طريق حماس الوعر.. بقلم: تامر المصري
نشر بتاريخ: 28/03/2006 ( آخر تحديث: 28/03/2006 الساعة: 16:32 )
منذ أن فازت حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي بأغلبية المقاعد, والغموض يكتنف مصير السلطة الفلسطينية والقضية الوطنية ككل, سيما وأن حكومة إسماعيل هنية باتت قاب قوسين أو أدنى من تسلم زمام الأمور بشكلٍ فعلي, فيما تصر إسرائيل على تقريع الشعب الفلسطيني و معاقبته لممارسته حقه الديمقراطي و اختياره حماس, مستخدمةً في ذلك كل وسائل القتل و الخنق و التضييق,في حين تقف الولايات المتحدة في خندق المواجهة الموالي لتل أبيب حتى صار من غير الممكن التعامل معها كوسيط في العملية السلمية.
على أي حال ؛ فإن الأمر الواقع سيء التأثير الذي باتت فيه حركة حماس بفعل الاختيار و الإجبار معاً,بات ينعكس على البلاد و العباد سلباً, ليتواءم حجم التغيرات الجيوسياسية الفلسطينية مع تلك الواقعة في إسرائيل, خصوصا بعد كشف مخططات إسرائيلية مرعبة لم يتم طرحها بشكلٍ تفصيلي, تهدف إلى ترسيم الدولة العبرية بقرارات أحادية الجانب,لتكون مكملةً للانسحاب الإسرائيلي الكارثي من قطاع غزة بالشكل الذي أُنجز فيه.
ولعل القريب القادم سيكشف حجم الخازوق الذي سيبتلعه الفلسطينيون, في ظل تشابك المعطيات الإسرائيلية الخطيرة على الأرض, و ما يمكن توقع حدوثه فلسطينياً بتأثير من الاحتلال, و تباين المسافة بين الشعار الذي ترفعه حماس و ما أضحت فيه الحركة من واقع لا يشفع في ترقيعه فصاحة لسان أو قوة بيان .
فحركة حماس التي تتجه للتهدئة مع إسرائيل, منذ ثبوت رؤية الانتخابات التشريعية و التأكد من إمكانية إجرائها في موعدها, تدرك تماماً الفرق الكامل بين شغل موقعي المعارضة و السلطة, لذا؛ فإن أحداً لا ينكر محاولاتها للتجاوب مع ما يطلبه المجتمع الدولي أحياناً, و سعيها لرمي الكرة في الملعب الإسرائيلي, بإعلانها الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع الحكومات الفلسطينية السابقة من معاهدات, و تحميلها إسرائيل مسؤولية القطيعة القادمة بينهما, على أساس أن إجابات قادة الحركة لم تتغير في التصريح بأن المشكلة تكمن في قادة الدولة العبرية الذين لا يريدون التعامل معنا, في إشارةٍ ضمنية واضحة إلى قبول حماس ذلك لو استجابت إسرائيل, و لكن؛ دون أن يعلنوا ذلك على الملأ.
إلا أن المشكلة الحقيقية التي وقعت فيها حماس, في ظل حالة اللاسلم و اللاحرب القائمة, هو عدم مقدرتها على المزاوجة بين السقف الذي كانت ترفعه الحركة في نضالها, مع وضعها الجديد كحزب حاكم يقود السلطة الفلسطينية,تلك السلطة التي ما كانت لتقوم إلا على ما كانت الحركة ترفضه مسبقاً و كان دون سقفها بمسافات طويلة, الشيء الذي حاولت تعويضه الحركة الآن من خلال ما يمكن تسميته بالمرونة في التعامل, و التي بدورها لم تخلق خطاباً متطوراً يليق بالتحول الاستراتيجي الذي اندفعت إليه حماس, و تلك أزمة أخرى ترتبط بسابقتها .
إما سلطة و إما مقاومة؛ و الاثنتان لا تلتقيان, هذا هو لسان الإسرائيليين للحركة, الشيء الذي لا يتوافق مع طموح حماس التي لم تطلق طلقة واحدة مؤخراً باتجاه أي هدف إسرائيلي, تحسباً من أي رد فعل إسرائيلي يقضي على إنجازها في الانتخابات, و يمنعها من نيل استحقاقاتها المترتبة عليه, فيما الشعب اختار حماس لأسباب ما؛ أحد أهمها انتهاج الحركة للمقاومة, و هذا ما سيلغيه الاعتراف بإسرائيل بتخليها عن المقاومة كخيار استراتيجي لها لو رضخت, فتصبح حماس ما بعد الانتخابات في نظر الفلسطينيين غير تلك التي كانت قبل 25 كانون الثاني, الأمر الذي لم تفلح حركة حماس في تفاديه كاصطدام حاصل لا محالة مع تل أبيب و كذاك المجتمع الدولي,إذ كان بإمكانها تجنب جزء من هذا الضغط باعترافها التدريجي المسبق بمنظمة التحرير الفلسطينية, كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني و كمرجعية للسلطة, و انضوائها تحت مظلتها, و المنظمة كما هو معروف تعترف بإسرائيل, في حين أن معظم أعضائها لا يعترفون بحق الدولة العبرية في الوجود كالجبهات الشعبية و الديمقراطية و العربية و غيرها, فلو كانت الحركة الآن في المنظمة لبقيت متحفظة على من تريد في الاعتراف أو غيره , و خففت عن نفسها وطأة الإلحاح في المطالبة دون إلغائه.
