الكاتب: أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
تقدير موقف
تميزت ردود الفعل الاسرائيلية على قرارات القمة العربية على قلّتها، بالرفض الفوري، فقد شدد وزير الخارجية غدعون ساعر "على كون مخرجات القمة العربية تعتمد الاونروا والسلطة الفلسطينية"، واصفا اياهما بأنهما "تدعمان الارهاب"، وبأن البيان يحمل افكارا عفا عليها الزمن، ولكونها لا تأخذ بالحسبان السابع من اكتوبر 2023. فيما لم تصدر تعقيبات من نتنياهو ولا من مكتبه تحت مسمى "مصدر سياسي رفيع" او من الوزير ديرمر المسؤول عن مفاوضات الصفقة.
- انشغل الاعلام الاسرائيلي في مسألة تحقيقات جهاز الامن العام الشاباك في اخفاق السابع من اكتوبر 23 وكذلك في مراسم انهاء قائد الاركان هرتسي هليفي مهامه بعد استقالته، وفي تسلّم رئيس الاركان الجديد أيال زمير منصبه في قيادة الجيش ليؤكد "ان القضاء على حماس لم يتحقق بعد، وبأن اسرائيل في خضم حرب استنزاف متعددة الجبهات". اما نتنياهو، فقد أعاد تكرار بأن اسرائيل لا تزال تحارب على سبع جبهات، في مسعى سياسي لاستبعاد اقامة لجنة تحقيق رسمية دعا لها هرتسي هليفي.
- جاءت المساندة لموقف الوزير ساعر مواربة من الولايات المتحدة، حين أعلن المتحدث باسم مجلس الامن القومي عن "رفض تبني" الخطة العربية لإعادة اعمار غزة مع البقاء السكاني، وذلك بتسويغه بأن “المقترح الحالي [العربي] يتجاهل حقيقة أن غزة غير قابلة للعيش حالياً، وأن الفلسطينيين لا يمكنهم العيش بشكل إنساني في منطقة مليئة بالأنقاض والذخائر غير المتفجرة". واكد على التمسك برؤية ترامب، وأضاف، بأن ترامب متمسك برؤيته ثم اضاف بأن "الولايات المتحدة تتوقع محادثات اضافية مع البلدان العربية في هذا الصدد ". فيما لم يصدر اي تعقيب عن المبعوث الخاص ويتكوف ولا عن ترامب او وزير خارجيته.
** عنونت القمة العربية خطابها الى الادارة الامريكية والمجتمع الدولي وليس الى اسرائيل مباشرةً، ونجحت في التحول الى حدث محوري ذي ثقل ويتم التعامل معه بجدية على المستويين المذكورين. كما ان تصريح الناطق باسم مجلس الامن القومي الامريكي بتوقُّع "محادثات اضافية مع البلدان العربية.." بمثابة اعتراف امريكي بجدارة المشروع العربي، وحصريا بعد ان لقي ترحيبا دوليا شاملا تقريبا. ثم ان مناقشة الخطة مسبقا مع الجهات الدولية بما فيها ادارة ترامب، يضاف الى توجهها غير الصدامي لكن الحازم في الموقف ضد التهجير ومن الحق الفلسطيني والعربي بالإضافة الى انها تشمل مخطط اعادة اعمار غزة وادارة القطاع بشكل قابل للتنفيذ، كل ذلك عزز من وزنها.
** شكل الصمت الاسرائيلي رد فعل قائم بحد ذاته. ثم ان وزير الخارجية ساعر الذي يدعم بدوره الصفقة، لا يتمتع بوزن كبير، اذ ان المفاوضات لا تخضع لوزارته ولا تقع تحت مسؤوليتها، بل تدار من طاقم رئيس الوزراء وقادة الاجهزة الامنية ولاحقا تم تعيين الوزير في مكتب رئيس الوزراء ديرمر مسؤولا عنها وتحت إمرة نتنياهو. ويبدو ما كان الامر ممكنا لولا توجيهات من نتنياهو لوزرائه بعدم الرد.
