بيت لحم معا- في الوقت الذي يكثف فيه الجيش السوداني هجماته على المدنيين في البلاد والتي ترتقي إلى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، تتحرك الحكومة العسكرية التي يقودها في منصات العدالة الدولية وهم يلعبون دور الضحية في الصراع المدمر الذي أشعلوه قبل عامين، ضمن مساعي لخداع العالم والتغطية على الانتهاكات الواسعة النطاق التي يرتكبونها في الداخل.
مخططات حكومة الانقلاب العسكري في السودان تترجمها بجلاء الدعوى التي رفعتها في محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات والتي تتهمها فيها دون أي أساس قانوني أو مستند واقعي بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية في ما يتعلق بمزاعم تقديمها دعما لقوات الدعم السريع
الدعوى التي بدأت أولى جلساتها الخميس، يرى محللون أنها مفتقرة للدلائل والبراهين، وليست سوى محاولة من قبل الجيش السوداني أحد طرفي الصراع، لتشتيت الانتباه عن النزاع الكارثي الذي يدور في السودان ومسؤوليتها تجاهه وما نتج عنه من مقتل عشرات آلاف الأشخاص وتشريد الملايين من أبناء الشعب السوداني، وتسببه بمجاعة في أجزاء واسعة من البلاد.
ويفسر نهج الادعاءات الباطلة الذي يقوده الجيش السوداني في المحافل الدولية، حالة العجز التي يعيشها بعدما أغرق البلاد في دوامة العنف نتيجة الحرب التي اشعلها في 15 ابريل من العام 2023م، وما تبعها من كارثة إنسانية غير مسبوقة، تجلت في حاجة 30 مليون سوداني إلى مساعد طارئة، ونزوح ولجوء 15 مليون سوداني.
هروب إلى الامام
وفي منحى للهروب إلى الأمام، تحاول الحكومة التي يسيطر عليها تنظيم الاخوان المتطرف في السودان خطف انظار المجتمع الدولي بدعاوى تفتقد للأساس القانوني والأخلاقي ويغلب عليها الطابع السياسي والكيدي، ضمن مخطط للتغطية على الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها بحق السودانيين والتي من بينها إطالة أمد الحرب وعرقلة جهود السلام.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه الجيش السوداني بمحكمة العدل الدولية عن جرائم الإبادة الجماعية، تحصد عناصره والكتائب المتطرفة المتحالفة معه أرواح المدنيين في مختلف أنحاء البلاد، ووصلت انتهاكاته حد اعدام المواطنين في الميادين العامة، وذبحهم كالشياه، بينما يواصل طيرانه الحربي توزيع الموت على المدنيين في دارفور وغيرها من المناطق، في فظائع حصدت الادانات المحلية والدولية.
ومع ذلك يسعى إلى تضليل العالم بدعاوى تفتقد السند وتفندها أصوات ذات مصداقية من السودانيين أنفسهم، ويوم الخميس انتقد وزير العدل السوداني السابق، نصر الدين عبد الباري الدعوى المقدمة من حكومة الانقلاب العسكري في بلاده ضد دولة الامارات، وهي حسب تقديره قمة النفاق وأسس قانونية ضعيف، نظر لسجل الجيش السوداني الحافل بالإبادة الجماعية في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
وفي منشور على حسابه في "إكس"، رأى عبدالباري أن الشكوى التي رفعتها سلطات بورتسودان ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، أمام محكمة العدل الدولية، "ليست سوى قمة النفاق".
وقال إن "المؤسسة العسكرية المتورطة في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي تسعى إلى استغلال آليات العدالة الدولية لأغراض دعائية، في حين لا تزال تواصل جرائمها ضد المدنيين في السودان".
أضاف أنه "منذ استقلال البلاد، ظلت القوات المسلحة السودانية رمزا للقمع والوحشية، وها هي اليوم تحاول غسل يديها من دماء الأبرياء من خلال دعوى قضائية تفتقر إلى أي مصداقية أخلاقية" وفق الوزير السوداني
شكوى مليئة بالتناقضات
وتحمل الشكوى المقدمة لمحكمة العدل الدولية تناقضات في عدة جوانب أكد عليها وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري، والذي قال في تغريدته "في حين تمثل هذه القضية استحضارا بارزا للآليات القانونية الدولية، إلا أنها تعج بالتناقضات القانونية والسياسية والأخلاقية".
