الدعوة الى إحياء يوم 27 آب كيوم وطني لاسترداد جثامين الشهداء
نشر بتاريخ: 24/08/2009 ( آخر تحديث: 24/08/2009 الساعة: 15:57 )
بيت لحم- معا- دعت وزارة شؤون الأسرى والمحررين كافة المؤسسات الحقوقية والأنسانية الى إحياء يوم 27/8 واعتباره يوما وطنيا لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزين في مقابر الأرقام الاسرائيلية السرية.
وقال وزير الأسرى قراقع في بيان وصل "معا" أن الحكومة الفلسطينية في جلستها المنعقدة يوم 3/8/2009 أقرت هذا اليوم ودعت كافة مؤسسات حقوق الانسان ووسائل الاعلام المحلية على فضح السياسة العنصرية الاسرائيلية على هذا الصعيد والطلب من هذه المنظمات توجيه مذكرات الى الحكومة الاسرائيلية تطالبها بتنفيذ التزاماتها حسب القانون الدولي الانساني و اتفاقيات جنيف بهذا الخصوص.
وأصدرت وزارة الاسرى تقريرا حول مقابر الأرقام واحتجاز رفات الشهداء الفلسطينيين العرب جاء فيه:
أن تفرض إسرائيل عقوبات قاسية بحق الفلسطينيين الأحياء أصبح أمراً مألوفاً لدى العالم بأسره، فالحصار والحواجز العسكرية، والاعتقالات والاغتيالات، وهدم المنازل واقتلاع الأشجار، ومصادرة الأراضي.. كلها أشكال وأجزاء من هذه العقوبات، لكن الأمر الذي لا يمكن أن يستوعبه عقل بشر، أن يتخطى حد معاقبة الأحياء إلى الأموات.
هذا ما يحدث بالفعل في مقابر الأرقام.. تلك المقابر الجماعية التي أنشأها الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الصراع العربي الاسرائيلي، لتحتجز فيها جثامين وأشلاء الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين قضوا في المعارك، أو نفذوا عمليات فدائية ضد أهداف اسرائيلية، أو قضوا داخل المعتقلات الاسرائيلية، أو تم اغتيالهم في عمليات لما تسمى "القوات الخاصة الاسرائيلية"، ومنذ ذلك الوقت وهذه المقابر تعتبر مناطق عسكرية مغلقة يحظر دخولها أو حتى الوصول اليها.
تاريخها وعددها مجهول:
وسميت مقابر الأرقام بهذا الاسم، لأن لكل جثمان فيها رقماً مسجلاً على لوحة من الصفيح، وتقول اسرائيل أن هذه الأرقام هي أرقام ملفات الضحايا وليست لرقمهم التسلسلي وفقاً لتاريخ قتلهم ودفنهم.
ولا يوجد تاريخ محدد يبين متى أُنشأت أول مقبرة للأرقام، غير أن أول عملية دفن جماعي للذين قتلوا على أيدي قوات الاحتلال بدأت في حرب 1948، وكانت بشكل عشوائي، ثم أصبحت رسمية وأكثر تنظيماً وتخضع لاشراف وزارة جيش الاحتلال بعد حرب 1967، ثم زادت عمليات الدفن الجماعي خلال اجتياح لبنان في العام 1982، مع الازدياد المطّرد في أعداد الضحايا الذين وقعت جثامينهم في أيدي قوات الاحتلال.
ربما تكون إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض عقوبات على الجثث، حيث أنها تحتجز أعدادا غير معروفة من جثث الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين استشهدوا في مراحل مختلفة من الكفاح الوطني.
المقابر السرية عبارة عن مدافن بسيطة، محاطة بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوق القبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً،ولهذا سميت بمقابر الأرقام لأنها تتخذ الأرقام بديلاً لأسماء الشهداء. ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسئولة، ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد.
المقابر الجماعية والفردية هي أكثر مما كشف عنها، ولكنها اندثرت أو أُخفيت، وضاعت الأجساد كما ضاعت الأسماء في غمرة الصراع وفرض املاءات القوة والسيطرة على المكان والزمان.
في كل سنة يتم اكتشاف قبرٍ جماعي يطفح بالجماجم والعظام يدل على مذبحة وإبادة ارتكبت بحق السكان المدنيين، كان آخرها قبر جماعي اكتشف في ايلات للجنود المصريين الذين قتلوا بعد وقوعهم بالأسر في حرب 1956...
المؤرخ الإسرائيلي «بني مورس» كشف النقاب عن مذبحتي الطنطورة والدوايمة مبرزاً وثائق تدين وتفضح الرواية الإسرائيلية الخادعة حول النكبة ومأساة اللاجئين.
