رام الله- معا- بمشاركة لافتة من مختلف الوزارات والهيئات غير الوزارية وممثلين/ات من المجتمع المدني؛ عقد الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة جلسة نقاش مسودة تقرير، تعالج موضوع سلم رواتب وعلاوات قانون الخدمة المدنية الفلسطيني وتصويب العدالة فيه، والذي يهدف إلى بناء تصور واقعي ممكن، بعد دراسة سلم الرواتب لموظفي القطاع العام (نظام الخدمة المدنية) لتقليص الاختلالات في السلم والعلاوات الموجودة في القانون بوضعه الحالي.
ويأتي هذا التقرير في إطار مساهمة الفريق الأهلي في تقديم توصيات مرتبطة بعملية الإصلاح الحالية، والذي تشمل في لبّها الإصلاح المؤسسي والإداري والمالي، وصولاً إلى تقديم خدمات أفضل للمواطنين وتعزيز صمودهم في مواجهة آلة الإبادة الإسرائيلية. وتنبع أهمية التقرير من تشخيص الفجوات العمودية في سلم الرواتب، وتحدید التباینات في رواتب الموظفین بین المؤسسات الحكومية المختلفة، ورصد طبیعة التفاوت وأسبابه ما بين الفئة العليا والدنيا على حد سواء، إضافة إلى رصد التكلفة الكلية للرواتب على الخزينة العامة ورصد نسبتها من الإيرادات، ونقاش الوضع الصحي للخزينة لديمومة الإستقرار المالي للسلطة، وبالتالي تقديم نموذج يصلح سلم الرواتب ويقلل الفجوة في الرواتب، على نحو مدعّم باقتراحات (سيناريوهات) لتحقيق العدالة وتخفيض فاتورة الرواتب.
زيادة عدد الموظفين والتضخم في فاتورة الرواتب
واستهلت الجلسة بكلمة من هامة زيدان، مديرة العمليات في ائتلاف أمان، والتي أشارت بدورها أن التقرير يسلط الضوء على ما يعتريه سلم رواتب العاملين في القطاع العام من إشكاليات عديدة، من حيث التباين الهائل في العلاوات الممنوحة، سيما وأن أعداد الموظفين في القطاع العام (مدني وأمني) قد ارتفعت بشكل كبير مع زيادة في عدد المؤسسات العامة منذ نشأة السلطة، علماً أن النسبة الأكبر من موظفي الخدمة المدنية هم في وزارتي التعليـم والصحـة، ويشكلون مـا نسـبته 70% تقريباً. كما أشارت زيدان إلى التضخم الذي طرأ على فاتورة الرواتب والأجور، والتي تشكل نصف الموازنة العامة، ما يستدعي التوقف عنده، وتقديم توصيات من شأنها إصلاح إدارة المال العام.
الإطار القانوني لقانون الخدمة المدنية
واستعرض التقرير الباحث الدكتور يوسف الزمر، المحاسب الأول في أول حكومة فلسطينية، مبتدئاً بمراجعة تاريخية شملت الإطار التشريعي لقانون الخدمة المدنية ومحاولات الإصلاح الحكومية إزاءه، حيث سرد أبرز ما واجهته السلطة الوطنية الفلسطنية من تحولات وتعديلات على القوانين، حملت على إثرها تبعات والتزامات مالية، وصولاً إلى حين إقرار قانون الخدمة المدنية سنة 1998. وقد تبع ذلك إجراء تعديلات مختلفة على رواتب بعض المسؤولين بقرارات ومراسيم طالت الفئات العليا والبعض البسيط من المدراء، أما باقي القرارات، فقد كانت تنفذ بناء على تفاهمات بين مسؤولي الوحدة الحكومية ومسؤولين في ديوان الموظفين أو وزارة المالية. وأوضح الزمر بدوره أن السلطة الوطنية الفلسطينية، قد واجهت عدة مصاعب في مؤسسـاتها المختلفـة نتيجة لحداثـة التجربـة وافتقارها الى رؤيـة وخطة شـمولية للبناءالإداري والوظيفي لأجهزة ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية المختلفة، والتي ألقـت بظلالهـا الثقيلة على كاهل السلطة في الفترات اللاحقة.