وبحسب عبد الباري فإن الشكوى "محاولة ساخرة للغاية من جانب القوات المسلحة السودانية لتحسين صورتها من خلال التظاهر بأنها مدافعة عن حقوق الإنسان. المؤسسة ذاتها التي أشرفت على سبعة عقود من عمليات القتل الجماعي والتطهير العرقي والإبادة الجماعية والإرهاب الذي ترعاه الدولة تسعى الآن إلى إعادة صياغة نفسها كوصية على القانون الدولي - وهو تحول غريب وذو دوافع سياسية".
ومنذ 25 أكتوبر 2021 يعيش السودان حالة فراغ دستوري بعد أن أطاح قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالحكومة الانتقالية، وأصبح يدير حكومة بلا شرعية دستورية، وعلى هذا الأساس تم تجميد عضوية السودان في الاتحاد الافريقي وما تزال.
وقال المدير العام لأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية نيكولاي ملادينوف، إن "المجتمع الدولي إذا لم يركز على حل أزمة السودان فسنشهد مكانا آخرا للإرهاب والتطرف".
وأوضح ملادينوف خلال لقاء خاص على "سكاي نيوز عربية": "قوات عبد الفتاح البرهان استولت على الخرطوم ويعتقدون أن لديهم حلا عسكريا للنزاع، وهذا أمر خطير للغاية، فبعد عامين من المجاعة والقتال لا يوجد أي تقارب للحل بشكل سياسي".
وتابع: "على المستوى الدولي هناك محاولات من قبل قوات البرهان لتحويل الانتباه عن الوضع الحقيقي على أرض الواقع من قتال وفظائع ترتكب من الجانبين في الحرب الأهلية".
وأكد ملادينوف أن "العالم إذا لم يركز بشكل كبير على حل الأزمة في السودان من خلال المفاوضات والانتقال السلمي للحكومة المدنية، سوف نشهد مكان آخر للإرهاب والتطرف وهذا سيعرض البحر الأحمر والدول المجاورة للخطر".
وتابع: "كلا الطرفان في السودان مسؤولان عن إنهاء الحرب ولكن ربما القوات العسكرية تتحمل مسؤولية أكبر بسبب رفضها لجهود الوساطة التي قادتها الكثير من الدول".
ووفق مراقبين، تعتمد الدعوى على مزاعم غير مدعومة بأدلة قانونية قاطعة او حتى استدلاليّة
تأسيس على أدلة باطلة
وقد تم تأسيس الدعوى على بعض الأدلة مثل العثور على أسلحة ومركبات يُقال إنها إماراتية المنشأ، وهو دليل غير كافٍ قانونيًا، إذ إن الأسلحة تُباع وتُهرَّب في الأسواق السوداء الإقليمية، وقد يكون مصدرها دولًا أخرى، بجانب العثور على جوازات سفر إماراتية بحوزة أفراد من الدعم السريع، وهو أمر فسرته الإمارات بأنه ناتج عن سرقة أو فقدان وثائق، وليس دليلًا على دعم رسمي.
وفي ظل غياب أي أدلة ملموسة كضبط شحنات سلاح رسمية أو تسجيل اتصالات مباشرة، تبقى الدعوى ضعيفة من الناحية الإثباتية.
أما العقبة القانونية الأساسية التي تواجه دعوى العسكر، فتتمثل وفق وزير العدل السوداني السباق نصر الدين عبد الباري في: اختصاص محكمة العدل الدولية، أو غياب هذا الاختصاص.
وتأتي مزاعم حكومة الجيش السوداني في الوقت الذي تواصل فيه الامارات العربية المتحدة، دور انساني متعاظم تجاه السودان، حيث قدم خلال السنوات الأخيرة أكثر من 3.5 مليار دولار كمساعدات للسودان، بجانب دعم متواصل للاجئين السودانيين، من خلال قوافل الإغاثة، كما سعت لوضع حد للازمة في السودان عبر المشاركات في الوساطات الساعية الى إحلال السلام في البلاد.