رام الله- معا- بعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة واستمرار آثارها الكارثية، وأحد أوجها الجرائم التي ارتكبت وما تزال بحقّ الأسرى والمعتقلين، لا تزال شهادات معتقلي غزة تكشف المزيد من التفاصيل عن الفظائع التي ارتكبها جيش الاحتلال بحقهم، -وتحديدا- خلال عملية اعتقالهم، ولاحقا بعد نقلهم إلى معسكرات وسّجون الاحتلال الإسرائيلي.
وهذه الشهادات هي جزء من عشرات الشهادات والإفادات التي حصلت عليها المؤسسات من خلال الزيارات التي جرت للعديد من معتقلي غزة على مدار الفترة الماضية، ومؤخرا تمت زيارة 18 معتقلا من معتقلي غزة في سجن النقب، ومعسكر سديه تيمان).
واكدت هيئة الأسرى ونادي الأسير مجدداً، أنّ الجرائم والانتهاكات التي تعكسها الشهادات، لم يتغير مستواها بل ما تزال ذات المستوى، مما يضاعف مستوى الخطورة على مصير الآلاف من الأسرى والمعتقلين، لا سيما مع مرور المزيد من الوقت على مواجهتهم لنفس مستوى الجرائم والظروف الاعتقالية، كما أنّ العديد من معتقلي غزة ما زالوا لا يعلمون أي شيء عن مصير عائلاتهم، بعد مضي عام وأكثر على اعتقالهم.
وما تزال جرائم التعذيب تسيطر على وقع شهادات الأسرى والمعتقلين، وحتى جرائم التجويع، والإذلال بكافة أشكاله، عدا عن الظروف الاعتقالية القاسية الذي يقوم أساسها على سياسات السلب والحرمان.
واستعرضت مؤسسات الاسرى مجددا مجموعة من الإفادات لمعتقلين من غزة جرت زيارتهم -خلال شهر- شباط الجاري جاءت على النحو التالي:
-إفادات لعمليات الاعتقال والضرب المبرح الذي تعرض له المعتقلون
-أحدهم كسرت يديه نتيجة للضرب المبرح ونكل به من خلال القيود
أفاد المعتقل (خ.و): "كنت في طريقي إلى الجنوب عبر الممر الآمن، وتعرضت للضرب المبرح، وللتنكيل، قبل أن يتم اعتقالي، وكان الضرب وحشي، حتى قبل الاطلاع على هويتي، وبعد ذلك وضعوا الكاميرا على وجهي، من أجل تشخيصي، وأمروني بخلع ملابسي، وارتداء لباس أبيض، وبقي معي 8 أشخاص آخرين من ساعات الظهر حتى ساعات الليل في البرد دون طعام أو شراب، ثم نقلت إلى منزل قريب وقاموا بضربي مجدداً -بوحشية- وأنا مقيد مما أدى إلى حدوث كسر في يدي الاثنتين، ولم يقدموا لي أي علاج، استخدموا (البساطير) في ضربي، وقطع من الخشب.
بعد ذلك نقلوني في شاحنة، وبقيت طوال الليل بقية في البرد القارس، أنا وعدد من المعتقلين، ثم جرى نقلي بسيارة إسعاف بسبب وضوح الإصابات في ذراعيّ وانتفاخها بشكل لافت، وطوال مكوثي في المستشفى كنت مقيدا ومعصوب الأعين ولم يشرحوا لي وضعي الصحي، علماً أن الأسير حضر للزيارة، والجبس ما يزال على يديه ومع ذلك كان مقيدا للخلف من أعلى ذراعيه.
(المعتقل علم عن مكان احتجازه عبر المحامي الذي قام بزيارته).
كما أفاد المعتقل (س. ل): "إنه اعتقل خلال نزوحه مع عائلته إلى الجنوب، ونقل بناقلة جند من مكان الاعتقال، وبعد ذلك نقل في باص إلى معسكر (سديه تيمان)، علماً أنه لم يكن يعلم أنه متواجد في معسكر (سديه تيمان) قبل الزيارة، وقد تعرض مطولا للضرب المبرح (بالبساطير)، وعانى في حينه من آلام شديدة، وصعوبة في التّنفس، بعد أن تعرض لكم الضرب الهائل، وما يزال حتّى مرور عدة شهور على اعتقاله يعاني من آلام في الصدر.
