بقلم: د. صبري صيدم
لم يتأخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع بداية حكمه في الإفصاح عن نواياه ورغبته بعدم إشعال المزيد من الحروب، وإنما إطفاء ما هو قائم منها، كما قال، وليؤكد رغبته في أن يكون رجل سلام وأن يحظى بجائزة نوبل، ليعود ويقول إنه لن يمنح تلك الجائزة لأسباب لم يذكرها. ترامب أبو اللاحرب واللاعنف المزعومين، هو ذاته الذي وفّر السلاح الثقيل لإسرائيل، ورفع الحظر الذي كان مرفوضا إبان عهد الرئيس جو بايدن عن ذلك السلاح، متباهيا بما وقع عليه من إذونات لصرف المزيد من تلك الأسلحة. ترامب هو ذاته الذي أصر على أن العودة للحرب إذا ما حصلت ستكون ساحقة ماحقة أكثر مما سبقها.
ترامب «رجل السلام» المزعوم هو ذاته أيضاً الذي بارك استئناف الحرب على غزة أمس، بل ذهب إلى حد التأكيد وعبر المتحدثة باسم البيت الأبيض، بأن الهجوم الجديد قد أحيطت إدارته علماً به قبيل اندلاعه، مؤكداً أن ذلك الهجوم، إنما جاء نصرة لإسرائيل ودفاعاً عنها، ولتنطلق المدافع والقاذفات والحمم من كل مكان وفي كل مكان من غزة، ولتستبدل في حضورها مدفع رمضان الشهير بمدافع حقيقية تبعث الذعر والخوف، وليستفيق الناس في غزة، لا على موائد السحور المقننة والحزينة، بل على صياح الغلابى المذعورين من نساء وأطفال بفعل أزيز وهدير الطائرات والرصاص والآليات.
حديث ترامب عن نصره إسرائيل أمر بات متكررا في عده محطات، وكأن الرجل في امتحان متواصل يقوده نحو تأدية الولاء والطاعة لتل أبيب، واسترضاء نفر محدد من ناخبيه داعمي إسرائيل، بصوره تدفعه نحو تكرار هذا الأمر، وكأنه في سباق ماراثوني مع عقارب الساعة، لإثبات صداقته لدولة الاحتلال، وحرصه على أمنها ورفضه الاعتداء عليها وتأكيده توفير أمريكا لكل سبل المساعدات لها. ترامب «المفتون» بحب دولة الاحتلال، ذهب إلى عدم تعليق المساعدات العسكرية لها، رغم الكم الهائل من التقليصات المالية، التي فرضها منذ توليه الحكم قبل ستين يوماً من تاريخ كتابة هذه الكلمات تقريباً.
في المقابل يطل رئيس حكومة الاحتلال، حسب وسائل الإعلام العبرية، باحثاً عن إقرار موازنة حكومته، والمصادقة على طرد رئيس جهاز الشباك، واستعادة حليفه السابق إيتمار بن غفير إلى مقاعد الحكومة، وتعديل اتفاقية وقف إطلاق النار، ليواجه كل هذه الأمور بالوصفة السحرية الاعتيادية لدى رؤساء حكومات إسرائيل المتعاقبة ألا وهي الذهاب إلى حرب ما، لتصبح تلك الحرب مركز الكون، ومنصة تمرر بحجتها، وعلى خشبتها، كل الأمور العالقة وتسقط عندها كل الضغوطات التي تقض مضاجع أولئك الساسة.
وعليه فإن المشاهد المعتادة في إطلاق الحروب، والالتزام بدعم إسرائيل، والإصرار على تسليحها، والدفاع عنها، تعيد اجترار عناصر خبرناها ومواقف ألفناها وتصرفات عاصرناها! كما أن الاندفاع إلى الأمام بافتعال الحروب أو استئنافها، هروباً من استحقاقات صعبة وحرفاً لمسارات السياسة والإعلام وضغط الرأي العام، باتجاه إنقاذ الذات، إنما هي أيضاً محطات اعتيادية مألوفة.
إن الراغب الحقيقي في حماية إسرائيل، والدفاع عنها، ومساعدتها، يجب أن يقتنع بوجوب تغيير اسطوانة الأمس المعهودة والمشروخة والمتكررة، اسطوانة الدعم والثناء والحبور، والتوقف عن تبني تكتيكات الماضي البالية، وذلك من خلال دفع إسرائيل نحو الالتزام بالقانون الدولي ورد الحقوق للشعب الفلسطيني والتوقف عن الاقتناع بأن معادلة القوة والتهجير والترحيل ستجلب الأمن والسلام.
فالقوة لن تجلب الهدوء، بل تولد إصراراً لدى ضحاياها على الصمود والثبات والبقاء. وعليه فإن صديق إسرائيل هو من يصدقها القول والفعل بأن تكتيكات ستة وسبعين عاماً من الصراع لم تعد مجدية ولن تؤتي أكلها. فهل يتحول ترامب ذات يوم إلى القناعة بأن كثافة حبه، وزخم ولائه لحكومة الاحتلال يستوجب انتهاج مسار مختلف؟ ننتظر ونرى!