الأربعاء: 25/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

أريحا...من اقدم المدن إلى أوضح الحقائق - د. عادل سمارة

نشر بتاريخ: 18/03/2006 ( آخر تحديث: 18/03/2006 الساعة: 15:00 )
لعل أهمية الحقائق كامنة في عنادها، فهي لم تخضع عبر تاريخ البشر للرغائب والمناورات ولا ترحم من يترجاها أو لا يفهمها. ومن الحقائق في حالة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني :

أولاً: ان هذه السلطة هي مجرد فريق يقوم بدور أناطه بها الاحتلال. وكما ذكرنا غير مرة، أن الكيان الصهيوني قرر باتفاق أوسلو السماح لحركة سياسية هي منظمة التحرير الفلسطينية بأن تعمل في أوساط رعايا خاضعين لهذا الاحتلال، اي أعطى الكيان تصريحا لحزب بالعمل في جزء من ارض هي تحت هيمنته واستعماره. وهذا التصريح لا يعني أن الحزب يمثل اي مستوى من الاستقلال والسيادة.

ثانياً: أن دور قوى الامن الفلسطينية، وتحديداً أسلحتها، موجه لحفظ الاستقرار الداخلي وليس لمقاومة العدو، وأن هذه الاسلحة محرومة من الدفاع حتى عن أمن افرادها. ولذلك، فإن ما حصل في سجن أريحا لم يكن جبناً من عناصر الأمن، ولكنه كان تقيُّداً بتربية تطبيعية ومن ثم أوامر صارمة. تربية من درجة: إفعل ما يقوله لك الاسرائيلي.

ثالثاً: إن اتفاق أوسلو الذي خلق السلطة، لم ينته هدفه عند هذا الأمر. ولو انتهى هناك لقلنا نظام كأنظمة القطريات العربية وسيزول. لكن أوسلو هو مشروع هائل لتطبيع الفلسطيني في الداخل والخارج. تطبيع على عدم المقاومة. ومن هنا كان فيه نص :"المطاردة الساخنة" والتي تشترط ان لا يقوم أحد بمقاومتها.

رابعاً: ان التسوية هي ثمرة اغتيال الانتفاضة الأولى، وهو الاغتيال المتمثل في الزعم بأن ثقل العمل الوطني اصبح في الداخل. وهو شعار خادع كان الهدف منه جلب قيادة الخارج الفاشلة لامتطاء نضال الداخل مما انتهى إلى تفكيك منظمة التحرير الفلسطينية بما هي حاملة شرف النضال لحق العودة، وتلبيس الداخل قيادة عبرت الجسور بإذن الاحتلال.

خامساً: إن هذه المسرحية التي عرضت على الفضائيات تريد نقل درس إلى حركة حماس، بأن من يتسلم هكذ سلطة عليه أن يمارس هكذا سلوك. والغريب ان قيادة حركة فتح كانت في نفس اليوم تفاوض حماس وتشترط دخول حكومة الحكم الذاتي بأن تلتزم حماس ببرنامج السلطة، اي بمثل هذا السلوك الذي يسلم المناضلين لعدوهم، ويمنع رجال الأمن من إطلاق رصاصة واحدة.

سادساً: كانت تجربة اريحا تصرفاً وقحاً وصهيونياً من العدوين الاميركي والبريطاني. كان قصدهما الأيضاح للشعب الفلسطيني أنهما دولاً تتفق مع دولة وليس مع حكم ذاتي. ناهيك عن الاستخدام الانتخابي لحكومة أولمرت لهذه الفضيحة. وهو استخدام يُرضي شارعا مريضا وساديا، ولا يفهم السلام قط. وهو ما اتضح من استطلاعاتهم بأن شعبية اولمرت ارتفعت.

سابعاً: كان محتوى كل هذه المؤشرات بل المواقف أن على الشعب الفلسطيني أن يفهم. نعم علينا أن نفهم حتى لو كان فهمنا "غليظاً" بأن هذه السلطة ليست لمصلحتنا، وبأن أوسلو مشروع تصفية، ولا يهم إن كان تدريجيا او انعطافياً، وبالتالي كان يجب ان لا نشارك في اية انتخابات سياسية كالرئاسية والتشريعية. وهذا ما التزم به حزب التحرير الاسلامي والجهاد والتيار القومي العربي باجتهاداته القومية والاشتراكية والاسلامية.

