائيلي الذي يشكل حدود اسرائيل الدائمة كما اعلن ذلك قادة اسرائيل في اكثر من مناسبة .

هذا عن الجغرافيا ، اما بالنسبة للديمغرافيا ، فإن من يعيش في الضفة والقطاع والقدس الشرقية هم جزء فقط من الشعب الفلسطيني ، في حين يعيش اضعاف عددهم في الشتات ، وهؤلاء من حقهم ايضاً ان يعيشوا في دولتهم الفلسطينية ، وبذلك تشكل الدولة المقترحة حلاً مؤقتاً طويل الامد ، وليس نهاية للصراع ، طالما ظل الفلسطينيون يعيشون الشتات والمهجر الاجباري يحملون مفاتيح ابواب بيوتهم المصادرة والمستولى عليها ، ويحتفظون بوثائق ملكية الارض التي تقوم عليها التجمعات السكانية اليهودية القادمة من وراء البحار في ذات السياق ، الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها الجميع تستبعد جزء آخر مهم من الشعب الفلسطيني وتطرحهم خارج المعادلة وهم فلسطينيو عام ثمانية واربعين ، هؤلاء لا يعيشون في اسرائيل مواطنة كاملة ولا يرغبون في الانضمام الى الدولة في الضفة والقطاع ، لا تتميز بصفات الدولة الحقيقية .

لقد باتت الدولة الفلسطينية المطروحة مطلبا اسرائيليا ملحا لدرجة ان اوساط الحركة الصهيونية تتحدث عن ضرورة قيام دولة فلسطينية حتى لو اضطرت اسرائيل لان تكون اول من يعترف بها !! الهدف بالطبع هو حل مشكلة استراتيجية ديمغرافية اسرائيلية ، وليس لتحقيق هدف وطني فلسطيني ،ما هو البديل اذن ؟؟ .. ان الدولة كوسيلة لادارة وتنظيم الحياة البشرية ينبغي الا تكون اولوية عند الفلسطينيين لان العنصر البشري المتواجد في بقعة جغرافية واحدة والذي يشكل اساس الدولة غير متوفر ، ولذلك فإنه يفترض ان يركز الجهد الفلسطيني على توفير هذا العنصر اولاً ، اذا توفر للفلسطينيين التجمع في بقعة جغرافية معينة فإن الدولة تصبح تحصيلاً حاصلاً ،اقامة الدولة قبل العودة تعني منطقياً عودة من يريد الى هذه الدولة ، وهذا سبب آخر يدفع اسرائيل الى تبني حل الدولتين والدفع بإتجاه اقامة دولة فلسطينية بالصورة المطروحة حالياً.

العودة هي الاساس اذن ، ولتكن الى فلسطين / اسرائيل لمن شاء ... ثم يقرر كل من يعيش بين المتوسط ونهر الاردن في ان يختاروا شكل دولتهم واسمها وعلمها ، حتى لو كان اسمها اسرائيل ، يجب ان يبدأ الفلسطينيون ببناء استراتيجية العمل السياسي على اساس حق العودة وليس الدولة ، وليكن من حق العائدين العيش في ارضهم بغض النظر عن الدولة التي تحكمهم وتنظم امور حياتهم ، المواطن يريد حياة كريمة ومستقبلاً آمناً ، وليس اطاراً سياسياً يشبعه شعارات وخطب رنانه في الوقت الذي يسلبه ماله وحقه وربما حياته عبر الفساد والفوضى والظلم ، وهنا ينبغي التوقف ملياً امام مقولة بحاجة الى التدقيق مفادها انه لو خير الفلسطينيون في القدس الشرقية بين البقاء جزءاً من مواطني دولة اسرائيل او ان يكونوا جزءاً من دولة فلسطينية لا توفر لهم الامن والعلاج والتعليم ، لاختاروا اسرئيل ، ليكن الفلسطينيون جزءا من دولة تضم كل من يعيش في المنطقة .. دولة اقليمية كبرى ... يعيش فيها الفلسطيني والاسرائيلي واللبناني والسوري والاردني ... لماذا الاصرار فلسطينياً على دولة فلسطينية في جزء من الارض ، تكون في جوهرها تأسيساً لمزيد من الصراع وتستثني الشتات، وتستبعد ثمانية واربعين ؟؟

العودة الى اسرائيل هي ما يستحق ان يبذل الفلسطينيون جهدهم بشأنه ، اسرائيل ترفض ذلك وتحاربه ، وقبولها بدولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل كما ينادي ايضاً الاميريكيون والاوربيون هو بديل ماكر عن حق العودة ، اسرائيل ومن ورائها الاميريكيون والاوربيون على خطأ كبير ، هناك في اسرائيل من يدرك انه لا مستقبل لاسرئيل الا اذا كانت جزءاً من المنطقة .

في هذا الاطار بالذات تكمن المحاولات التي يبذلها اصحاب هذه القناعة لدمج اسرائيل في المنطقة ، لكن هذه المحاولات لن يكتب لها النجاح ولن تصبح اسرائيل جزءاً من المنطقة بمجرد فتح سفارات وممثليات لها في عواصم دول المنطقة ، او بتبني مشاريع كالشرق الاوسط الكبير ، طالما ظلت محافظة على نقائها يهودية ، وسيلة اسرائيل الوحيدة للبقاء آمنة ومستقرة تكمن في عودة الفلسطينيين اللاجئين واندماجهم في الحياة السياسية ومساهمتهم الخلاقة في بناء مجتمع يقوم على التعددية والتسامح ... من الطبيعي ان ترفض اسرائيل توجهاً كهذا ، ولربما اعتبرته خطيراً على وجودها ، كرفضها لفكرة الدولة ثنائية القومية ، لكن ما ترفضه اسرائيل هو بالضبط ما ينبغي علينا الكفاح لتحقيقه .