سلطات الاحتلال تفتح تحقيقاً في قضية قتل مدنيين يرفعون الراية البيضاء
نشر بتاريخ: 06/09/2009 ( آخر تحديث: 06/09/2009 الساعة: 11:34 )
غزة- معا- قال مركز الميزان لحقوق الانسان اليوم ان الشرطة العسكرية الإسرائيلية قابلت في الثاني من الشهر الجاري المواطن خالد عبد ربه ووالدته سعاد عبد ربه، وذلك في معبر بيت حانون (إيرز).
واكد الميزان ان هذه المقابلات بداية لتحقيق تقوم به الشرطة العسكرية الإسرائيلية في قضيتهم، التي أطلق فيها جنود إسرائيليون نيران أسلحتهم من مسافة قريبة على مجموعة من عائلة عبد ربه، ما تسبب في قتل ابنتي خالد وجرح ابنته الثالثة بجروح بالغة.
وقد أصيبت والدة خالد، سعاد عبد ربه، بجروح في ذلك الحادث. كما هدمت قوات الجيش الإسرائيلي منزل العائلة، بالإضافة إلى تدمير أكثر من مائتي منزل في منطقة عزبة عبد ربه حيث وقع الهجوم.
وقد بدأت السلطات الإسرائيلية بإجراء هذا التحقيق بعد أن تقدمت مؤسسات عدالة والحق ومركز الميزان بشكوى إلى النائب العام العسكري الإسرائيلي في أوائل شهر حزيران- يونيو 2009، حيث طالبت المؤسسات بفتح تحقيق في الحادث. وتناولت الشكوى قتل أدهم خميس نصير، البالغ 37 عاماً، بينما كان يحاول المساعدة في إخلاء السيدة سعاد عبد ربه.
الحقائق المتعلقة بالقضية
وفقاً للتحقيقات التي أجرتها مؤسسات مركز الميزان والحق وعدالة في هذا الحدث، فقد أمر- بتاريخ 7/1/2009- الجنود الإسرائيليون المشاركون في العمليات العسكرية في منطقة عزبة عبد ربه سكان المنطقة الواقعة شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة بإخلاء منازلهم وذلك عبر مكبرات الصوت.
وعلى إثر ذلك غادر خالد عبد ربه، الذي يسكن مع عائلته الممتدة في هذه المنطقة، منزله المكون من أربعة طوابق رفقة والدته وزوجته وبناته الثلاث، وكانوا يحملون رايات بيضاء.
ووقفت العائلة أمام باب منزلها لمدة استمرت حوالي عشر دقائق، حيث كانت هناك دبابتان إسرائيليتان تتمركزان قرب المنزل من جهة الغرب، وكانت إحدى الدبابتين تبعد مسافة حوالي 15 متراً عن المكان الذي وقفت فيه العائلة. وكان هناك جنديان إسرائيليان يجلسان فوق إحدى الدبابتين يتناولان وجبات خفيفة. ثم ظهر جندي ثالث من فتحة الدبابة وأطلق النار بشكل مباشر باتجاه العائلة. واستمر إطلاق النار لمدة دقيقة تقريبا. وقد ظن خالد عبد ربه للوهلة الأولى بأن الجندي الإسرائيلي كان يطلق النار باتجاه الأرض لغرض التحذير. غير أنه شاهد أمه، السيدة سعاد، وبناته أمل (عامين ونصف)، وسعاد (أربعة أعوام)، وسمر ( تسعة أعوام) وقد أصبن بجروح. وقد تمكنت العائلة من سحب البنات إلى داخل المنزل، بينما ركضت سعاد إلى المنزل وسقطت على الأرض داخل مدخل المنزل.
وقد سمع أحد جيران العائلة، وهو سميح الشيخ الذي يعمل كسائق لسيارة إسعاف، صوت إطلاق النار وصرخات العائلة، فاستقل سيارة الإسعاف التي كانت تربض في كراج منزله وتوجه بها مع ابنه إلى منزل عائلة عبد ربه. غير أن الجنود في الدبابة الثانية أمروه بالتوقف ومنعوا مرور سيارة الإسعاف، وأمروا الرجلين بالسير باتجاه الغرب ومغادرة المنطقة.
وبقيت بنات خالد الثلاث وأمه في المنزل ينزفن لمدة ساعتين تقريباً، حيث نزفت اثنتان من البنات حتى الموت في هذه الأثناء. وبعد حوالي ساعتين من إطلاق النار حمل "محمد منيب"، وهو والد خالد إحدى البنات وغادر المنزل، حيث أبلغه جنود الاحتلال بأنه يسمح له ولعائلته بمغادرة الحي مشياً على الأقدام. وبمساعدة الجيران، تمكن رجال العائلة من حمل البنات بين أيديهم، بينما حملوا جدتهن على سرير وساروا خارجين من منطقة عزبة عبد ربه. وقد ساروا لمسافة تقارب الكيلومترين قبل أن تقلهم سيارة إسعاف وسيارات مدنية كانت تمر في المنطقة إلى المستشفى.
