لندن -معا- في سياق التحولات الإقليمية المتسارعة، تبرز تقارير تتحدث عن أن حركة الجهاد الإسلامي، إحدى الجهات التي تحتفظ بأسرى إسرائيليين في قطاع غزة، تستعد لمغادرة سوريا في الفترة المقبلة. هذه الخطوة تأتي على خلفية العلاقة السلبية بين السلطة الحاكمة الجديدة في سوريا وبين بعض الفصائل الفلسطينية، والتي تفاقمت مع انهيار نظام بشار الأسد وتصاعد الصراعات الداخلية والإقليمية.
وتشير مصادر بحثية إلى أن مغادرة الجهاد الإسلامي من سوريا تعكس تغيرًا في قواعد اللعبة الإقليمية، ما يفتح باب التساؤلات حول تأثير هذا التحول على ديناميكيات التفاوض بين إسرائيل وحماس بخصوص صفقة تبادل الأسرى. وبالنظر إلى أن هذه الحركة تُعتبر فاعلًا مركزيًا في ملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، فإن تغير مواقعها وعلاقاتها قد يعيد تشكيل معادلات الضغط والمفاوضات.
وفي ورقة وضعها مركز رصد للدراسات اليوم الثلاثاء حملت عنوان ...سوريا بعد الأسد: التحولات وتداعياتها قالت الورقة إن سوريا شهدت انهيار نظام بشار الأسد بعد سنوات من الحرب الأهلية، مما أدى إلى تغير جذري في المشهد السياسي. مع تراجع دور النظام المركزي، دخلت البلاد مرحلة جديدة من النفوذ الإقليمي والدولي المتشابك. في هذا السياق، يبدو أن الفصائل الفلسطينية المسلحة، التي كانت تجد دعمًا أو مأوى داخل سوريا، تواجه واقعًا جديدًا.
العلاقة بين السلطة الحاكمة الجديدة والفصائل الفلسطينية مثل الجهاد الإسلامي باتت متوترة، حيث يبدو أن النظام السوري الجديد يتبنى مقاربة أكثر تحفظًا تجاه دعم هذه الفصائل. مغادرة الجهاد الإسلامي لسوريا تأتي في هذا الإطار، حيث تبحث الحركة عن أماكن أكثر استقرارًا لدعم عملياتها، وهو ما قد يُضعف من نفوذها الإقليمي ويؤثر على ملف الأسرى الذي تستخدمه كورقة تفاوضية مع إسرائيل.
وفي الجزء الثاني من الورقة تناقش تصريحات نتنياهو وربطها بالتطورات الإقليمية ، وقالت الورقة إنه وفي ظل هذه التحولات، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن انهيار النظام السوري قد يُسرّع من وتيرة إتمام صفقة تبادل الأسرى مع حماس. هذه التصريحات تُشير إلى إدراك نتنياهو للتحولات الإقليمية وحرصه على استثمارها لصالح أهدافه الاستراتيجية.
مغادرة الجهاد الإسلامي من سوريا تُضيف بعدًا جديدًا لهذه الديناميكيات. فمن جهة، قد تُضعف هذه الخطوة قدرة الحركة على التأثير في ملف التفاوض حول الأسرى. ومن جهة أخرى، قد يدفع هذا التحول إسرائيل إلى تركيز جهودها بشكل أكبر على حماس، التي باتت الجهة الرئيسية التي تحتفظ بالجنود الإسرائيليين في غزة.
وعن الجهاد الإسلامي وحماس: تباين في الأدوار والأهداف تقول الورقة : بينما تحتفظ حماس بمكانتها كفاعل رئيسي في قطاع غزة، تُعتبر الجهاد الإسلامي فصيلًا ذو توجهات مختلفة، وأكثر ارتباطًا بمحاور إقليمية تشمل إيران وسوريا سابقًا. مغادرة الجهاد الإسلامي لسوريا قد يُضعف دعمها اللوجستي والعسكري، لكنه قد يجعلها أكثر مرونة في سياق التفاوض، خصوصًا إذا وجدت نفسها أمام ضغوط إقليمية جديدة.
أما حماس، فهي تُدرك أهمية الملف كورقة تفاوضية، وتسعى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في صفقة تبادل الأسرى. بالنسبة لإسرائيل، فإن التعامل مع حماس كجهة تفاوض رئيسية قد يكون أكثر استقرارًا مقارنة بالجهاد الإسلامي، الذي يتسم بموقف أكثر تشددًا وتوجهات إقليمية قد تعقد المفاوضات.
تحديات إسرائيل: بين التفاوض وضغوط الداخل
بالرغم من الفرصة التي قد يوفرها انهيار النظام السوري ومغادرة الجهاد الإسلامي، فإن ملف الأسرى يظل تحديًا كبيرًا أمام الحكومة الإسرائيلية. حماس تُدرك أن أي صفقة تبادل ستكون فرصة لتعزيز مكانتها بين الفلسطينيين، ولذلك تُطالب بإطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، وهو ما يضع إسرائيل في موقف حساس.
إسرائيل تواجه أيضًا ضغوطًا داخلية كبيرة، حيث تُعتبر قضية الأسرى مسألة وطنية حساسة تُؤثر بشكل مباشر على الرأي العام. نجاح نتنياهو في هذا الملف قد يمنحه انتصارًا سياسيًا يعزز موقفه، خصوصًا في ظل الأزمات الداخلية والاحتجاجات الشعبية ضد سياساته.
وعن تحولات المشهد الإقليمي وتأثيرها على صفقة الأسرى تقول الورقة إنه يمكن القول إن التحولات في سوريا، بما في ذلك مغادرة الجهاد الإسلامي، توفر فرصة لإسرائيل لإعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة. انهيار النظام السوري وتراجع النفوذ الإيراني في جنوب سوريا يقلل من المخاطر المباشرة على حدود إسرائيل، ما يتيح لها التركيز على قضايا أخرى مثل غزة.
في الوقت ذاته، هذه التحولات تُضعف من قدرة الفصائل الفلسطينية على المناورة الإقليمية، مما قد يجعلها أكثر انفتاحًا على التفاوض. بالنسبة لحماس، فإن الانشغال الإقليمي بسوريا قد يمنحها فرصة لتحقيق مكاسب في المفاوضات دون الخوف من تصعيد إقليمي كبير.
وعن نتنياهو والفرصة السياسية قالت الورقة إن تصريحات نتنياهو حول تسريع صفقة الأسرى تعكس مزيجًا من الواقعية السياسية والطموح الاستراتيجي. فهو يسعى لاستثمار التطورات الإقليمية لتعزيز موقفه داخليًا وخارجيًا. نجاحه في إتمام صفقة تبادل الأسرى سيكون إنجازًا يُحسب له في ظل التحديات التي تواجه حكومته.
عموما تُظهر التحولات الإقليمية، من انهيار النظام السوري إلى مغادرة الجهاد الإسلامي، أن المشهد السياسي في الشرق الأوسط يمضي نحو ديناميكيات جديدة تُعيد تشكيل التوازنات. تصريحات نتنياهو حول صفقة الأسرى تعكس قراءة دقيقة لهذه التحولات، ومحاولة لاستثمارها بما يخدم أهداف إسرائيل الاستراتيجية.
يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن إسرائيل من استغلال هذه التطورات لإتمام صفقة تبادل الأسرى بشروط تحقق مكاسبها دون تقديم تنازلات كبرى؟ الإجابة تعتمد على مدى قدرة الأطراف المعنية على التكيف مع هذه التحولات، وإعادة ترتيب أولوياتها في ظل المشهد الجديد.