بيت لحم- معا- تحليل إخباري- تأسست إسرائيل في أعقاب وعد بلفور عام 1917، عندما تعهدت بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، رغم أن الأغلبية الساحقة من السكان كانوا من العرب الفلسطينيين.
وقد ساعدت القوى الدولية، خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة، في تمهيد الطريق لإعلان قيام دولة إسرائيل في 14 مايو 1948.
في عام 1947، تبنت الأمم المتحدة قرار التقسيم رقم 181 الذي يقضي بإنشاء دولتين يهودية وعربية، إلا أن الدولة الفلسطينية لم تقم حتى اليوم. قُبلت إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة عام 1949 بشرط احترام قرارات الشرعية الدولية، بما فيها حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقًا للقرار 194، وعدم تغيير الوضع القائم في القدس.
ومع ذلك، تجاهلت الحكومات الإسرائيلية، تحت قيادة نتنياهو بشكل خاص، هذه الالتزامات، مما أدى إلى تفاقم النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي واهتزاز مكانة إسرائيل على الساحة الدولية.
نتنياهو: سيرة ذاتية مشبعة بالإيديولوجيا والتناقضات
في واحدة من أكثر الفترات سوداوية في تاريخ إسرائيل الحديث، يقف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول بقاءً في الحكم، كرمز لانقسام داخلي متزايد، وعزلة دولية متنامية، وتحول إسرائيل من دولة تسعى إلى السلام والأمن، إلى كيان يترنح على حافة الحروب والصراعات الوجودية.
ولد نتنياهو عام 1949 في تل أبيب، وبرز كسياسي يميني محافظ، تأثر بفكر والده المؤرخ بن تسيون نتنياهو المعروف بتطرفه القومي.
خدم في وحدة النخبة العسكرية "سييرت متكال"، ثم درس في الولايات المتحدة، حيث طور أدواته الإعلامية والسياسية، متبنيًا خطابًا موجّهًا للرأي العام الغربي، خصوصًا الأميركي.
تأثرت مسيرته السياسية بشكل كبير بمقتل شقيقه يوناتان نتنياهو، الذي لقي حتفه خلال عملية إنقاذ الرهائن في عنتيبي عام 1976. شكل هذا الحدث صدمة عائلية وسياسية لنتنياهو، حيث أصبح يوظف موت شقيقه كأساس لروايته السياسية التي تركز على أن إسرائيل في حالة حصار دائم وتحتاج إلى قيادة أمنية صارمة.
ألّف نتنياهو عدة كتب، أبرزها "مكان تحت الشمس" عام 1993، الذي يعد مانيفيستو سياسيا يدافع فيه عن سياسات الاحتلال ويروّج لرؤية متطرفة للصراع العربي-الإسرائيلي.
كما نشر كتابًا بعنوان "محاربة الإرهاب" يروج فيه لنظرية أن إسرائيل هي خط الدفاع الأول عن العالم الغربي ضد الإرهاب.
ورغم وعوده المتكررة بإحلال الأمن وتحقيق السلام، كانت تلك الوعود غطاء لسياسات أدت إلى المزيد من العنف والعزلة، داخليًا وخارجيًا. منذ صعوده السياسي في التسعينيات، تميّز نتنياهو بذكاء تكتيكي فائق، لكن أيضًا بسياسة مفرطة في البراغماتية، مما جعله يعقد التحالفات مع المتشددين.
زعيم مأزوم يهوى افتعال الأزمات
وصفه محللون نفسيون بأنه "مهووس بالسلطة"، يظهر نزعة نرجسية ويتغذى على الأزمات كوسيلة للبقاء في الحكم.
شخصيته تميل إلى الشك المفرط والعداء لمن يختلف معه، وقدرته على المناورة السياسية ترتكز على خلق أعداء دائمين.
وزير المالية الذي أطلق الرأسمالية المتوحشة
بين عامي 2003 و2005، تولى نتنياهو وزارة المالية في حكومة أرئيل شارون، واتخذ قرارات شكلت منعطفًا حادًا في الاقتصاد الإسرائيلي.
تبنّى سياسة "الرأسمالية النيوليبرالية" بشراكة مع الشركات الكبرى، وفرض برنامجًا تقشفيًا غير مسبوق شمل خفض مخصصات الضمان الاجتماعي ورعاية الأطفال، وتقليص دعم البطالة والفقراء، وخصخصة مؤسسات حكومية حيوية.
