الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

ربطة عنق حماس/بقلم :بروفيسور عبد الستار قاسم

نشر بتاريخ: 29/03/2006 ( آخر تحديث: 29/03/2006 الساعة: 17:24 )

هل لاحظ القارئ أن السيد إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني، يظهر بربطة عنق وبدلة رسمية؟ وهل لاحظ أنه استقل سيارة حديثة إلى مقر الرئيس الفلسطيني عندما قدم قائمته بأسماء وزارته؟ هذا المظهر لا يقتصر على السيد هنية، وإنما يشمل القيادات الحمساوية .

حضرت إحدى جلسات المجلس التشريعي الفلسطيني، وتفحصت المظاهر جيدا فلم أر من أعضاء حماس من هو بدون ربطة عنق وبدلة رسمية وفق المعايير الغربية.

هذه ملاحظات لا تمر بإهمال لأنها تحمل معان سياسية عدة. طبعا هنا لا نريد استقبال حماس بإساءة الظن، وإنما نحاول قراءة السلوك السياسي المستقبلي.

ربطة العنق والبزة الرسمية يشكلان في حالات سياسية معينة رمزين للاستقرار ورسمية التعامل في ردهات العمل الدبلوماسي، بينما يشكل القميص غير المخنوق والمعطف غير الرسمي في حالات أخرى رمزين للاستنفار والاستعداد المستمر للبقاء في الميدان.

قادة الدول المستقرة يرتدون عادة الملابس الرسمية في المناسبات الرسمية، أما قادة الثورة أو الدول التي تواجه عدوانا أو تخوض حربا يرتدون عادة زيا غير رسمي أو بزات عسكرية. هذه ليست قاعدة مطلقة، لكنها في الغالب موجودة.

لم يرتد كاسترو الملابس الرسمية الاستقرارية إلا بعد أن أخذ العمر منه أمدا طويلا، أما قادة كوريا الشمالية فما يزالون مستنفرين.

استمر قادة الصين في ارتداء الملابس البسيطة حتى اطمأنوا إلى أوضاع بلادهم الاقتصادية والعسكرية.

أما رؤساء إيران فلم يذهبوا إلى الملابس الغربية الرسمية واستمروا في ارتداء لباس رجل الدين المسلم، إلا الرئيس نجاد الذي يحافظ على ارتداء ملابسه الطالبية.

الرئيس شافيز يدمج وينوع، وكثيرا ما يظهر بملابس بسيطة تحاكي هموم الناس الاقتصادية والاجتماعية.

تعبر الملابس البسيطة التي يرتديها القادة في كثير من الأحيان عن ثورية أو إصرار على مواصلة النضال من أجل تحقيق مصالح وطنية عليا أو عن القرب من عامة الناس.

هذا لا يعني أن كل الذين يرتدون الملابس الغربية الرسمية في الطرف الآخر من المعادلة، وإنما من الممكن أن يكون القائد الأنيق أكثر قربا من عامة الناس من آخرين يظهرون بمظاهر متواضعة.

لكن المهم هنا هو ذلك الشخص الذي يمكن أن يكون قائد حزب أو قائد رأي ويغير مظهره فجأة بمجرد تسلم منصب حكومي رسمي.

فمثلا ماذا كان يمكن أن يكون رد فعل الناس الذين اعتادوا على الرئيس الإيراني بمظهر معين أثناء حملته الانتخابية، وشاهدوه بعد فوزه بمظهر مختلف وبسيارة مرسيدس فارهة؟

بالتأكيد هم سيقارنون بين كلامه بالأمس وسلوكه بعد أمس، ولن يتركوه بدون تندر أو عدم استحسان.

في الحالة الفلسطينية، حاولت قيادة حركة حماس أن تتخذ خطوات سياسية ومظهرية عدة من أجل استخدامها كرسائل للذين أساءهم فوزها.

لقد خففت من لهجتها الثورية بصورة كبيرة، وأخذت تستعمل لهجة دبلوماسية، وفاوضت منافسيها الفلسطينيين الذين يقبلون بالاتفاقيات مع إسرائيل ويدافعون عن العودة إلى طاولة المفاوضات، وأدارت ظهرها لأصدقائها الذين يتفقون معها في برنامجها السياسي، وأعلنت أنها مع استمرار التهدئة وأوقفت العمل العسكري بدون إعلان، وارتدت ربطة العنق.

أذكر هنا أن الأمريكيين طلبوا من جميع الوفود التي شاركت في مؤتمر مدريد عام 1991 ارتداء ملابس، ليس رسمية فقط، وإنما مناسبة أيضا للحفلات.

عدد من أعضاء الوفد الفلسطيني ظهروا بمظهر غريب لأن الشعب الفلسطيني اعتاد عليهم بملابس ميدانية تتناسب مع ظروف الشعب الواقع تحت الاحتلال.

كان يدرك الأمريكيون الوقع النفسي للملابس الاحتفالية، وكانوا معنيين حتما بإعادة صياغة الاستعداد النفسي للفلسطينيين.

من المهم بالنسبة لهم، أن يتحول الذين أكلت السجون من أبدانهم إلى منعمين تطيب لأجسادهم فرشات (مراتب) الفنادق الفخمة فيصبحون مدجنين.

ربما من المهم أن تدرك حماس أن هذا الإقبال الحمساوي على ربطات العنق قد لا ينطلي على أمريكا وغيرها.

بالنسبة لي كمراقب، أنظر إلى المسألة كنتاج أمر متعمد وليس مجرد خيارات شخصية، وإذا كان كذلك بالفعل فإن الطرف الآخر سينظر إلى المسألة على أنها مجرد تمثيل لا يعبر عما في داخل النفوس.

تنتظر كل الأطراف الضاغطة على حماس تغييرات جوهرية على البرنامج السياسي للحركة، وهي لن تكتفي بتغييرات شكلية.

ربما تنطوي المسألة على خطر داخلي من حيث أن الحركة تبعث برسائل سلبية إلى مؤيديها وتفتح نوافذ لمنافسيها للهجوم عليها.

إذا بدت على حماس علامات البذخ فإن خسائر في تأييدها الشعبي ستلحق بها. ومن المهم أن تسأل نفسها باستمرار حول الفوائد التي يمكن أن تجنيها على المستوى الخارجي من خطوة معينة تتخذها في مقابل الأضرار التي يمكن أن تلحق بها على المستوى الداخلي.

والقاعدة العليا يجب أن تكون دائما: صلابة الوضع الداخلي لها أولوية على كل كل الاستحسان الخارجي.

من الخطورة بمكان الجري وراء متطلبات الخارج دون الالتفات إلى المزاج الداخلي. القائد القوي قوي بشعبه، وهو ضعيف إذا التفت كل الأمم حوله وانفرد شعبه ضده.

ولنعتبر، أمم كثيرة وقفت مع حركة فتح، لكن ذلك لم يمنع شعبها من أسقطها.

[email protected] 2341982 0599377033