الثلاثاء: 15/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

منتجة افلام اجنبية :تتحدث عن الصعوبات التي تواجهة كرة السلة الفلسطينية

نشر بتاريخ: 02/09/2009 ( آخر تحديث: 02/09/2009 الساعة: 21:25 )
بيت لحم – معا – توجهت منتجة الأفلام هانا ميرفي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لتصوير التعقيدات التي تواكب ممارسة لعبة كرة السلة في الضفة الغربية.
تقول ميرفي: كنت أستمع إلى أكاديمي فلسطيني بارز يتحدث في قاعة مكتظة في لندن عن الغربة الداخلية التي يعاني منها سكان المناطق الفلسطينية.
وتحدث الأكاديمي الفلسطيني عند الحقائق الفظيعة المتعلقة بجدار الفصل، وأثناء المحاضرة أتى على ذكر فريق كرة سلة فلسطيني حرم من جميع الموارد والفرص في اللعب بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل على تنقلات الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ظلت صورة هذا الفريق تجول في ذاكرتي عدة أشهر كمثال على الانتهاكات اليومية للحريات الأساسية للفلسطينيين.
دفعني الاهتمام إلى تصفح الانترنت فعثرت على موقع إلكتروني لدوري كرة السلة في فلسطين أعدته لاعبة كرة سلة شابة تدعا تمارا عورتاني، وقررت أن أحاول الاتصال بها.
تمارا ابنة السابعة والعشرين ناشطة في مجال الرياضة تعمل من أجل زيادة الفرص أمام لاعبي كرة السلة في الضفة الغربية.

العقبات:
أصغيت على تامارا باهتمام وهي تصف العقبات المتزايدة التي يتسبب بها الاحتلال والتي تحول دون تمكين الرياضيين الفلسطينيين من إظهار مواهبهم.
حدثتها عن الأكاديمي الفلسطيني وكلامه عن ذلك الفريق الذي حرم من إقامة المباريات مع الفرق الأخرى.
فأجابت باستغراب: "فريق واحد!" "هناك العديد من الفرق التي تكافح سياسة القمع الإسرائيلية من أجل تحقيق طموحاتها على المستوى العالمي. يوجد 18 فريقا في الضفة الغربية و6 في قطاع غزة. الدوري الفلسطيني لكرة السلة سيبدأ في كانون الثاني، تعالي وشاهدي بأم عينيك."
إضافة إلى عملها كمستشارة في تكنولوجيا المعلومات، وتدريبها كرة السلة بواقع مرتين في الأسبوع، استطاعت تمارا أن تقنع عشرة لاعبين محترفين من الولايات المتحدة بالقدوم للعب مع الفرق الفلسطينية خلال الدوري.

وقالت متحمسة: "سيصل أول اللاعبين من كاليفورنيا الأسبوع القادم."
وقد وصل بالفعل إلى رام الله اللاعب دانتي هنتر 27 عاما من كومبتون كاليفورنيا وهو من أصول أفريقية. وصل هنتر بتاريخ 31 كانون الأول 2008 بينما كانت إسرائيل تشن عدوانها الجوي على قطاع غزة.
يقول هنتر عبر الهاتف: "الإجراءات الأمنية مشددة جدا على الحاجز العسكري بين القدس ورام الله. خرج الناس إلى الشوارع يتظاهرون احتجاجا على ما يجري في قطاع غزة. ليست لدي أدنى فكرة عن مكان تواجدي بالنسبة للعالم، لكن نشرات الأخبار تظهر أناس وعائلات بأكملها يتعرضون للقصف والنيران. لا أرى أحدا في غزة يرد على مصادر النيران." وكان يتحدث بصوت مرتجف يدل على الانفعال رغم أنه من الساحل الغربي المعروف بلهجته الهادئة.
وبعد عدة مكالمات هاتفية مع تمارا ودانتي قررت أن أصور الدوري الفلسطيني. جلست في مقهى صاخب في لندن وناقشت الفكرة مع صديق يعمل مصورا محترفا كان قد سافر كثيرا إلى الضفة الغربية.
سألت صديقي قائلة: "ما رأيك في أن نصور فيلما من خلال متابعة فرق كرة السلة في الضفة الغربية والتي تعاني من التمزق بصورة يومية بسبب الاحتلال وتكافح من أجل أن تمارس اللعبة التي تحبها؟"
نظر إلي من فوق حافة فنجان القهوة فانكمشت في مقعدي حين سألني: "هل سبق لك أن صورت فيلما وثائقيا وحدك؟ هل تمتلكين ما يكفي من المال لتمويل الفيلم؟ فأجبته بالنفي.
ثم أضاف: "هل سبق لك أن سافرت إلى الضفة الغربية، أو إلى منطقة نزاع؟" فأجبته بالنفي أيضا. وتابع يسال: "هل عندك كاميرا؟" فأجبت بالنفي وتنهدت. ارتشف رشفة أخرى من فنجان قهوته وقال: "حسنا، يستحسن أن سأعيرك كاميرا."
سارعت متحمسة إلى الاتصال بتمارا لأقول لها إنني حصلت على كاميرا وسوف آتي لتصوير الدوري الفلسطيني.