ورغم أن هذه السياسات رفعت مؤشرات الاقتصاد الكلي، فإنها جاءت على حساب الفئات الضعيفة في إسرائيل وزادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، خاصة بين اليهود الشرقيين والمواطنين العرب.
النفوذ العائلي: قرارات تحت تأثير سارة ويائير
لا يمكن فصل سلوك نتنياهو السياسي عن تأثير أسرته، وخاصة زوجته سارة وابنه يائير. تشير تقارير إلى أن سارة تمارس نفوذًا واسعًا على دوائر اتخاذ القرار، وتُعرف بطبعها المتسلط.
أما يائير، فقد لعب دورًا مثيرًا للجدل عبر منشوراته الاستفزازية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي غالبًا ما تحرج والده سياسيًا.
اتهامات بالفساد: سقوط أخلاقي مغلف بالشعبوية
يواجه نتنياهو حاليًا محاكمات جنائية بتهم تشمل تلقي رشى، وخيانة الأمانة العامة، وإساءة استخدام السلطة. ورغم ذلك، لا يزال في الحكم عبر ائتلافات هشة يسندها اليمين المتطرف والديني.
قضية التمويل القطري: دعم حماس مقابل مكاسب سياسية
تطورت الشبهات حول نتنياهو بقضية تتعلق بدعم غير مباشر لحركة حماس من خلال تسهيلات لنقل الأموال القطرية إلى قطاع غزة. تشير التحقيقات إلى أن هذا التمويل تم بعلمه وموافقته، بهدف إضعاف السلطة الفلسطينية.
قرار المحكمة الجنائية الدولية: ملاحقة قانونية
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في تشرين الثاني 2024 مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الجيش السابق يوآف غالانت، وقالت إن هناك "أسبابا منطقية" للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وأوضحت المحكمة حول القرار الذي شكل سابقة في إسرائيل، أن جرائم الحرب المنسوبة إلى نتنياهو وغالانت تشمل استخدام التجويع سلاحا للحرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية والمتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية.
دمار عملية السلام: نهاية الحلم الفلسطيني
في عهده، تم القضاء على أي أمل واقعي لحل الدولتين، مع توسع الاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس.
كما ساهم في تطبيع العلاقات مع دول عربية بطريقة تهمّش القضية الفلسطينية.
صناعة الأعداء بدل الأصدقاء
نتنياهو جعل من إسرائيل دولة مكروهة لدى حركات الشعوب، حتى في الغرب، مع تراجع الدعم الشعبي الأمريكي لإسرائيل، خصوصًا بين الشباب واليسار.
نشوء موجة انتقادات غير مسبوقة في الجامعات والمؤسسات الإعلامية الأمريكية.
حتى في أوروبا، أصبح ينظر إليه كمعرقل للسلام، وشخصية غير موثوق بها دبلوماسيًا.
قيادة أمريكا إلى الحروب
تزامن حضور نتنياهو السياسي مع دخول الولايات المتحدة في سلسلة من الحروب الكبرى، حيث كان صوته الأعلى في دفع أمريكا لغزو العراق، والتدخل في أفغانستان، والحرب في ليبيا، والانخراط في الحرب على الإرهاب (منذ 2001) والدعم العسكري واللوجستي لحروب إسرائيل في غزة ولبنان.
يقود العالم لحرب عالمية ثالثة
اليوم، يدفع نتنياهو إدارة ترامب كما فعل بإدارة بايدن نحو مواجهة مباشرة مع إيران، من خلال استفزازات متكررة، وضربات تُخرج طهران عن صبرها. وتهديدات نتنياهو بضرب منشآتها النووية قد يشعل شرارة حرب إقليمية واسعة قد تمتد لحرب عالمية ثالثة.
الخاتمة: زمن نتنياهو... زمن الدمار
يمثل نتنياهو اليوم أحد أكثر القادة ضررا ليس فقط لإسرائيل، بل للاستقرار العالمي. إنه زعيم يتغذى على الحروب، ويقود شعبه والعالم نحو الهاوية، باسم "الأمن" و"الهوية اليهودية". هل آن أوان الحساب؟.