جنيف- معا- دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة لوقف العدوان الإسرائيلي على سيادة سوريا وسلامة أراضيها، وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي تحتلها جنوب البلاد، وإلزامها بالامتثال لأحكام القانون الدولي.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي اليوم الأحد أنّ العدوان الإسرائيلي المستمر على الدولة السورية يشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، إذ تسعى إسرائيل إلى فرض واقع احتلالي جديد من خلال سياسة الضمّ غير القانوني بالقوة، وتوسيع نفوذها الأمني والعسكري في الجنوب السوري.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ إسرائيل استغلّت سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 لتنفيذ حملة عسكرية واسعة دمّرت خلالها المقدرات الأساسية للجيش السوري، بهدف تقويض قدرته على حماية السيادة الوطنية وإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة. وفي خطوة تصعيدية، أعلنت من جانب واحد إنهاء العمل باتفاقية عام 1974 لفصل القوات بين البلدين، ما مهّد لها الطريق لاحتلال المنطقة العازلة على الحدود، في انتهاك جسيم للقانون الدولي. كما أنشأت تسعة مواقع عسكرية في جبل الشيخ والجولان المحتلّين، وكثّفت توغلاتها شبه اليومية في قرى وبلدات سورية بمحافظتي السويداء والقنيطرة.
وأكّد الأورومتوسطي أنّ الفشل المشين للمنظومة الدولية في مساءلة إسرائيل عن جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة لم يكن مجرد إخفاق، بل كان عاملًا رئيسيًا في تشجيعها على تصعيد انتهاكاتها وانتهاك القانون الدولي بشكل أكثر جرأة وعلنية. فقد أدى هذا التخاذل الدولي إلى تمكين إسرائيل من التحلل التام من أي التزامات أخلاقية أو قانونية، ما جعلها تتصرف ككيان فوق القانون، ويدفعها لفرض وقائع جديدة بالقوة دون أي خوف من العواقب، في تحدٍ صارخ للمنظومة الدولية بأكملها وإمعانٍ في تقويض النظام القانوني العالمي.
أقرّ كبار المسؤولين الإسرائيليين في تصريحات علنية باحتلالهم مناطق في سوريا، وأكّدوا سعيهم لفرض واقع جديد داخل الأراضي السورية بالقوة العسكرية.
ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ كبار المسؤولين الإسرائيليين أقرّوا علنًا باحتلالهم مناطق في سوريا، مؤكدين سعيهم إلى فرض واقع جديد داخل الأراضي السورية بالقوة العسكرية. ففي 25 شباط/فبراير المنصرم، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ "إسرائيل لن تسمح بوجود أي جيش سوري جنوب دمشق"، مشددًا على أن "منطقة جنوب سوريا ستكون منزوعة السلاح"، في إعلان أحادي الجانب يجسد محاولات إسرائيل لفرض سيطرتها العسكرية وخرقها الخطير لسيادة سوريا.
ونوّه إلى أنّ إسرائيل تسعى لتوظيف الانقسامات الطائفية والقومية كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية السورية، في انتهاك خطير لمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول ذات السيادة، وفرض وقائع تُكرّس سياساتها التوسعية غير القانونية. ومن أحدث مظاهر ذلك، توجيه رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين مساء أمس السبت الجيش الإسرائيلي بـ"الاستعداد للدفاع" عن مدينة جرمانا بريف العاصمة دمشق، على خلفية توترات أمنية بين سكان من الطائفة الدرزية وأجهزة الأمن في المدينة.
وسبق ذلك تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي قال فيها إنّ إسرائيل "لن تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية في جنوب سوريا".
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ التوغّل الإسرائيلي في القرى والبلدات المستهدفة ترافق مع انتهاكات خطيرة لحقوق السكان المدنيين، حيث نفّذت القوات الإسرائيلية عمليات تجريف واسعة لإقامة وتثبيت نقاط عسكرية، واقتحمت وفتّشت عشرات المنازل، واحتجزت مدنيين قبل الإفراج عنهم لاحقًا. كما قامت بتعطيل عمل الصحافيين والطواقم الطبية، واعتدت على بعضهم في بعض الحالات، إلى جانب ممارسات تهدف إلى بثّ الرعب بين السكان، مثل التحليق المكثف للطيران وإلقاء القنابل الضوئية، في انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني، لا سيما قواعد حماية المدنيين في أوقات النزاع.
وحذّر المرصد الأورومتوسطي من التداعيات الخطيرة للاحتلال العسكري الإسرائيلي لمناطق في جنوبي سوريا، باعتباره انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ومحاولة غير شرعية لفرض تغيير قسري على الوضع القانوني والسياسي للدولة السورية. وأشار إلى أن التجارب السابقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وجنوب لبنان تُظهر نمطًا منهجيًا من الانتهاكات الإسرائيلية، ما يجعل المدنيين السوريين عرضة لجرائم خطيرة تشمل القتل، والاعتقال التعسفي، ومصادرة الأراضي، وصولًا إلى التهجير القسري.
