اليوم.. الاسرائيليون يقتلون الصهيونية لتعيش اسرائيل!
نشر بتاريخ: 28/03/2006 ( آخر تحديث: 28/03/2006 الساعة: 14:48 )
كتب رئيس التحرير- يمكن للعرب ان يتهموا اسرائيل بشتى انواع الاتهامات، ولكنهم لن يستطيعوا اتهامها بالغباء، مع الاخذ بعين الاعتبار التحفظات الكاملة على استراتيجيات الحركة الصهيونية الخاطئة التي حاولت ان تبني كيان الشعب اليهودي على حساب شعب اخر.
وبنسبة تصويت بطيئة ومنخفضة يتوجه الاسرائيليون لانتخاب الحكومة الحادية والثلاثين, ويظهر الفرز في المشهد الاسرائيلي على نحو واضح بروز لونين ساطعين يميزان المجمع الاسرائيلي هما الازرق والبرتقالي.
فاللون الازرق والذي يمثله حزب كاديما وحزبي العمل وميرتس يمثل الصهيونية الجديدة التي عبر عنها ارئيل شارون بنظرياته التي تستند الى ترسيم حدود اجبارية لاسرائيل وضم اكبر مساحة من الارض والتخلص من اكبر عدد ممكن من العرب بموجب حلول احادية الجانب دون الحاجة الى شريك فلسطين للتفاوض.
اما اللون البرتقالي والذي يمثله الليكود والمستوطنون والمتدينون فيتمسكون بنظرية " جابو تنسكي" ولكن البرتقاليون يرفضون اخلاء المستوطنات اليهودية ويختلفون مع الازرق في حجم الانسحابات.
والمفاجأة اليوم هي التقدير بان حجم الاصوات للعرب سينخفض من عشرة مقاعد الى سبعة او ستة كما ان المتطرف اليهودي افيغدور ليبرمان ينجح في استقطاب المهاجرين الروس لصالح حزب اسرائيل بيتنا ويصل الى حد منافسة الليكود في عدد مقاعد الكنيست.
هذا من الناحية العملية الراهنة، اما من الناحية الاستراتيجية فقد اظهرت سنوات الحكم الشاروني ان النظرية الصهيونية المبنية على اساس ارض اسرائيل الكبرى، قد انهارت بعوامل ذاتية وخارجية.
وبمعنى ادق، فان الاحتلال يتوقف حين تصبح السيطرة على شعب اخر مشروع خاسر اقتصاديا، ولقد اثبتت سبع سنوات من انتفاضة الحجارة وسبع سنوات اشتباكية في ظل سلطة الحكم الذاتي وسبع سنوات من انتفاضة الاقصى، اثبتت لكل اسرائيلي ويهودي في العالم بأن الاحتلال اصبح مشروعا خاسرا من جميع النواحي، فخرج شارون بخطابه في مؤتمر هيرتسيليا عام 2004 ليعلن رغبة الدولة العبرية في انهاء الاحتلال، ليكون بذلك غالبية الاحزاب الصهيونية تؤيد انهاء الاحتلال بشكل او باخر وهو تحوّل كبير وسريع نسبيا من الناحية التاريخية في اتجاه المجتمع العبري.
ففي انتخابات 2003 اي قبل سنة وثمانية اشهر كان الهم الاول عند يهود اسرائيل هو الامن الشخصي 33% ثم القضايا الاقتصادية 28% ثم التعليم 18% ثم التنمية 9% ثم محاربة الفساد 8% فقط .
اما هذه الانتخابات 2006 فان اول اولويات الناخب الاسرائيلي صارت الحرب ضد الفقر 35% ثم خطر حماس 27% ثم مشاكل التعليم ثم الجريمة والعنف ثم محاربة الفساد.
وفي المرة الماضية رفع حزب الليكود شعارا يقول" فقط شارون يستجلب السلام" اما اليوم فشارون على سرير الموت السريري وحزب كاديما يرفع شعار" لا يوجد سلام يوجد انسحاب احادي الجانب ويوجد جدار ويوجد لملمة الحدود للكيان اليهودي في المشرق العربي".
ومنذ 1949 حين جرت اول انتخابات للكنيست الاولى وفاز فيها بن غوريون وحتى هذه الانتخابات السابعة عشر للكنيست، لم تطرح الاحزاب الصهيونية برنامجاً يشابه ما تطرحه اليوم، وفيها نقرأ اعلان خجول عن موت النظرية الصهيونية الكلاسيكية ونشوء نظرية يهودية الدولة وهو انتقال حاد وفج بين نظرية الهجوم السابقة ونظرية الدفاع الحالية.
وفي حال كان هناك مفاجآت في هذه الانتخابات فانها لا تخرج عن اطار التحليل النظري السابق، فانخفاض تمثيل العرب في الكنيست يعتبر منطقيا بل وصحيا على المستوى الاستراتيجي، صحيح ان هناك 24 الف عضو عربي في حزب العمل, والاف اخرين في الاحزاب الصهيونية الاكثر تطرفا، لكن هذا ورغم خطورته النقابية حاليا الا انه ايجابي على صعيد الفرز الطبيعي لعرب 48 ودورهم المستقبلي في صون عزة الامة وكرامتها، فالعرب الفلسطينيون لا يحتاجون الى مسجد في الكنيست بقدر ما يحتاجون الى هوية عربية اصيلة وحرة ومستقلة.
المفاجأة الثانية والتي تتمثل في ارتفاع نسبة الناخبين المهاجرين الروس لحزب المتطرف المستوطن افيغدور ليبرمان، ظاهرة لا تستحق التعليق عليها لانها ظاهرة لمرة واحدة وتعبر عن سوق بيع وشراء الاصوات الروسية التي لم تستقر بعد كجزء اصيل من المجتمع العبري، فهذه الاصوات التي لها اهميتها نقابيا لا يوجد لها اية اهمية استراتيجية في الصراع.
وبالتالي فان المجتمع العبري الذي افرز القاتل المتطرف يغئال عمير الذي قتل رئيس وزرائهم اسحق رابين في العام 1995 هو نفس المجتمع الذي افرز اليوم حزب كاديما الذي يقتل الصهيونية بيديه وتحت صورة جابوتنسكي وصورة مناحيم بيغن، ليفتح نهر الشرق الكبير الهائل الهادر على ينبوع اسرائيل الصغيرة الذي يهدده الجفاف الايديولوجي.
ومن يقرأ بعناية سير الاحداث التاريخية، يرى بان الفلسطينيين والعرب ربما لن يحتاجوا الى القتال أكثر للوصول الى غاياتهم، ويكفيهم ان يتكاثروا طبيعيا ويحبّوا زوجاتهم اكثر قليلا، ليحققوا ما يريدون في السنوات العشر القادمة بكل هدوء!.