الأربعاء: 12/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

العهد الترامبي!

نشر بتاريخ: 12/02/2025 ( آخر تحديث: 12/02/2025 الساعة: 13:44 )
العهد الترامبي!



بقلم: د. صبري صيدم


قبيل استقالتها بفترة بسيطة سأل أحد الصحافيين المرأة الحديدية، التي شغلت منصب رئيسة وزراء بريطانيا ذات يوم مارغريت ثاتشر، إذا ما كانت ستغادر موقعها خلال تلك الفترة، خاصة بعد تعاظم المد الرافض لبقائها في الحكم، بمن فيهم من هم في أوساط حزبها. ثاتشر المتسلحة بشموخها المعهود ردت بصوتها الجهوري المعروف، وبثقة كبيرة بالعبارة التالية: الوقت لم يحن بعد لكتابة المذكرات.

لكن المرأة الحديدية ما لبثت أن أعلنت بعد تلك الواقعة بأيام عن مغادرتها لمقر الحكومة البريطانية المعروف في 10 داونينغ ستريت، مسدلة الستار على 11 عاماً و288 يوماً في مقعد القيادة، بعد فترة صاخبة من التقلبات والأنواء السياسية والنقابية، التي عصفت بالبلاد في الفترة الممتدة بين عامي 1979 و1990.

ومع مغادرة ثاتشر للسلطة، بدأ رجال الفكر والسياسة في بريطانيا بإطلاق مصطلح «الثاتشرية» على تجربة المرأة الحديدية. وعندما غادر جون ميجر رئيس الوزراء الذي نجح بالإطاحة السلمية بثاتشر، بعد سبع سنوات من وجوده في السلطة على كرسي الحكم، عاد المفكرون ورجال السياسة والفكر للمقارنة بينهما، إلى أن خلص البعض للقول إن هناك تجربة سياسية بريطانيا تعرف بـ»الثاتشرية»، ولكن لا توجد تجربة تعرف بـ»الميجرية».

اليوم ومع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض بعد 4 سنوات على غيابه تعود هذه التجربة في بريطانيا إلى الذاكرة، ليتساءل الإنسان عن إذا ما كان تاريخ أمريكا والعالم برمته سيذكر فترة ترامب بالـ»الترامبية»، أو العهد «الترامبي»، خاصة مع تنامي قرارات ترامب التنفيذية، وتعاظم طموحاته الاستفزازية وتزايد نزعاته الاستعمارية، وتصاعد أفكاره الاستحواذية.

فلا الصين ولا المكسيك وبناما ولا غرينلاند ولا جنوب افريقيا ولا كندا ولا أوروبا ولا حتى غزة سلمت من بطش ترامب، إما ضرائبياً أو استعمارياً، بينما طالت النزوات «الترامبية» منظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية، وحتى وكالة المساعدات الأمريكية. ولم تسلم وزارات ترامب من البطش، ومنها وزارة التعليم والرفاه الاجتماعي وغيرهما.

الرئيس الأمريكي اليوم إنما يملأ الدنيا ويشغل الناس بتصريحاته وقراراته العجيبة الغريبة، حتى أعطى لنفسه القرار بشطب تاريخ شعب برمته وتصديره خارج بلاده وحرمانه من العودة إليها في مشهد أشبه بالكوميديا السوداء، ونزوات ملك الروم نيرون الذي حرق روما ذات يوم، وإمبراطور افريقيا الوسطى جون بيديل بوكاسا، الذي اعتاد على أكل الأطفال كما أشيع عنه، والقائمة تطول من زعماء العالم من أصحاب الأطوار الغريبة.

ترامب في مواجهة العالم، هذا ما يبدو عليه المشهد اليوم، وبصورة باتت محل تخمين يومي لدى متابعيه الذين يسألون: على من سيكون الدور اليوم؟ هل يقبل ترامب أن يرحل من بلاده؟ أو تفرض دولة ما ضرائب على الولايات المتحدة الأمريكية؟ أو تقطع عنها المساعدات؟ أو تلقي برعاياها في المنافي وتمنعهم من العودة؟ أم تصادر جزءاً من أراضيها وتحولها إلى مشروعات استثمارية؟

الجواب الأقصر معروف للجميع، وهو ما عبر عنه سكان غرينلاند الذين جمعوا مؤخراً 200 ألف توقيع على عريضة لشراء كاليفورنيا من الولايات المتحدة، ردا على نية ترامب شراء جزيرة غرينلاند، ذاتية الحكم في الدنمارك.

وقد جاء في العريضة: «إن شراء كاليفورنيا سيضمن لنا المزيد من ضوء الشمس، والسيطرة على صناعة التكنولوجيا، وكمية غير محدودة من الأفوكادو، والوصول المجاني إلى ديزني لاند».

وقد أعلن منظمو العريضة أنهم سيغيرون اسم مدينة الملاهي وتسميتها على اسم المؤلف الدنماركي الشهير هانز كريستيان أندرسن. وأضاف الموقعون أن ترامب ليس من أكثر المعجبين بكاليفورنيا، وأنهم على يقين ساخرين من أنه على استعداد للتخلي عن هذا المكان بسعر معقول!

التجربة الترامبية، أو العهد الترامبي سيكونان من أغرب تجارب التاريخ والسياسة والحكم وبصورة لن تمح من ذاكرة الجميع، فهل يستمر حكم ترامب أم تتغير المعادلات والمعطيات وتفاجئنا الأقدار بما تحمل؟ ننتظر ونرى