الأحد: 08/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

ولادة مجلس حقوق الإنسان خطوة نحو إصلاح الأمم المتحدة /بقلم :المحامي بهاء الدين السعدي

نشر بتاريخ: 20/03/2006 ( آخر تحديث: 20/03/2006 الساعة: 16:19 )

ولد وشاهد النور، ذاك هو مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي صادقت الجمعية العامة على قرار إنشاءه رقم (A70 L.48) بتاريخ 15/3/2006 ليحل محل لجنة حقوق الإنسان التي كثُر النقد الموجه إليها في الآونة الأخيرة نتيجة تراجع مكانتها ودورها بعد أن وصمت بوضع قناع أعمى بإنتقائية قضايا حقوق الإنسان التي تتناولها وعدم شفافيتها وتسييسها .

وفي حين كانت تلك اللجنة تتمتع ببعض مظاهر القوة الملحوظة، من حيث قدرتها على اتخاذ إجراءات بشأن حالات بلدان معينة، وتعيين مقررين وخبراء آخرين، والعمل بصورة وثيقة مع منظمات المجتمع المدني. إلا أنها في نفس الوقت أُضعفت بسبب تسييس دوراتها وانتقائية عملها ، فانعكست آثار تردّي مصداقية تلك اللجنة المتدهورة على سمعة منظومة الأمم المتحدة ككل ، بصورة لا يكون فيها إجراء إصلاحات جزئية كافياً.

لقد مثل تشكيل مجلس حقوق الإنسان خطوة إيجابية ضمن مشروع إصلاح الأمم المتحدة في جميع هيئاتها وأجهزتها الرسمية بما فيها مجلس الأمن والجمعية العامة، وبالتالي فقد حلّ مجلس حقوق الإنسان الذي أقرت الجمعية العامة في قمة الألفية العمل على إقامته بناءاً على اقتراح سويسري ليحل محل لجنة حقوق الإنسان وباختلافات جوهرية وأصيلة بينهما ضمن برنامج طموح تسعى ضمنه الأمم المتحدة لتعزيز مكانة حقوق الإنسان عالمياً.

وقد جاء التصويت على قرار إنشاء مجلس حقوق الإنسان بأغلبية 170 صوتاً، ومعارضة 4 دول هي بالتأكيد الولايات المتحدة وشريكتها في عملية السلام الخاصة بهما إسرائيل، إضافة إلى مارشال أيلاند وبالاو، بينما امتنعت عن التصويت ثلاث دول هي إيران وفنزويلا وبيلاروسيا .

وحقيقة القول أن المصادقة على هذا المشروع هو تدعيم وتعزيز لميكانزمات الأمم المتحدة في متابعة حقوق الإنسان، ولذا فقد اعتبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان "لويز آربور" تشكيل هذا المجلس بمثابة الفرصة الوحيدة المتاحة لوضع أسس نظام جديد للترويج ولاحترام مبادئ الحريات الأساسية في كل أرجاء العالم.

فيما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه يمنح الأمم المتحدة فرصة طال انتظارها، لتنطلق انطلاقة جديدة في سعيها إلى تدعيم حقوق الإنسان والدفاع عنها في جميع أنحاء العالم. ذلك لأن المجلس المرتقب يُدخل تحسيناً كبيراً على القدرة الراهنة للأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، عبر معالجته لقضية الاحترام الكامل لجميع حقوق الإنسان في جميع الدول بدون أي تمييز أو استثناء، بما في ذلك البلدان الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.

مكان وموعد اجتماعات المجلس:

لقد لخص القرار المذكور الأسس التي سيقوم عليها مجلس حقوق الإنسان، إذ يشير بوضوح إلى أن المجلس سيتخذ من جنيف مقراً له، وهو ذات المقر الذي كانت تنعقد فيه أشغال لجنة حقوق الإنسان، لكن بدلاً من الانعقاد مرة واحدة في السنة ولستة أسابيع متتالية، اختارت الدول الأعضاء لمجلس حقوق الإنسان أن يُعقد على ثلاث فترات في السنة الواحدة ولمدة لا تقل عن عشرة أسابيع ضمن إجتماعات دورية، وسيكون مجلس حقوق الإنسان هيئة دائمة قادرة على الاجتماع ضمن دورات خاصة (بدعم من ثلث الأعضاء) في أي وقت للتصدي للأزمات المحدقة، الأمر الذي سيسمح للمجلس بالرد السريع على أزمات حقوق الإنسان ومواجهة أوضاع الانتهاكات الصارخة أو المزمنة بطريقة أفضل توقيتاً ودقة. كما أن التحول بمناقشات حقوق الإنسان إلى حيث تستغرق فترة تتجاوز دورة الأسابيع الستّة المشحونة سياسياً من شأنه أن يتيح كذلك مزيداً من الوقت لأعمال المتابعة الفنية لتنفيذ المقررات والقرارات.