الدوري:
بعد سنة من سماعي قصة الدوري الفلسطيني وجدت نفسي أجلس على الخطوط الجانبية لقاعة كرة سلة في مدينة القدس.
تجري مراسيم افتتاح دوري كرة السلة الفلسطيني في الثامن من شباط في مدينة بيت لحم. وقد جاءت تمارا ودانتي ليقلوني من الفندق في رام الله. لم تأت فرق من قطاع غزة الذي كان يقيم الدوري على انفراد رغم القصف الإسرائيلي.
كان مدربو الفرق يزودون تمارا بالمعلومات عن فرقهم كي تنشرها على موقع الاتحاد الأسيوي لكرة السلة. وبينما كنت أصور كنت أسمع داني يصرخ مشجعا لتمارا وهي تلعب المباراة قائلا: "دفاعك جيد يا تمارا!"
ولدت تمارا في رام الله لعائلة ثرية. وتمثل كرة السلة بالنسبة لها طريقة لإطلاق العنان لروحها، وهي تؤمن أن وجود لاعبين محترفين من بلاد أخرى سيعطي الأمل للناس.
أما بالنسبة لدانتي، فكرة السلة تمثل وسيلة للثقافة، وطريقة للابتعاد عن دروب العنف والجريمة، وفرصة للتجوال والسفر إلى دول مختلفة.
وقد استطاعت كرة السلة أن تكون أرضية مشتركة بين دانتي وتمارا رغم أنهما ينحدران من ثقافتين مختلفتين. يقول دانتي: "هي فلسطينية وأنا أمريكي، لكننا متماثلين."
المباراة القادمة ستكون في نابلس. رحلة فريق سرية رام الله الذي يلعب له دانتي من رام الله إلى نابلس يفترض أن تستغرق 50 دقيقة سفر بالحافلة، لكنها تحولت إلى رحلة حافلة وشاقة ومحفوفة بالمخاطر عبر التضاريس الجبلية.
هذا هو الحال في فلسطين، نقاط تفتيش، وحواجز عسكرية تزيد من معاناة فرق كرة السلة أثناء تنقلها كي تلعب المباريات المختلفة.
حين نزل دانتي وفريقه من الحافلة كان التعب واضحا على أجسادهم، وكانت عضلات أرجلهم متشنجة وأعصابهم منهكة، وكانت أصوات الحماس تنبعث من صالة اللعب والأولاد يتدافعون دخولا وخروجا عند الباب.
ينظر دانتي من حوله بحثا عن مؤشرات لكن هذه المنطقة غير مألوفة بالنسبة له. يقوم بالإحماء بينما الجماهير تهتف، يلتقط الكرة ويضع الكرة داخل السلة على طريقة "دانك"، فيقف مجموعة من الفتيان ويهتفون "أوباما! أوباما!"
فازت سرية رام الله في المباراة وعاد الفريق منتصرا. أما أنا فعدت إلى لندن في محاولة لتأمين مصدر لتمويل الفيلم الوثائقي.

أخبار غير سارة:
رحلتي القادمة إلى الضفة الغربية لن تكون سعيدة. اتصل بي دانتي في نيسان ليقول: "الإسرائيليون سيرحلون جميع اللاعبين الأمريكيين، وقد تم احتجاز اثنين منهم في سجن للهجرة في تل أبيب."
انتهى تاريخ تأشيرة الدخول الخاصة بدانتي وترفض وزارة الداخلية الإسرائيلية تجديدها. فقلت له محاولة طمأنته: "أنا في طريقي إلى الطائرة."
وحين وصلت وجدت العديد من لاعبي كرة السلة الأمريكيين يمنعون من المرور خلال المطار لأن سلطات الحدود الإسرائيلية تعلم أنهم سيدخلون من أجل اللعب مع الفرق الفلسطينية.
كان وقع الخبر شديدا على تمارا التي كانت تجلس في مكتبها في الشركة الفلسطينية لتكنولوجيا المعلومات. نظرت إلي من فوق شاشة الحاسوب وقالت: "أحاول أحيانا أن أتخيل أنني لا أعيش تحت الاحتلال وأنني أستطيع أن أقوم بالأشياء العادية التي يقوم بها عامة الناس، وأن ألعب كرة السلة. لكن هذه المرة تبدد الوهم الذي كان يراودني فنحن لا نستطيع حتى أن نمارس كرة السلة."
التقيت لاحقا بدانتي الذي كان في الفندق في رام الله يقلب قنوات التلفاز رافضا مغادرة فريقه. يقول دانتي: "لم يسبق لي أن انسحبت من أي دوري في منتصف الموسم."
وكما هو الحال في كل القصص المهمة، كانت الخاتمة غير محددة. فالصداقة بين دانتي وتمارا ترضخ تحت هذا التوتر.
دانتي خلال إقامته في الضفة الغربية شهد أكثر حقبة مضطربة في التاريخ الحديث، وهذا ما ذكّره بحقبة الفصل العنصري في الولايات المتحدة.
وتواصل تمارا كفاحها من أجل الحصول على أبسط الحقوق والحريات كي تستطيع ورفاقها الفلسطينيين أن يعيشوا حياة طبيعية.
وفي الوقت الذي انشغل العالم مجددا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أثبت لي كل من تمارا ودانتي أن كرة السلة تلخص كفاحهم الشخصي وإصرارهم على أن يكونوا صادقين تجاه ذاتهم.