"مفتاح": العقاب لمن لا ترتدي الحجاب .. والعصا لمن عصا
نشر بتاريخ: 26/08/2009 ( آخر تحديث: 26/08/2009 الساعة: 17:28 )
نابلس - معا - قالت مؤسسة مفتاح تعقيبا على فرض الجلباب على الطالبات في فطاع غزة إن المتتبع لقرارات وممارسات الحكومة المقالة، والتي تتمحور في مجملها حول فرض سيطرة مجتمعية انطلاقاً من اعتبار نفسها الناطق الشرعي والوحيد باسم الدين، قد لا يصدق نفي وزارة التربية والتعليم المقالة ما قيل حول فرضها "الجلباب والحجاب" على الطالبات باعتباره الزي الشرعي الإسلامي، ووصفها إياه بأنه مجرد قرارات فردية.
فيما لم تنف قرارها بتأنيث المدارس، أي منع الرجال من مدرسين وإداريين بالتواجد في مدارس البنات في جميع المراحل، حيث أوضح الناطق باسم الوزارة بأنها إجراءات اتخذت من باب الحرص على خصوصية الفتيات في مدارسهن.
والحقيقة أن العديد من الإشارات ترمي إلى عدم استبعاد مثل هذا القرار عن الحكومة المقالة التي فرضت قبل عدة أسابيع قرار فرض الحجاب على المحاميات، وأطلقت حملة الفضيلة التي تنادي بارتداء الحجاب، وكأن المجتمع سيكون مجتمع رذيلة إذا لم تغط النساء رؤوسهن!!.
كما أن التهديد بالطرد للطالبات اللاتي لم يلتزم بالقرار، بما يدفعهن للالتحاق بمدارس خاصة، والتي لا تستطيع كل الأسر تحمل تكاليفها، إنما هو تعد على حقهن الأساسي في التعليم، بما يشكل إمعاناً في قمع الحريات العامة وتجاهل للتعددية الثقافية والدينية، في محاولة لسلخ المجتمع عن طبيعته كمجتمع مدني منفتح يستند إلى الحوار وقبول الآخر، وبما فيه من انتهاك لحرية المرأة، في الوقت الذي صادقت فيه السلطة الفلسطينية هذا العام على معاهدة سيداو الدولية من أجل تمكين المرأة وإعطائها حقوقها.
واضافت مفتاح ان القرار اثار ردود فعل معارضة ومستهجنة كون المجتمع الفلسطيني مجتمعاً محافظاً بطبيعته ومتمسكاً بعاداته وتقاليده الشرقية والدينية، ولا يحتاج من أحد فرضها عليه أو تذكيره بها تحت التهديد والوعيد، كما أن قرار تأنيث المدارس يفتح الباب للتشكيك بنزاهة المدرسين الذين هم أمناء على أبنائنا وبناتنا.
وتابعت :"سواء أكان هذا القرار صادر عن الحكومة المقالة أو انه اجتهادات شخصية من المديرات، فإن التقليل من ردود الفعل المجتمعية حوله ووصفها بأنها غير منطقية وما هي إلا زوبعة في فنجان، وأن المسألة أعطيت أكثر من حجمها، إنما يعزز بشكل أو بأخر الفرضية القائلة باستهتار الحكومة المقالة بعقول الناس وحريتها الفردية واستخفافها بتداعيات هذا الوضع على الواقع المجتمعي وعلى أبنائه وبناته، وردود الفعل هذه ليست تفنيداً لما يحصل في القطاع، فلو أن التربية والتعليم في الضفة الغربية منعت الحجاب في مدارسها لكان هذا أيضاً امتهان للحقوق والكرامات.
واكدت على ان ادعاء الحكومة المقالة بأن هذه القرارات، ما هي إلا تصرفات فردية من مديرات المدارس، إنما هو تنصل واهِ، وعلى عكس ما أرادت الحكومة لا يصب في مصلحتها، إذ يشير بشكل واضح أن المجال مفتوح لكل من يحلو له فرض أو تطبيق أي قانون حسب رؤيته الخاصة، أي أن المجتمع وبصريح العبارة ينطبق عليه المثل القائل " كل من حارة ايدو إله"، وهذا يعزز سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الحكومة المقالة عندما تتعامل بسهولة وتهاون مع كل من يحاول فرض الأخلاق بصورة متعصبة لا تقبل النقاش ولا الجدال، فيما يكون ردها حاسم ودموي عندما يحاول أحد المساس بسلطتها ومكانتها.
وقالت مفتاح من الصعب أن لا تتوقع الحكومة المقالة قوة ردود الفعل اتجاه هذا الوضع وخاصة في الضفة الغربية، وبما سيخلفه من انقسامات وتجاذبات تصب في تعميق الهوة بين أبناء الوطن الواحد، وبينهم وبين العالم أجمع، بما يشتت الأنظار عن القضية الحقيقة وهي حصار مليون ونصف المليون مواطن في القطاع يعانون كل يوم من شتى أنواع التمييز والعنصرية والاضطهاد وانتهاك حقوق الإنسان.
وسواء أكان القرار شفوياً من قبل وزارة التربية والتعليم المقالة، أو من خلال إيعازها لناظرات المدارس بفرض مثل هذا القرار، ومن ثم إعلان براءتها منه في الوقت نفسه، بحيث تظهر وكأنها ليست المسؤولة عنه، وأن المجتمع بأخلاقه وطبيعته يتجه نحو هذه الممارسات، يعود كما يرى المحللون إلى أن هذه الحكومة لا تريد أن تظهر أمام المجتمع الدولي والعربي كسلطة تمارس قمع الحريات وانتهاكها.
واكدت إن هذا الخلل المجتمعي الذي يعانيه القطاع، سيترتب عليه تداعيات خطيرة ستؤثر بلا شك على هيكلية المجتمع وتركيبته وبنيته، ما من شأنه أن يخلق مجتمعات تعاني من حالة انفصام كما هو حال المجتمعات المنغلقة والتي تعاني من كبت، نابع من عدم قناعتهما بما يُفرض عليهما، بما يترجم إلى تصرفات لاأخلاقية تأتي بنتيجة عكسية لا تمت بصلة لا للدين ولا للعادات.
وتابعت :"ولا شك أن هذه الممارسات التعسفية تتعارض مع حقوق الإنسان، التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني وهي تدخل صارخ في حياة المواطنين الخاصة، وسيترتب عليها ردود فعل عكسية وسلبية من جانب المواطنين ستعمل على تعزيز شق الصف الفلسطيني وتكريس الفصل بين شقي الوطن، بما يسلخ القطاع عن الصورة المجتمعية الفلسطينية، إذا لم يواجه هذا الوضع بتدخل من كافة القوى والفصائل الثقافية والحقوقية للحول دون ذلك، وللدفاع عن هويتنا الوطنية والثقافية ووحدتنا المجتمعية".