أما على صعيد التحقيق، فكما العديد من المعتقلين فقد تعرض المعتقل (س.ل) إلى تحقيق (الديسكو)، لمدة 6 أيام متواصلة، وهو معصوب الأعين طوال الوقت. عدا عن ذلك فقد أجبره التوقيع على أوراق باللغة العبرية دون معرفته بمضمونها، بعد مرور 45 يوما على اعتقاله عقدت له جلسة مدتها دقيقة واحدة. ووجهت له تهم دون السماح له بالحديث، وأقر القاضي أنه معتقل حتى إشعار آخر.
-إدارة معسكر (سديه تيمان) تحوّل (الفورة – الخروج لساحة المعسكر) أداة لإذلال الأسرى والتنكيل بهم.
تشكل (الفورة) المساحة الوحيدة للأسرى للخروج من الزنازين إلى ساحة المعسكر أو السّجن، إلا أنه ومنذ بدء حرب الإبادة حرم الآلاف من الفورة لفترات ثم تحوّلت إلى أداة (لعقاب) الأسرى، بحرمانهم منها، وأصبحت تخضع لمزاجية إدارة السّجون، أو لمزاجية إدارة المعسكر، ثم تحوّلت في المعسكرات إلى أداة لإذلال الأسرى والتّنكيل بهم، وذلك استنادا للعديد من شهادات الأسرى ففي معسكر (سديه تيمان) الذي شكّل عنواناً لفظائع الاحتلال وجرائمه بحقّ الأسرى، لا تتعدى الفورة خمس دقائق وخلالها يتعمد السّجانون، تحويلها إلى فرصة لإذلال الأسرى، من خلال الصراخ عليهم، وإجبارهم على طأطأة رؤوسهم، ويمنعونهم من الحديث فيما بينهم، ومن يحاول الحديث يتعرض للتنكيل.
-حرمان الأسرى من الملابس شكلاً من أشكال سياسات السلب والحرمان
منذ بداية حرب الإبادة صادرت إدارة السجون ملابس الأسرى، وأبقت غيارا واحدا لكل أسير، وعلى الرغم من الخطوات القانونية التي بذلتها المؤسسات ومنها مؤسسات في الأراضي المحتلة عام 1948، من خلال تقديم التماسات تتعلق بهذا الأمر إلا أنّ بعض المعتقلين -وتحديدا- في المعسكرات مر على ارتداء نفس الملابس أكثر من 70 يوماً، وأقصى مدة يمكن السماح للمعتقل بتغيير ملابسه الخارجية مرة في كل شهر، فالملابس نموذجا واحدا على العديد من التفاصيل التي تندرج ضمن سياسات السلب والحرمان، وبحسب شهادات المعتقلين في معسكر (سديه تيمان)، فإن إدارة المعسكر تحضر قطعة صابون صغيرة، يستخدمها تسعة أسرى للاستحمام، كما أنها لا توفر أي نوع من أدوات التنظيف، ومؤخرا بدأت تظهر إصابات بالجرب بين صفوف المعتقلين، مع ذلك تتجاهل إدارة المعسكر ذلك، ولا توفر أي عامل من عوامل منع انتشاره.
معتقلون في سجن النقب يعانون من آثار الإصابة بمرض (الجرب- السكايبوس) منذ شهور
في السجن النقب ما تزال الإجراءات الإذلالية والتنكيلية تمارس بحقّ الأسرى بنفس المستوى، وكذلك الجرائم الطبيّة وجرائم التجويع التي تسيطر على رواية الأسرى التي تنقلها الطواقم القانونية، حيث شكّل سجن (النقب) بعد الحرب وما يزال، من أكثر السجون الذي سُجلت فيها جرائم تعذيب ممنهجة، وعمليات تنكيل، واعتداءات بمختلف أشكالها، هذا إلى جانب الكارثة الصحية التي أصابت الأسرى بعد انتشار مرض الجرب (السكايبوس)، فمن خلال زيارات تمت لـ15 أسيراً من أصل 18 فإن غالبيتهم مصابين أو أصيبوا بمرض الجرب، وما يزال بعضهم يعاني من آثار المرض منذ شهور، مع العلم أن اثنين من الأسرى الذين ارتقوا بعد الحرب كان الجرب السبب المركزي في استشهادهم وهما محمد منير موسى، ومعتز أبو زنيد.