لا أحد وثق بدقة أسماء الشهداء المحجوزين والمفقودين مما يدل على تقاعس وإهمال كبيرين على المستويين العربي والفلسطيني، خاصة أن الشهداء المأسورين هم من جنسيات فلسطينية وعربية مختلفة.
المقابر التي كشف عنها:
وقد كشفت مصادر صحفيّة إسرائيلية وأجنبية في السنوات الأخيرة معلومات عن أربع مقابر أرقام هي:
1. مقبرة الأرقام المجاورة لجسر " بنات يعقوب " و تقع في منطقة عسكرية عند ملتقى الحدود الإسرائيلية – السورية – اللبنانية، وتفيد بعض المصادر عن وجود ما يقرب من 500 قبر فيها لشهداء فلسطينيين ولبنانيين غالبيتهم ممن سقطوا في حرب 1982، وما بعد ذلك.
2. مقبرة الأرقام الواقعة في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر داميه في غور الأردن، وهي محاطة بجدار، فيه بوابة حديدية معلق فوقها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية " مقبرة لضحايا العدو " ويوجد فيها أكثر من مائة قبر، وتحمل هذه القبور أرقاماً من " 5003 – 5107 " (ولا يعرف إن كانت هذه الأرقام تسلسليه لقبور في مقابر أخرى أم كما تدعي إسرائيل بأنها مجرد إشارات ورموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر أخرى ).
3. مقبرة " ريفيديم " وتقع في غور الأردن.
4. مقبرة " شحيطة " وتقع في قرية وادي الحمام شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا. غالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامي 1965 – 1975. وفي الجهة الشمالية من هذه المقبرة ينتشر نحو 30 من الأضرحة في صفين طويلين، فيما ينتشر في وسطها نحو 20 ضريحاً، ومما يثير المشاعر كون هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق، ما يعرضها للانجراف، فتظهر الجثامين منها، لتصبح عرضة لنهش الكلاب الضالة والوحوش الضارة.
رفات الشهداء الأسيرة والمحجوزة في مقابر الأرقام العسكرية الإسرائيلية منذ سنوات طويلة، تتعرض لنهش الوحوش والطيور الكاسرة وللانجراف بسبب سيول الأمطار.
لم تحتجز حكومات إسرائيل الشهداء بهدف عقاب جماعي لهم ولذويهم فقط، وإنما لإخفاء حقائق ومعطيات أثبتت عبر ممارسات الاحتلال أن كثير من الشهداء قد اعدموا بعد أسرهم وإلقاء القبض عليهم، ويأتي احتجازهم اخفاءً لهذه الحقائق وهروباً من المسؤولية الدولية عن جرائم حرب ارتكبتها حكومات إسرائيل.
وقد تبين أن كثيرا من الشهداء المحتجزين استخدموا كقطع غيار بشرية أو سرقت أعضاء من أجسادهم وصاروا حقولاً لتجارب طبية في إسرائيل ليشكل ذلك دافعاً آخر لاحتجاز اجسادهم وهذا ما كشف عنه مؤخرا تقريرا صادرا عن صحيفة سويدية.
عقاب.. وابتزاز سياسي:
ورغم أن الاحصائيات المختلفة تشير ألى أن عدد الشهداء في مقابر الأرقام يتراوح ما بين 200 ؟ 600، الا أنه لا يوجد رقم محدد لعدد هؤلاء الشهداء، هذا اضافة الى أن مصادر أخرى أكدت أن الرقم الحقيقي لشهداء مقابر الأرقام أعلى بكثير من الرقم المذكور، وأن هناك آلاف المفقودين الفلسطينيين والعرب الذين اختفوا بعد أسرهم أو اختطافهم من قبل قوات الاحتلال، أو أولئك الذين لم يعرف عن مصيرهم شيء خلال الحروب والمعارك المختلفة.
وتدعي سلطات الاحتلال أن الموجودين في مقابر الأرقام هم "مخربين"، وأنها لا تعرف أنسابهم أو أصولهم أو هوياتهم، زاعمة أنها أعادت كل من تم التعرف على هوياتهم الى ذويهم، الأمر الذي يتنافى مع ما تورده سجلات مؤسسة "رعاية أسر الشهداء" في مدينة رام الله، والتي تشير الى ان سلطات الاحتلال تحتجز جثامين 108 شهداء، غالبيتهم معروفين تماماً لدى عائلاتهم اضافة الى تواريخ استشهادهم.