لكن الجديد في مجال مراقبة سجل الدول الأعضاء في مجال حقوق الإنسان (وهو ما من شأنه أن يثني بعض الدول عن ارتكاب انتهاكات مثيرة في هذا المجال على الأقل أثناء فترة عضويتها في المجلس)، هو تخويل القرار للدول الأعضاء بأغلبية الثلثين حق إقصاء بلد من العضوية في مجلس حقوق الإنسان في حال ارتكابه لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

ويتشكّل مجلس حقوق الإنسان حسب القرار الصادر كهيئة فرعية تابعة للجمعية العامة لمدة خمس سنوات تقييمية تمهيداً لجعله جهازاً رئيسياً في منظومة الأمم المتحدة يرقى إلى مستوى مجلس الأمن الدولي والمجلس الإقتصادي والإجتماعي على إعتبار أن منظومة الأمم المتحدة تقوم على ثلاث أركان؛ الأمن، التنمية وحقوق الإنسان.

ولذا سيكون من شأن ترفيع لجنة حقوق الإنسان إلى مكانة مجلس مكتمل الشخصية، النهوض بحقوق الإنسان إلى مستوى الأولوية التي يمنحها إياها ميثاق الأمم المتحدة، دون إغفال أن تحويل مجلس حقوق الإنسان إلى مستوى هذين الجهازين يحتاج بالضرورة إلى تعديل ميثاق الأمم المتحدة.

وبحسب الصلاحيات الممنوحة لمجلس حقوق الإنسان فإنه يحق له التعامل مع أية قضايا تتعلق بحماية أية حقوق إنسانية في أية دولة وتعزيزها، بما في ذلك أوضاع الانتهاكات الصارخة أو المنهجية أو المتواصلة، فضلاً عن أوضاع الأزمات.

ولذا سيحتفظ مجلس حقوق الإنسان بمواطن القوة المتوافرة في نظام اللجنة، بما فيها نظامها الفريد الخاص بالخبراء المستقلين المعروف "بالإجراءات الخاصة"، كما سيحتفظ بالقواعد الخاصة بمشاركة المنظمات غير الحكومية استناداً إلى المادة 71 من ميثاق الأمم المتحدة والممارسات التي تطبقها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان. فيما سيُترك مصير العديد من مهام اللجنة وإجراءاتها وأفرقة عملها للمجلس لاتخاذ قرار بقبولها أو تجديدها أو التخلي عنها.

عضوية متاحة لجميع الدول:

ليست هناك شروط مسبقة للعضوية في هذا المجلس، باستثناء تعهدات والتزامات طوعيه تبديها الدول لدى انتخابها في هذا المجلس. أما تقييم مدى تطبيق الدول لمبادئ حقوق الإنسان بشكل دوري فتنطبق على كافة الدول، وذلك من أجل تفادي الانتقادات التي وجّهت للجنة حقوق الإنسان من أنها تهتم بدول بحالها وتتغافل عن البقية.

وسيتم انتخاب أعضاء المجلس مباشرة بالاقتراع السري بأغلبية أعضاء الجمعية العامة "96" صوتاً إيجابياً، واستثناء مبدأ التزكية الذي كان موجوداً في نظام اللجنة، وتحديداً الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التي كانت تتمتع بمقعد دائم فعلياً في لجنة حقوق الإنسان، وقد تم تحديد فترة الترشيح للعضوية لمدة ثلاث سنوات تجدد مرة واحدة فقط على التوالي.

ويعطي أسلوب الإنتخاب المباشر من قبل الجمعية العامة للمجلس عضوية أكثر التزاماً بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها ويجعل أعضاء المجلس أكثر قابلية للمساءلة، وسيتم اختيار أعضاء المجلس من العضوية الأوسع لأن جميع الدول الأعضاء لا يمكنها أن تشغل مقعداً لمدة أطول من ست سنوات متتالية. على أن يؤخذ سجل كل دولة مرشحة وتعهداتها على صعيد حقوق الإنسان بعين الاعتبار. إذ يُطلب من جميع الأعضاء التمسك بأعلى مقاييس حقوق الإنسان والتعاون الكامل مع المجلس والسماح للمجلس بمراجعة سجلها في مجال حقوق الإنسان خلال فترة عضويتها.

