الإثنين: 16/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلسطين وقمة الخرطوم/ بقلم :إبراهيم أبو الهيجاء

نشر بتاريخ: 30/03/2006 ( آخر تحديث: 30/03/2006 الساعة: 16:43 )
ستبقى القضية الفلسطينية تفرض أجندتها على القمم العربية المتتالية لأنها ستظل تحدد الأحداث الإقليمية وتجتمع عليها السياسات الدولية ، فرغم لهيب الفتنة الطائفية في العراق ومخاطر التقسيم في السودان و التشظي في لبنان والحصار الدولي المفروض على سوريا ومخططات ضرب إيران .. رغم كل هذه الظروف التي تعقد فيها ذات القمة .. إلا أن الحدث الفلسطيني يبقى الأهم لان احتلال العراق وتدويل السودان ومشروع الفتنة في لبنان والتغيير في سوريا في أبعادها الكلية تقف خلفها الأصابع الإسرائيلية لإسناد المصالح الأميركية ، والمصالح الأميركية هي الترجمة العملية لإعادة رسم الخارطة الأوسطية بالعلو لقوة ووجود اسرائيل ، هذه المصالح المتساندة تعيدنا حيث البوصلة .. حيث القضية الفلسطينية الممانعة .

ولذا يفرض فوز حماس كما هو صعود " الوسطية " الإسرائيلية المتمثلة بحزب " كاديما " الذي انشأه شارون قبيل مرضه بأشهر ... كليهما يفرضان ذاتهما على قمة العرب بانتظار إجابات عربية أكثر جدية وعملية .

وسيكون من الخطأ الفادح أن تستخدم القمة العربية بطلب أميركي للضغط على حكومة حماس .. لكي تعترف بواقع الاتفاقيات السلمية والتي ثبت أنها تأخذ من الفلسطينيين ولا تعطي .. أو أن يطلب من "حماس " أن تعترف بإسرائيل - كما سمعنا تصريحاً من الرئيس اليمني - ، وإسرائيل لم تحدد بعد حدودها بل أنها لا تعترف حتى بأبسط الحقوق الفلسطينية ... وحتى المبادرة العربية لم تعرها إسرائيل أي اهتمام وهي من قبل تنكرت لاتفاقيات وقعتها ...فعهد المبادرات يجب أن يتوقف ..لان إسرائيل ومع كل مبادرة عربية أو تنازلات فلسطينية كانت تزداد صلفا وغروراً .

ولعل خططها وممارساتها الأحادية والتي تتنافس عليها البرامج الإسرائيلية في مزايدات انتخابية تؤكد أن إسرائيل تريد أن تفعل ما تشاء كيفما تشاء دون تفاوض أو انتظار لأحد .

الدعم السياسي:

لقد فرض فوز حماس والتداعيات اللاحقة له على كل اللاعبين الدوليين والإقليميين ومن ضمنهم العرب نموذجا فلسطينياً مختلفا من حيث التصورات والرؤى ليس فقط السياسية التي لا تؤمن بجدوى التسويات مع إسرائيل وتعتبر قرارات ما تسمى الشرعية الدولية ظلمت الشعب الفلسطيني وحقوقه ، بل أن الخشية قد تكون من المسائل الفكرية حيث أن الحركة امتداد لحركات إسلامية معارضة وفاعلة في ذات الدول العربية ... وكما تحاول الولايات المتحدة تخويف الأنظمة العربية بديمقراطية توصل التيار الإسلامي فان إسرائيل ستجد الفرصة المناسبة لتعزف على ذات الوتر فتحذر العرب بالمقابل من أن إسنادهم ل" حماس " هو عين الخطر على أنظمتهم.

وستحاول إسرائيل من خلال منظريها ومراكزها الدراسية ومعلوماتها المسربة والموجهة الإطناب على هذه الفكرة وإيجاد الكثير من العلائق والادعاءات التي ستحاول جعل حماس كمهدد لاستقرار هذه الأنظمة كما فعلت من قبل مع الأردن وبالتالي التشويش على مساعيها لنيل شرعية عربية .

ولكن في مواجهة ذلك علينا القول أن حركة حماس تغلب البعد السياسي في خطابها على علاقاتها الفكرية وهي واضحة في رفضها الدخول في أحلاف متضادة أو التدخل في الشئون العربية ، وهذا موقف يحسب لها بعكس معظم التيارات الفلسطينية التي جازفت بتجيير الورقة الفلسطينية لصالح حسابات داخلية عربية أو عربية - عربية .

وفي المسالة السياسية علينا القول أن موقف حماس من التسوية وإسرائيل يجب أن يستثمر لضرورة قبول الاميركان بممارسة الديمقراطية وقبول نتائجها من جهة ، ومن جهة مقابلة على العرب التلويح بورقة حماس لحث الاميركان على ممارسة دور متوازن في معادلة الصراع ...