وفي حالات أخرى تدعي سلطات الاحتلال أنها تحتجز بعض الجثامين الى حين الانتهاء من تشخيصها وفحصها والتأكد من هوية أصحابها، الأمر الذي تدحضة سجلات "رعاية أسر الشهداء" أيضاً.
وتتبع اسرائيل أحيانا سياسة انتقائية في احتجاز جثامين الشهداء، فلا يوجد لديها تفسير واضح حول أسباب احتجاز الشهداء من غير "الاستشهاديين"، الذين تحتجزهم كنوع من العقاب على عملياتهم، كما أن لديها نهج واضح في عملية الافراج عن رفات الشهداء، حيث تستخدم هاتين الورقتين للابتزاز السياسي.
انتهاك الحد الأدنى للكرامة:
وكانت الصحافة الاسرائيلية تحدثت في وقت سابق عن كلاب برية شوهدت في إحدى مقابر الأرقام وهي تلتهم أشلاء جثث نبشتها من القبور التي تفتقر الى الحد الأدني من المقاييس الانسانية في عملية دفن الميت، موضحة أن أجساد الشهداء تلقى في حفر لا يتجاوز عمقها المتر الواحد وعرضها الخمسين سنتيمتراً، فيما دفنت جثث أخرى بشكل جزئي، ووضعت أخرى في أكياس بلاستيكية يمكن رؤية ما فيها بالعين المجردة.
انتهاك للقانون الدولي الانساني:
ووفقا لمباديء القانون الانساني الدولي ، فقد حددت المادة 17 من إتفاقية جنيف الأولى معايير التعامل مع جثث الاعداء ونصت على " يجب على أطراف النزاع ضمان دفن أو حفظ الجثث ، بصورة فردية بقدر ما تسمح به الظروف ، على أن يسبق ذلك فحص دقيق ، وإذا كان ممكنا بواسطة فحص طبي للجثث بغية تأكيد الموت والتعرف على الهوية وتمكين إصدار تقرير " ، وكذلك " يجب التأكد لاحقا من تكريم الموتى حسب تقاليدهم الدينية ما أمكن ، وأن تحترم قبورهم وأن تصنف حسب القوميات التي ينتمون إليها ، وأن يتم حفظها بصورة ملائمة ، وان يجري تعليمها بحيث يمكن العثور عليها دائما " ، وهنالك أيضا مواد شبيهة ونصوصا مماثلة ، مثل المادة 120 من إتفاقية جنيف الثالثة والمادة 130 من إتفاقية جنيف الرابعة .
ويرى القانونيون أن احتجاز جثامين الشهداء هو انتهاك للأعلان العالمي للأمم المتحدة حول الأختفاء القسري والذي مل عمل من اعمال الاختفاء القسري جريمة ضد الانسانية، ويدان بوصفه انكارا لمقاصد ميثاق الامم المتحدة، وانتهاكا خطيرا وصارخا لحقوق الانسان والحريات الاساسية التي وردت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
ورغم النصوص القانونية والمواد الملزمة الواضحة في القانون الأنساني الدولي ، إلا أن السياسات الاسرائيلية والممارسات على أرض الواقع قد تنكرت بشكل واضح لهذه المباديء والألتزامات وضربتها بعرض الحائط ، وقد اشارت التقارير التي نشرت حول مقابر الأرقام ، أن هذه " المقابر" غير لائقة ولا تحترم جسد وقدسية الأنسان ، وان الجثث تدفن على عمق سطحي لا يتجاوز نصف المتر مما يجعلها عرضة لنهش الكلاب الضالة والضباع ، وقد تجرفها مياه الأمطار والسيول .
إن إثارة ملف " الجثامين المفقودة " وفتح صفحاته المنسية ، يتطلب منا تكثيف الجهود والتعاون لحصر الحالات وتوثيقها وتحديد أسمائها وأعدادها وسنوات فقدها ورحيلها ، ومن ثم توجيه الأنظار إليها من خلال تأسيس جسما منظما من ذوي الشهداء والمفقودين والضغط بمختلف الوسائل القانونية والدبلوماسية والشعبية ، لتحرير جثامينهم ودفنها بما يليق بها من تكريم وفق الشرائع السماوية والدينية .
مقابر الارقام التي هي إهانة لإنسانية الانسان، في حياته وبعد موته، تستصرخ الموقف الوطني للمطالبة باستعادة جثامين هؤلاء الشهداء ولتمكين ذويهم من إعادة دفنهم بما يليق بكرامة الأنسان، ونستصرخ كل المدافعين عن حقوق الانسان للضغط على حكومة اسرائيل بالافراج عن جثامين الشهداء الفلسطينيين فمن العار أن يصمت العالم على عقاب الانسان حتى بعد موته.