في حين كان و لا يزال يدرك الإسرائيليون و الأمريكيون دلالات مواقف حماس, و يعرفون أن الحركة متجهة للمشاركة في الحياة السياسية و الاجتماعية بشكل سلمي بعيداً عن المقاومة على الأقل مرحلياً, و ليس أدل على ذلك من إشارات مجرد مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت, بغض النظر عن مفاجأة النتائج التي جنتها حماس, فالمشاركة كانت دليل واضح على الاعتراف بأوسلو التي تم بعثها و إحياءها من موتها السريري, و بالتالي الاعتراف بالطرف الذي وقع معه الفلسطينيون الاتفاق, و لكن؛ إسرائيل تسعى إلى المزيد من الابتزاز لحركة حماس, و هو مسلسل يمكن أن يمتد ليطال تفاصيل التفاصيل داخل الحركة, لتقبل حركة حماس بما لم تقبله فتح.
و ليس من المعقول أن نقول أن قدوم حماس إلى الحكم جاء رغماً عن الولايات المتحدة و إسرائيل, فبغض النظر عن الفقاعات الإعلامية التي كان يطلقها بعض القادة الإسرائيليين التي تهدد و تتوعد بإفشال أي انتخابات تشارك فيها حماس, فإن تل أبيب و من خلفها واشنطن و كذلك كل المعنيين بالقضية الفلسطينية, كانوا يعلمون حجم و قوة حركة حماس و إمكانية سيطرتها كقوة أولى أو ثانية في أسوأ الحالات على المجلس التشريعي , و بالتالي المشاركة في التشكيلة الحكومية.
و قد جرت الانتخابات على هذا الأساس, الأمر الذي أسقط حجة الرئيس محمود عباس أمام الرئيس بوش بعدم عقد الانتخابات, ما لم تجر في القدس المحتلة تحت ضغط فتح التي كانت تتوق إلى التأجيل, حتى سارعت واشنطن إلى تطمين الرئيس عباس بضمان إجراءها في القدس, و تعاطي إسرائيل مع هذا الضمان بتسهيل حياة يوم الاقتراع, و جعله كيوم لا يشبه بقية أيام فلسطين, لتستغل إسرائيل الآن ما نتج من واقع للمراوغة و الملاسنة و المطالبة و طوي قوس السياسة باختصارها في أشياء كالمساعدات و التنسيقات و غير ذلك, لحصر القضية في اعتراف حماس أو عدم اعترافها بإسرائيل, و انشغال الحركة في هذا الموضوع مع الأخذ بعين الاعتبار استمرار استراحة المحارب القسامي, لتتفرغ إسرائيل لتنفيذ خططها المصيرية القاتلة, في ترسيم حدودها و تنفيذ انسحاباتها أحادية الجانب, في ظل حالة الادعاء الاتهامية بعدم وجود الشريك الفلسطيني, و تزامن ذلك مع غياب الساعد الفلسطيني الأقوى عن ميدان المقاومة و المواجهة و الكفاح المسلح, المتمثل بذراع حركة المقاومة الإسلامية حماس !
يبقى السؤال الكبير, لم تجب عنه حركة حماس , و هو ما الذي دفعها للمشاركة في الانتخابات التشريعية, في حين كانت النتائج متوقعة؛ حكومة لحماس أو حكومة تشارك فيها حماس ؟ و هل أعدت حماس نفسها للتعامل مع هذا المأزق المترتب على نتائج الانتخابات ؟ و إذا ما كانت إسرائيل و من ورائها أمريكا من أتاح لحماس المشاركة في الانتخابات عبر السماح بإجرائها أصلاً؛ فهل كانت ثمة حوارات سابقة مباشرة أو عبر وسطاء؛ أفضت إلى هذه المشاركة ؟ و إذا ما دققنا في خطاب حماس المستند إلى دعم العرب و المسلمين؛ فإلى أي مدى تراهن حماس على مواقف أمتيها المجيدتين ؟ ليس هناك شك في أن حركة حماس تمر في أوقات لا تحسد عليها , فيما نتمنى لها التوفيق لسلوك هذا الطريق الوعر .
* الكاتب صحافي مقيم في غزة .