ومن خطاب ألقاه في 7 نيسان/أبريل 2005 أمام لجنة حقوق الإنسان، أسهب الأمين العام في الحديث عن مهمة رئيسية جديدة مقترحة لمجلس حقوق الإنسان تتمثل فيما يسمّى "استعراض أقران" يقوم به مجلس حقوق الإنسان بهدف تقييم وفاء جميع الدول بجميع التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، مما سوف يجسد عملياً المبدأ القائم على أن حقوق الإنسان عالمية وأنها كل لا يتجزأ.

وستكمّل آلية "استعراض الأقران" إجراءات الإبلاغ بموجب معاهدات حقوق الإنسان، دون أن تحل محلها. فهذه الأخيرة تنبع من الالتزامات القانونية وتنطوي على تدارس دقيق تقوم به أفرقة خبراء مستقلين للقوانين والأنظمة والممارسات فيما يتعلق بأحكام محددة من تلك المعاهدات. وتتمخض عن ذلك توصيات محددة وحاسمة بشأن الإجراءات اللازم اتخاذها.

أما "استعراض الأقران" فسيكون عملية تقوم الدول الأعضاء طوعاً في إطارها بإجراء مناقشات حول مسائل حقوق الإنسان كل في بلدها، بمعنى أن يخضع أداء جميع الدول الأعضاء فيما يتعلق بجميع التزامات حقوق الإنسان للتقييم من جانب الدول الأخرى.

وسيساعد استعراض الأقران، قدر المستطاع، على تفادي التسييس والانتقائية اللذين يسمان بجلاء النظام الخاص بلجنة حقوق لإنسان. وسيكون مجلس حقوق الإنسان بحاجة إلى ضمان وضع نظام لاستعراض الأقران يكون نزيهاً وشفافاً وقابلاً للتطبيق ليتم في إطاره استعراض أداء الدول على أساس معايير واحدة.

كما ركز قرار تشكيل مجلس حقوق الإنسان على إعطاء ذلك المجلس دور معترف به في منع انتهاكات حقوق الإنسان. وفي حين يشدد القرار على الحوار والتعاون، إلا أن المجلس سيتمتع بالقدرة على التحدث علناً عندما تقتضي منه ذلك خطورة أوضاع حقوق الإنسان أو طبيعتها الملحة.

والسؤال الذي يثار هنا، هل سيؤدي تشكيل هذا المجلس إلى تجديد الثقة الجماهيرية في الأمم المتحدة ذاتها وبداية عهد قوي لحقوق الإنسان وتطبيقها بحيادية على القوي قبل الضعيف، إلى درجة القدرة على جلد الدول القوية التي إعتبرت نفسها دائماً فوق القانون في إنتهاكات حقوق الإنسان التي إرتكبتها باستمرار وبمنهجية دون قدرة على محاسبتها دولياً؟ هل سنشعر نحن كفلسطينيين بوجود جهة دولية قوية ونزيهة قادرة على لعب دور قوي في مساءلة الإحتلال الإسرائيلي عن إنتهاكاته المتكررة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية؟ فما حدث من موقف دولي بعد مجزرة مخيم جنين عام 2002 قد أفقد ثقة الجمهور الفلسطيني بوجود جهة دولية يمكن اللجوء إليها لإتخاذ موقف رسمي قوي تجاه مجازر الحرب الإسرائيلية ودون أن تنظر بعين واحدة وتكيل بمكيالين تجاه حقوق والتزامات الشعب الفلسطيني، وخير شاهد على قولي هذا، ما حدث مؤخراً من تدمير سجن أريحا وإختطاف السجناء فيه ضمن إرهاب دولة رسمي، وكان الأدهى والأمر أن يؤيد إرهاب الدولة هذا بموقف دولي يدين الضحية على إخلالها المزعوم بالإتفاقيات ولا يتطرق لأدنى إدانة لذلك التدمير والتعدي على السلطة المعترف بها دولياً، ويعتبر كل ما جرى عبارة عن عنف متبادل فقط يجب إيقافه وتهدئة النفس إزاءه.

وحقيقة القول أن فضيلة حقوق الإنسان لا يمكن لأي جهة أن تدّعي باحتكارها وحدها، فالانتهاكات موجودة في الدول الغنية والمتقدمة قبل الفقيرة والنامية. وسواء ارتكبت الانتهاكات باسم الدين أو العرق أو أمن الدولة، فإنها تثقل على ضمائرنا.

وسواء ارتكبت الانتهاكات علناً أو بطرق أكثر التواءً، فإنه يتعين علينا الالتزام بالدفاع عن حق جميع البشر في أن يعاملوا بكرامة واحترام.