* على الرغم من ذلك، يبقى لغز الصمت الاسرائيلي لافتا، وقد يكون بقرار امريكي؛ سواء في اطار موقف متفق عليه او للتريث في اعلان موقف؛ أو في سياق خلاف بين الادارتين وقد يندرج في هذا السياق تكرار تأجيل زيارة المبعوث الامريكي ويتكوف لإسرائيل. خاصة وأنه يمثل الموقف القائل بضرورة الولوج بالمرحلة الثانية من الصفقة. * في هذا السياق يندرج ما كشف عنه موقع اكسيوس يوم 5 اذار/مارس، بوجود مفاوضات مباشرة بين مبعوثين من ادارة ترامب مع حماس في الدوحة، وبحسب ما اعلن بانه للنظر في مسألة اسير اسرائيلي امريكي محتجز في قطاع غزة. بيد أن محادثات من هذا القبيل لا تنحصر فيما يتم الاعلان عنه او يسرب للإعلام، بل عادة ما تشمل معظم القضايا ذات الاهتمام الامريكي بما فيه اطالة امد المرحلة الاولى من الصفقة والتي باتت تحصيل حاصل، والتي تشترط في ختامها، تنازل حماس عن حكم غزة الذي اعلنت استعدادها له، والصيغة تستتبع النظر في مصير قوتها العسكرية. ويبقى التساؤل فيما إذا كانت هذه الخطوة من قبل حماس بالتنسيق مع الوسيطين المصري والقطري ام لا. وما إذا كانت بعلم الإسرائيلي.
** اسرائيليا تشكل هذه المحادثات بين الادارة الامريكية وحماس موضع قلق وحتى وإن لم تكن مفاجئة للمؤسسة الاسرائيلية، الا انها تتنافى مع غاية اسرائيل المعلنة بالقضاء على حماس وهو الهدف الذي جرى تكراره في اليوم التالي للقمة العربية وحصريا في مراسم انهاء رئيس الاركان هليفي لمنصبه ودخول زامير لهذه المهمة. بينما ستكشف زيارة ويتكوف عما إذا كان سيتم الاتفاق على هدنة طويلة الامد مقابل إطلاق سراح عدد من المحتجزين. وقد يكون مثل هذا الخيار مقبولا على اسرائيل وقد يكون منسقا امريكيا معها.
** تخشى اسرائيل استراتيجيا من المشروع العربي وبشكل حصري من ادارة القطاع مؤقتا من قبل لجنة مهنيين تعينها السلطة الفلسطينية على ان تستلم السلطة ادارة شؤون غزة لاحقا، كما ان اسرائيل تعتبر اعتماد المشروع العربي على دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الاونروا نسفا لكل جهودها في الاجهاز على بنية حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
** وفقا للتقديرات الاسرائيلية فإن توقّف القمة العربية عند الوضع في الضفة الغربية ومشروع التطهير العرقي ومخاطر الضم وتقويض مقومات الحياة فلسطينيا، يشكل تحديا جوهريا لمخطط تقويض السلطة الفلسطينية ، الذي يصبح اكثر إلحاحية على ضوء المشروع العربي ودور السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، مما يؤكد الربط بين مصير القطاع والضفة بوصفه بنية للدولة الفلسطينية التي حدد نتنياهو سعيه الدائم لمنعها.
الخلاصة:
• تقع حكومة نتنياهو في ورطة استراتيجية تعمقت بالتوافق العربي على مشروع اعادة اعمار غزة ومصير القطاع والضفة ومجمل قضية فلسطين.
• يوحي الصمت الاسرائيلي الرسمي على مخرجات القمة العربية بوجود تفاوت بالموقف مع ادارة ترامب وتوترات مع مساعي المبعوث ويتكوف، وبوجود ضغط امريكي في هذا الصدد.
• الدعم الامريكي لإسرائيل مطلق وفي كل الحالات، الا انه لا يعني التوافق مع حكومة نتنياهو نظرا لأولويات ادارة ترامب دوليا وفي المنطقة العربية.
• عربيا وفلسطينيا فإن مخرجات قمة القاهرة الاستثنائية تشكل حالة مفصلية وتتطلب ترجمة القرارات على ارض الواقع وأخذ زمام المبادرة وفرض الامر الواقع نحو الاعمار وبقاء الغزيين ونحو احقاق الحق الفلسطيني.