الجمعة: 31/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

ورقة تقدير موقف: معضلة إعادة إعمار غزة بين التنافس السياسي والضغوط الدولية

نشر بتاريخ: 30/01/2025 ( آخر تحديث: 30/01/2025 الساعة: 21:04 )
ورقة تقدير موقف: معضلة إعادة إعمار غزة بين التنافس السياسي والضغوط الدولية

لندن- معا- تواجه عملية إعادة إعمار غزة معضلة سياسية معقدة، حيث تسعى حركة حماس إلى تأكيد حضورها السياسي والإداري في القطاع، في مقابل رغبة بعض الدول العربية الفاعلة في إزاحتها تمامًا من المشهد السياسي. هذه الحسابات الإقليمية والدولية تعرقل جهود إعادة الإعمار وتضعها في إطار مساومات سياسية تتجاوز البعد الإنساني.

مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية وضع ورقة تقدير موقف عن هذه القضية ، وهي الورقة التي كانت أول فصولها بعنوان...حماس ورهانات البقاء في المشهد السياسي: منذ انتهاء العمليات العسكرية الأخيرة، تسعى حركة حماس لإعادة تثبيت نفسها كفاعل رئيسي في غزة، ليس فقط من خلال استعراضاتها العسكرية وظهور قياداتها في شوارع القطاع، ولكن أيضًا عبر استثمار قضية إعادة الإعمار سياسيًا. تدرك حماس أن استمرار وجودها في السلطة يشكل عقبة أمام تدفق المساعدات الدولية، خاصة في ظل تعهد المبعوث الأميركي لعملية السلام بعدم إدخال أي مساعدات أو كرافانات طالما أن حماس لا تزال في السلطة.

وفي هذا السياق، تحاول الحركة استغلال امتلاكها أسرى عسكريين إسرائيليين كورقة ضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية، بهدف التفاوض على إدخال المساعدات بطرق لا تتعارض مع مصالحها الاستراتيجية. وقد بدأت بالفعل في إرسال إشارات مبطنة إلى الأميركيين بأنها قد تكون شريكًا ضروريًا في أي ترتيبات مستقبلية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.

الموقف العربي والإقليمي: في المقابل، تسعى بعض الدول العربية إلى إعادة إعمار غزة بعيدًا عن سيطرة حماس، معتبرة أن استمرار وجودها السياسي والعسكري يعني ترسيخ انقسام الساحة الفلسطينية وإبقاء القطاع في حالة من العزلة الدولية. ويبدو أن هذه الدول تربط دعمها المالي والسياسي بإيجاد آلية تضمن استبعاد حماس من إدارة القطاع، سواء عبر تعزيز دور السلطة الفلسطينية أو من خلال آليات دولية تشرف على عملية الإعمار بشكل مباشر.

إلا أن هذه الرؤية تواجه تحديات حقيقية على الأرض، حيث لا تزال حماس تسيطر بشكل فعلي على القطاع، وتمتلك قوة عسكرية وتنظيمية تحول دون فرض أي ترتيبات جديدة دون أخذ موقفها بعين الاعتبار. كما أن أي محاولات لإقصائها قد تدفعها إلى تصعيد عسكري جديد، مما يزيد من تعقيد الوضع بدلاً من حله.

الدور الأميركي والإسرائيلي: على المستوى الدولي، يبرز الموقف الأميركي كعامل حاسم في تحديد مسار إعادة الإعمار. فإدارة الرئيس جو بايدن تتعامل بحذر شديد مع الملف، إذ تسعى إلى تحقيق توازن بين دعم إعادة الإعمار وبين منع تعزيز نفوذ حماس. وفي هذا السياق، جاء التصريح الأميركي الواضح بأن أي مساعدات لن تدخل إلى غزة طالما أن الحركة لا تزال في السلطة.

أما إسرائيل، فهي معنية بمنع تعافي حماس عسكريًا وسياسيًا، وتسعى إلى فرض شروط صارمة على دخول المساعدات، بما يضمن عدم استخدامها في إعادة بناء القدرات العسكرية للحركة. ومع ذلك، فإن استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة قد يشكل ضغطًا دوليًا على إسرائيل للسماح بإدخال المساعدات، خاصة مع تزايد الضغوط من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.

خاتمة وتوصيات: إن معضلة إعادة إعمار غزة ترتبط بشكل مباشر بالتجاذبات السياسية بين مختلف الأطراف، ولا يمكن فصلها عن الصراع القائم على النفوذ في القطاع. وفي ظل هذه التعقيدات، يمكن طرح عدة سيناريوهات:

1. التوصل إلى تسوية سياسية مؤقتة تتيح إدخال المساعدات بشكل مشروط، مع إشراف جهات دولية على عمليات إعادة الإعمار لضمان عدم استفادة حماس منها.

2. تعزيز دور السلطة الفلسطينية في إدارة عملية الإعمار، وهو ما يتطلب توافقًا داخليًا فلسطينيًا لا يبدو قريب المنال.

3. إبقاء الوضع الراهن مع استمرار الضغوط على حماس، وهو سيناريو قد يؤدي إلى تصعيد جديد في المستقبل.

في النهاية، تبقى إعادة إعمار غزة رهينة للعبة السياسية الإقليمية والدولية، مما يجعل الحلول الإنسانية مرهونة بالاعتبارات الاستراتيجية والأمنية للأطراف المختلفة.