وأكّد الأورومتوسطي أن جميع المبررات التي تسوقها إسرائيل لاحتلال أراضٍ في جنوبي سوريا وتنفيذ هجمات هناك لا تستند إلى أي أساس قانوني، إذ يحظر القانون الدولي احتلال أراضي دولة ذات سيادة بالقوة العسكرية، حتى تحت ذريعة "المخاوف الأمنية". وشدد على أن عدم وجود تهديد وشيك أو هجمات فعلية صادرة من الأراضي السورية تجاه إسرائيل يُسقط أي استناد إلى مبدأ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مما يجعل هذا الاحتلال عملا عدوانًيا غير مشروع بموجب القانون الدولي، حتى لو كان مؤقتا، ويصنّفه كجريمة عدوان بموجب المادة 8 مكرر من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي أحدث اعتداءاتها البارزة، شنّت قوات الجيش الإسرائيلي في 25 شباط/فبراير الماضي هجمات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، ما أسفر عن مقتل شخصين على الأقل، كما نفّذت توغّلًا بريًا على الحدود بين محافظتي درعا والقنيطرة، باستخدام نحو 50 عربة وآلية عسكرية.
وبيّن المرصد الأورومتوسطي أنّ الاعتداءات الإسرائيلية تشكّل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي، ولا سيما المبادئ الأساسية التي تحمي سيادة الدول وتحظر استخدام القوة ضدها دون سند قانوني. إذ ينص ميثاق الأمم المتحدة في المادة (2) الفقرة (4) بوضوح على ضرورة احترام استقلال الدول وسلامة أراضيها، ويحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد وحدة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي، ما يجعل أي تدخل عسكري غير مبرر عملًا عدوانيًا محظورًا بموجب القانون الدولي.
ولفت الأورومتوسطي إلى أنّ مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول يُعدّ من الركائز الأساسية للنظام الدولي، إذ يحظر على أي دولة استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسية أو استراتيجية خارج نطاق الدفاع المشروع عن النفس. وبالنظر إلى التصريحات العلنية الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين حول نيتهم استهداف أي وجود عسكري في جنوب سوريا، يتّضح أن هذه العمليات العسكرية لا تندرج ضمن أي مبررات قانونية مقبولة، بل تمثل محاولة غير شرعية لتغيير الوضع القانوني للمنطقة، في انتهاك خطير لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 497 لعام 1981 الذي أكّد بطلان وعدم شرعية أي تغييرات تفرضها إسرائيل في مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
وفي ذات السياق، أكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ قواعد القانون الدّولي الإنساني تفرض حماية صارمة للمدنيين والمنشآت المدنية أثناء النّزاعات المسلحة، إذ تُلزم الأطراف المتنازعة بالتمييز بين الأهداف العسكريّة والمدنية وتفادي إحداث أضرار جانبيّة غير متناسبة. وتشير الوقائع الميدانية إلى أن إسرائيل انتهكت هذه المبادئ بشكل واضح، حيث استهدفت مناطق مأهولة بالسكان وألحقت أضرارًا بالبنية التحتية، وهو ما قد يشكل جرائم دولية مكتملة الأركان بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ استمرار الاعتداءات الإسرائيلية لا يمثّل تهديدًا للدولة السورية فحسب، بل قد يؤدي إلى تقويض الأمن الإقليمي والدولي، خاصة في ظل عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ تدابير حازمة لإجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي وإنهاء احتلالها غير القانوني للأراضي السورية. وأكد أن هذا الوضع يستوجب تفعيل آليات المساءلة الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، لاتخاذ إجراءات ملزمة تلزم إسرائيل بوقف عدوانها، والانسحاب الكامل من المناطق التي احتلتها خلال الأشهر الماضية، مع ضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي.
وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي باتخاذ تدابير عاجلة وشاملة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، وحماية المدنيين، والضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف ذات الصلة. وأكد ضرورة تفعيل آليات التحقيق والمساءلة الدولية لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، لضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب.
وفي هذا السياق، شدّد الأورومتوسطي على أهمية توثيق الانتهاكات الإسرائيلية في جنوب سوريا كخطوة أساسية نحو المساءلة الدولية، داعيًا المنظمات الحقوقية والهيئات المختصة إلى تسليط الضوء على هذه الجرائم باعتبارها انتهاكات جسيمة تستوجب محاسبة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية.
كما دعا المرصد الأورومتوسطي مجلس الأمن إلى إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، نظرًا لأن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل هناك تمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، وتستلزم تحقيقًا دوليًا عاجلًا لضمان تحقيق العدالة للضحايا ومنع تكرار الجرائم.
وفي الإطار ذاته، حثّ المرصد الأورومتوسطي الحكومة السورية على الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية والتعاون مع آليات المساءلة الدولية، باعتبار ذلك خطوة ضرورية لضمان محاسبة جميع الأطراف المتورطة في الجرائم المرتكبة على الأراضي السورية، وتأمين سبل العدالة للضحايا وفقًا للقانون الدولي.