وقد عرّج التقرير على مسودة قانون الخدمة المدنية سنة 2023، والذي ينص على مجموعة من التعديلات التي تمس سلم الرواتب، لكنها في الجوهر لم تغير شيئاً في عدد العلاوات، كما لم ترفق به سلماً للرواتب أو أي مقترح للوائح العلاوات. وما زالت ولغاية تاريخه فاتورة الرواتب في تضخم مستمر، وبالتالي ارتفاع في العجز المتراكم وازدياد المديونية من البنوك، ما سيؤدي لزيادة النفقات الجارية لهذا العام -2025 (خدمة دين) بقيمة تزيد عن 380 مليون شيكل تقريبا، الأمر الذي يحتم على الحكومة القيام بمعالجة جدية وجوهرية لضبط فاتورة الرواتب من خلال تغيير لمنظومة إدارة الموارد البشرية في الخدمة المدنية في فلسطين، بما يشمل تصويب هيكلة الجسم الإداري للسلطة، وإجراء التعديلات على أحكام بعض التشريعات لتطوير الأداء، بما يعزز القدرة على تقديم الخدمات الحكومية المطلوبة للشعب بأفضل طريقة ممكنة وبأقل التكاليف وأكثرها فعالية.
مساران لإصلاح الوضع القائم
وقد لخّص الزمر التقرير الذي دأب في متنه إلى طرح مسارين لإصلاح الوضع القائم، يتمثل الأول في إصلاح سريع، وذلك من خلال توحيد علاوة طبيعة العمل لموظفي القطاع العاملين بنفس الوظائف ويحملون نفس المؤهلات في الوزارات، كذلك إصلاح لسلم الرواتب نفسه، والذي يتطلب وقتاً وجهدا وقرارات يتخذها مجلس الوزراء، تكون محصّنة من القيادة السياسية. كما أشار التقرير أن سلم الرواتب يجب أن يعكس التصنيفات الوظيفية، أي الفروق في المسؤوليات والمؤهلات المطلوبة لكل وظيفة، وكذلك العدالة الإجتماعية، حيث يجب أن تكون النسب عادلة، تضمن تقليل الفجوات بين الفئات الوظيفية المختلفة، مع تحديد حد أدنى وأقصى للمعاشات، مع مراعاة التضخم وغلاء المعيشة، والتأكد من عدم تآكل الراتب.
العلاوات المشمولة في قانون الخدمة المدنية
وقد اشتمل قانون الخدمة المدنية ولوائحه على العديد من العلاوات التي تشكل مع الراتب الأساسي سلم رواتب السلطة الوطنية الفلسطينية، من علاوة طبيعة العمل (نسبة مئوية من الراتب الأساسي)، والعلاوة الإدارية أو الإشرافية، وعلاوة الإختصاص، وعلاوة الندرة، وعلاوة المخاطرة، وعلاوة غلاء المعيشة، والعلاوة الإجتماعية (زوجة وأبناء وإعالة).
والجدير ذكره أن قانون الخدمة المدنية قد فوّض مجلس الوزراء بإصدار اللوائح والعلاوات بأشكالها المختلفة، وبهذا البند التشريعي دون أي تفاصيل أو محددات ضبط فيه، قد أصبحت أية علاوة يقرها مجلس الوزراء ملزمة للتنفيذ ولا يمكن إلغاءها أو تخفيضها، وإنما تصبح حقاً مكتسباً للموظف، وأي تعديل مستقبلي يجب أن يؤخذها بعين الإعتبار.
أبرز الإشكاليات والتوصيات
وقد طرح التقرير بعض الإشكاليات التي قرنها ببعض التوصيات، حيث أشار إلى سلم الرواتب والعلاوة الدورية التي بقيت جامدة كما هي منذ إقرار قانون الخدمة المدنية سنة 1998، إضافة إلى الإشارة إلى العدد الضخم للمؤسسات الحكومية القائمة، والذي وصل مؤخراً إلى 83 مؤسسة تتقاضى رواتب بناء على قانون الخدمة المدنية، مقترحاً إمكانية دمجها ليصبح لدينا عدد لا يتجاوز بحده الأقصى ثلاثين مؤسسة. كما أعزى التقرير التضخم الحاصل في الرواتب نتيجة استحداث وظائف جديدة، حيث أصبحت الهيكلية مقلوبة ومزدحمة في الفئات العليا، ويعود ذلك لكثرة الدوائر التابعة للوزارات في المحافظات المختلفة، إذ بات المثلث الهيكلي مقلوباً، دون وجود حاجة فعلية، مقترحاً مجمع الدوائر الحكومية في كل محافظة تكون تبعيته الإدارية للمحافظ، إضافة إلى مراجعة أعداد الموظفين، وما تحملته الخزينة من رواتب موظفين جدد، بالإضافة إلى رواتب المتقاعدين، وإحالة العدد الزائد إلى مواقع أخرى بعد إعادة هيكلة مؤسسات السلطة.