وكانت مجموعة من النساء من العائلة والحي قد سرن أمام الرجال، ورأين عربة يجرها حصان يركب عليها زكريا سليمان نصير (57 عاماً)، وابنه موسى (18 عاماً)، وقريب لهم هو أدهم خميس محمد نصير (37 عاماً). وقد توجه نصير إلى مدخل الشارع الرئيسي لمنطقة عزبة عبد ربه متجهاً نحو المصابين، وعندما اقترب منهم أطلق جنود إسرائيليون كانوا متمركزين في مركز الطوارئ التابع لجمعية الهلال الأحمر، والذي يقع عند مدخل الحي، النار على العربة فأصابوا أدهم نصير في الرقبة.
وبالرغم من أن الشهود المتواجدين في مكان إطلاق النار على أدهم نصير اتصلوا بالإسعاف، غير أن سيارة الإسعاف لم تتمكن من الوصول إليه حيث تعرض المسعفون لإطلاق النار عليهم في كل مرة حاولوا فيها الوصول إليه. ووصل أدهم إلى المستشفى لاحقاً، ونظراً لخطورة جروحه تم نقله إلى مستشفى خارج قطاع غزة حيث توفي متأثراً بجراحه.
في اليوم الأول لوقف إطلاق النار بعد انتهاء عملية الرصاص المصبوب بتاريخ 18/1/2009 عاد الناجون من العائلة إلى منزلهم ليجدوا المنزل مدمراً بشكل كامل. وتظهر الأدلة في موقع الحادث أن البيت قد دمر باستخدام المتفجرات. كما دمرت 178 منزلاً أخرى بشكل كامل و129 منزلاً بشكل جزئي في منطقة عزبة عبد ربه أثناء هذه العملية، ووقع معظم هذا التدمير بعد تاريخ 7/1/2009، أي بعد أن وقعت المنطقة بأكلمها تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي الكاملة.
وقد نقلت ابنة خالد الناجية- سمر- إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة، ومن ثم تم تحويلها إلى مستشفى في بلجيكا نظراً لخطورة إصابتها، حيث لا تزال هناك مع والدتها وأخويها، وتعاني من شلل في الأطراف السفلية من الجسم. وبعد ثمانية أشهر من إصابتها لم يتمكن والدها من زيارتها لعدم قدرته على الحصول على تأشيرة دخول بلجيكا.
ويواصل كل من مركز الميزان والحق بالتحقيق في 25 من حالات استهداف المدنيين وتدمير ممتلكاتهم، وبالتعاون مع عدالة سوف تطالب بإجراء تحقيقات في كل من هذه القضايا من قبل السلطات الإسرائيلية.
وفي حال فشل إسرائيل بإجراء تحقيق في هذا الإدعاءات بطريقة صائبة أو كافية، فإن المنظمات الثلاث تؤكد على حق الضحابا في السعي نحو تحقيق العدالة باستخدام آليات أخرى دولية يؤمنها القانون الدولي من أجل ضمان إنصاف الضحايا ومحاسبة مرتكبي هذه "الجرائم".
ودعت المؤسسات الثلاث الحكومة البلجيكية إلى تقديم كل مساعدة ممكنة لخالد عبد ربه ليتمكن من زيارة ابنته سمر، والتي من المتوقع أن تخضع للعلاج في بلجيكا لمدة ثلاثة أشهر أخرى على الأقل.
كما تظهر الحقائق الواردة في الشكوى المشار إليها أعلاه، فإن الإفادات التي تم جمعها تثير شكوكاً جدية بأن الجنود الإسرائيليين ارتكبوا "جرائم حرب" ضد أطفال ومدنيين غير مسلحين وضد ممتلكاتهم.
واعربت مؤسسات الحق والميزان وعدالة عن ترحيبها بفتح تحقيق في هذه القضية، قائلة "انها ستواصل متابعة هذا التحقيق عن كثب"، متوقعة بأن يتم استدعاء الناجين وشهود العيان الآخرين للإدلاء بإفاداتهم للشرطة العسكرية الإسرائيلية.
واعتبرت كل من هذه المنظمات ان هذا التحقيق خطوة أولى باتجاه إجراء تحقيق شامل وعميق وموضوعي في كافة الحالات التي يشبه بارتكاب "جرائم حرب" فيها.
وقالت ان إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن تصرفات جيشها، وتقع عليها واجبات واضحة في التحقيق في كافة انتهاكات القانون الدولي التي نفذها جيشها وكذلك محاسبة من ارتكبوا هذه الانتهاكات ضد المدنيين وممتلكاتهم.
وأكدت المؤسسات الثلاث على أن التحقيقات يجب أن تراعي المعايير الدولية ذات العلاقة، حيث يجب أن تكون فورية ودقيقة ومستقلة ونزيهة، وأن يتم تنفيذها وفقاً للمعايير الدولية ذات الصلة.