لذلك، فالخروج من قفص التطبيع والتصفية، لا بد من تفكيك هذه السلطة، التي يكفي للاقتناع بضرورة تفكيكها، ان الاحتلال لا يريد تفكيكها والمركز الراسمالي المعولم ينفق عليها، والانظمة العربية تريدها مهما كانت.

يقول كثيرون، وما البديل؟ وكأن البديل ليس هنا. فالبديل هو الاحتلال الذي لم يخرج. نحن لسنا بلداً مستقلاً. أما مدنياً فهناك بلديات منتخبة ومجالس قروية، وبوسعها إدارة العمل المدني. وهذا يخلصنا من وزارات وإدارات يتحكم بها الاحتلال.

إذا كان رجل الأمن لا يستطيع الدفاع عن معتقلين في معتقل فلسطيني، وإذا كانت كافة إدارات السلطة لا تعمل يوم السبت لأن شبكة الكمبيوتر مرتبطة بالشبكة الصهيونية، وإذا كانت مصادرة الآرض وهدم البيوت والاعتقال والقتل والاغتيال تتم يوميا وفي كل مكان، وإذا كانت شرطة السلطة لا تستطيع توجيه طلب حضور إلى لصّ يقطن في منطقة (ج)، اي يسرق من منطقة (أ) ويختبىء في منطقة (ج)، فهل زوال هذه السلطة مأسوف عليه؟

هناك مشكلة الجهاز الوظيفي الواسع للسلطة سواء الأمني أو المدني منه. هذه مسؤولية الاحتلال لأنه السلطة الحقيقية، وليست سلطة الحكم الذاتي. نعم بتفكيك السلطة يمكن ان نمر بشهر من الفوضى. الم نمر بواحد واربعين يوماً من منع التجول حينما شنوا العدوان على العراق عام 1991؟ ناهيك عن غيرها.

لماذا لا نرى الجبل الذي يقوم وراء حصوة صغيرة! فبين 1967 و 1993، كان اعتماد ثلث دخلنا القومي على اقتصاد العدو عبر تشغيل العمال، واكتشف عندها العدو ان هذا لم يُفده كما قال رابين عند اشتعال الانتفاضة الأولى: "يعملون عندنا ويكرهوننا ويقاوموننا"! ولا ندري هل قالها تكتيكاً أم عجزا عن فهم الأمر. كان العمل تبعية متبادلة، قرر الكيان الصهيوني قطعها من جانبه.

وفي تقسيم العمل التآمري، اتفق الصهاينة والمركز الراسمالي الاوروبي والاميركي على تتبيع الفلسطينيين معيشياً على الغرب عبر خلق مؤسستين "للأنجزة" كبرى هي سلطة الحكم الذاتي وصغريات متعددة .

إذن تم استبدال الشغل المأجور عند الاحتلال، بالقبض الكسول من العدو الأم. وهنا خلقت تبعية رهيبة، حالة "للتنبلة الجماعية". اي لا شغل ولا إنتاج، ومصادرة أرض هذا إلى جانب تشجيع الاستهلاكية.

وكل هذا كي يجري الضغط على الشعب ليقبل شطب حق العودة، والتخلي عن نصف الضفة والقطاع مقابل وجبات يوم بيوم. من هنا يتصور البعض أن الطوفان آتٍ إذا ما تفككت السلطة. لذلك، ايضاً، يرى البعض أن السلطة تجاوزت مرحلة المطالبة بتفكيكها، بمعنى أن تفكيكها يهدم كل شيء، ربما، لكن الطريق الوحيد للخروج من القفص هو بتفكيكه. وطالما ان الاحتلال هو السلطة الحقيقية، فلتوضع على كتفه المسؤولية المدنية، لا أن يظل الاحتلال متخصص في الذبح والقتل واغتصاب الارض. فوق هذا تبدو الضفة والقطاع كدولة في نظر العالم!