تجدد هيئة الأسرى ونادي الأسير مطالبتهما للمنظومة الحقوقية الدّولية المضي قدما في اتخاذ قرارات فاعلة لمحاسبة قادة الاحتلال على جرائم الحرب التي يواصلون تنفيذها بحقّ شعبنا، وفرض عقوبات على الاحتلال من شأنها أن تضعه في حالة عزلة دولية واضحة، وتعيد للمنظومة الحقوقية دورها الأساس الذي وجدت من أجله، ووضع حد لحالة العجز المرعبة التي طالتها خلال حرب الإبادة والعدوان المستمر على الضّفة، وإنهاء حالة الحصانة الاستثنائية التي منحتها دول الاستعمار القديم لدولة الاحتلال إسرائيل باعتبارها فوق المساءلة والحساب والعقاب.
تذكّر هيئة الأسرى، ونادي الأسير مجدداً أبرز الحقائق عن قضية معتقلي غزة
•حتّى اليوم لا يوجد تقدير واضح لعدد المعتقلين من غزة في سجون ومعسكرات الاحتلال من قبل المؤسسات المختصة، والمعطى الوحيد المتوفر هو ما أعلنت عنه إدارة سجون الاحتلال في بداية شهر شباط/ فبراير وبلغ عددهم (1802) ممن صنفتهم (بالمقاتلين غير شرعيين)، من بينهم ثلاث أسيرات محتجزات في سجن (الدامون)، وعشرات من الأطفال تحديدا في سجن (مجدو)، ومعسكر (عوفر).
•لم تتمكن المؤسسات من رصد عدد حالات الاعتقال من غزة في ضوء جريمة الإخفاء القسري التي فرضها الاحتلال على معتقلي غزة منذ بدء الحرب، ويقدر عددهم بالآلاف.
•استحدث الاحتلال عدة معسكرات خاصة لاحتجاز معتقلي غزة إلى جانب السجون المركزية، منها ما هو معلوم وقد يكون هناك معسكرات غير معلن عنها: كان أبرزها معسكر (سديه تيمان) ومعسكر (عناتوت) ومعسكر في حيز سجن (عوفر)، إضافة إلى معسكر (نفتالي).
•شكّلت روايات وشهادات معتقلي غزة، تحولا بارزا في مستوى توحش منظومة الاحتلال والتي عكست مستوى -غير مسبوق- عن جرائم التّعذيب، وعمليات التّنكيل، والتّجويع، بالإضافة إلى الجرائم الطبيّة الممنهجة، والاعتداءات الجنسية، واستخدامهم دروعا بشرية.
•شكّل معسكر (سديه تيمان) عنواناً بارزاً لجرائم التّعذيب، والجرائم الطبيّة المروعة بحقّ معتقلي غزة، إضافة إلى ما حملته روايات وشهادات معتقلين آخرين مفرج عنهم عن عمليات اغتصابات واعتداءات جنسية فيه، مع العلم أنّ هذا المعسكر ليس المكان الوحيد الذي يحتجز فيه معتقلو غزة، فالاحتلال وزّعهم على عدة سجون مركزية ومعسكرات، ونفّذ بحقّهم عمليات تعذيب ممنهجة، توازي عمليات التعذيب في معسكر (سديه تيمان) ، منهم سجني (النقب وعوفر).
•أدت هذه الجرائم إلى استشهاد العشرات من المعتقلين، هذا عدا عن عمليات الإعدام الميداني التي نُفّذت بحق آخرين، علماً أنّ المؤسسات المختصة أعلنت فقط عن (37) شهيدا من معتقلي غزة، وهم من بين (58) معتقلاً وأسيراً اُستشهدوا منذ بدء حرب الإبادة، فيما يواصل الاحتلال إخفاء بقية أسماء معتقلين استشهدوا في المعسكرات والسّجون.
-يواصل الاحتلال منع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارتهم، كما الأسرى والمعتقلين كافة.
-يشار إلى أنّ الاحتلال نفذ حملات اعتقال واسعة في شمال غزة، علماً أن حملات الاعتقال هذه طالت العشرات من الطواقم الطبيّة، وحتى اليوم لا تتوفر معلومات عن مصير من تم اعتقالهم مؤخرا وما زالوا رهن الإخفاء القسري.