كما أوصى التقرير أيضاً بتطوير منظومة التشريعات لقطاع الخدمة المدنية وتعزيز الرقابة عليها، ويعود ذلك لوجود أكثر من قانون ناظم لموظفي الخدمة المدنية (الخدمة المدنية والدبلوماسي والقضائي والمحافظين والصندوق القومي والمؤسسات الحكومية ذات الإستقلال المالي والاداري)، إذ يجب أن يخضع الجميع لقانون خدمة مدني واحد، مع مراعاة الاحتياجات الخاصة بكل فئة، إضافة إلى تفويض جهات أخرى للمساهمة في تقديم خدمات التعليم والصحة، مع إبقاء الإشراف والرقابة والتوجيه بيد الحكومة المركزية مثل هيئات الحكم المحلي والمؤسسات غير الربحية والقطاع الخاص، ما سيؤدي لتقليل كبير في عدد الموظفين من خلال نقلهم إلى الجهات التي ستتولى تقديم هذه الخدمة.
كما أوصى التقرير بوضع وزن نسبي لكل وظيفة بالدوائر الحكومية، يتم بناء عليه إعداد هيكل الرواتب والأجور بحيث يعطي الوظيفة الأكثر أهمية وصعوبة راتبا أعلى من غيرها من الوظائف، بذلك يضمن العدالة بين موظفي الخدمة، مستعينين بـالوصف الوظيفي لتحديد وترتيب الدرجات الوظيفية، ووضع الوظائف المتشابهة في كل درجة وظيفية، مع تحديد مدى الدرجات المالية (salary range) الخاصة بكل درجة وظيفية.
تعقيبات مختلفة
عقّب السيد جفال جفال، مدير ديوان الرقابة المالية والإدارية إلى ضرورة مراجعة سلم الرواتب من حين لآخر، والتنبّه لعملية إعداد سلم الرواتب، بصفتها خطوة فنية، تعد من قبل طاقم خبير ووفق دراسات دولية، حسب الدرجات والفئات. ومن بين الأمور التي أعزى إليها جفال شعور بعض الموظفين بعدم العدالة، بعض القرارات من مجلس الوزراء التي منحت بعض الموظفين المنتسبين لنقابات مثل المهندسين والمحامين، والأطباء، بعض العلاوات التي أثرت بشكل جوهري على حسابات الخزينة العامة. كما أعزى الضرر الواقع حالياً نتيجة ثبات الحد الأدنى للأجور لعدة سنوات على ذات الوتيرة، وعدم زيادة غلاء المعيشة لعدد من السنوات أيضا، ما أدى إلى إخلال في مبدأ العدالة.
بينما أشار الأستاذ خليل الفاري، مدير الموارد البشرية في مجلس القضاء، بأن المشكلة تكمن في موضوع العلاوات تحديداً، وأن علاوة طبيعة العمل تعطى على الشهادة العلمية وليس على طبيعة العمل نفسه.
فيما أشار الأستاذ حسن مياس من الهيئة العامة للشؤون المدنية، إلى عدم تطبيق علاوة غلاء المعيشة والتأكد من عدم تآكل الراتب، بحسبما كان يصدر من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، مقابل الموظفين المنتسبين لنقابات كانوا أكثر حظوة من غيرهم في تلقي العلاوات من الموظفين غير المنتسبين لنقابات معينة.
وقد أثار البعض مقترحات أكثر شمولية، وضرورة التطرق لإيجارات مباني بعض المؤسسات، والامتيازات العليا والبدالات عند بعض الموظفين، وضرورة التعديل الجذري لقانون الخدمة المدنية من أجل تقليص الفجوات للأجيال القادمة.