الدعم المالي :

أدى فوز حماس وتسلمها مقاليد السلطة إلى توضيح الحد الفاصل بين المساعدات الإنسانية وتلك السياسية ، فإسرائيل والاميركان وحتى الأوروبيين والذين كانوا يساعدون الفلسطينيين باسم الإنسانية انكشف زيفهم.. وهذا يؤكد أن الدعم المالي الذي يغدق على المجتمع الفلسطيني بيافطات كثيرة ومتعددة لم يكن بريئا دائما ، وكان موجها بالأساس لانجاز وضعية فلسطينية تقايض الثوابت والكرامة بالخبز والمال .

وأمام انكشاف ذلك وفرض إسرائيل حصارا اقتصاديا داخليا ومنع الاميركان للمنح الإنسانية ومحاولات الأوربيين الالتفاف على الشرعية الفلسطينية وابتداع أساليب مالية تنقلب على الشرعية الفلسطينية .. إزاء ذلك على العرب في قمة الخرطوم أن يؤكدوا إن دعم الفلسطينيين ليس فقط بالتصريحات الايجابية والمظاهر المشجعة والتي رفضت مطالب "وزيرة الخارجية الأميركية " رايس " واستقبال قادة " حماس " ... ولكن كل ذلك يجب أن يترجم بطريقة عملية من خلال تعويض الفلسطينيين عن فتات الدعم الأميركي والأوروبي الملوث بالفساد والدم الفلسطيني ... وذلك من خلال التزام عربي جاد بدعم صندوق الأقصى أو إيجاد السبل الكفيلة لإيصال المال للسلطة الفلسطينية وتحدي الإجراءات الإسرائيلية والضغوط الأميركية .

ولعل من المهم في هذا السياق القول إن الطفرة النفطية في الأسعار والفروقات المالية الهائلة التي حققتها الدول العربية المعتمدة على هذا الريع تؤكد أن الدول العربية تمر في أفضل حالاتها الاقتصادية .

كما ينبغي في هذا السياق رفع القيود المفروضة على الجمعيات الخيرية وعلى نوعية والية المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني ، بل لعل الدول العربية تذهب بعيدا إذا ما أنشأت أرقام حسابات مالية عامة أو رقم مالي موحد في إحدى البنوك يعتمد للتبرعات للفلسطينيين ويكون تحت إشراف لجنة شعبية عربية وفلسطينية.

وبرأينا فان هذا الحساب لوحده كفيل بتغطية العجز المالي الفلسطيني بأموال شعبية دون إحراج لعلاقات الدول العربية الدولية .. يمكن أيضا في هذا الإطار أن تخصص صناديق للتبرع واحد للتعليم وآخر للصحة وثالث للإغاثة ورابع للتنمية وخامس للبنية التحتية وسادس للأمن ..وهكذا بما يجعل خيارات التبرع ، متنوعة وجاذبة لاستقبال التبرعات الشعبية العربية والإسلامية على حد سواء ، وهذا لن يتأتي دون شك بدون قرار عربي سياسي يحميه إن لم يكن هذا القرار قادرا على صناعته .

التحدي الفعلي:

تشكل الأطروحات والإجراءات الإسرائيلية ليس فقط على مستوى العلاقة مع الفلسطينيين نتاج انتخابهم لحركة حماس ومعاقبة إسرائيل لعموم الشعب الفلسطيني تحديا على العرب الوقوف ضده بقوة ، ولكن ينبغي أيضا التنبه للأعمال الإسرائيلية الصامتة ضد الأرض الفلسطينية من حيث تقطيعها وتحديد حدودها وعزل القدس عن بقيتها وشبك المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية يبعضها ... كل هذه الأفعال والتي تأتي في البرامج الإسرائيلية تحت مايسمى الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية والحديث عن خطط الانفصال عن الفلسطينيين وانسحابات هنا وهناك من مستوطنات صغيرة ومتناثرة .

كل ذلك يأتي في سياق واحد وهو محاولة إسرائيل حسم الصراع بالقوة وبإجراءاتها على الأرض والتنكر التام ليس فقط للحقوق الفلسطينية بل وحتى لقرارات الشرعية الدولية واتفاقيات التسوية مع الفلسطينيين والعرب .

ولذا فان الخطر كبير وعلى القمة العربية التنبه له ، وعلى الدول العربية أن لاتسمح لإسرائيل تسويق أكذوبتها بان فوز حماس هو السبب في ذلك لان الجدار والاستيطان وخطط الانفصال أتت كخطة إسرائيلية منهجية معروفة ومصرح بها علنا ،وخطرها يتعدى الفلسطينيين لان إسرائيل ببساطة تحاول نقل المشكلة الفلسطينية لأحضان الدول العربية وبما يجعلها قضية شعب يريد الغذاء والدواء ويتكل في ذلك على الدول العربية المجاورة

.ورويدا رويدا سيجري طلب مد الفلسطينيين بالوقود والكهرباء والماء من الدول العربية ... وبعدها سيجري طلب توطين اللاجئين أو إعادة توزيعهم في ذات الدول العربية .. ولن يضير إسرائيل في إطار ذلك وبعد أن تؤمن عمقا عسكريا وقائيا وشبكة دفاعية عمدتها الشبكة الاستيطانية .. وحتى أن تفتح الجسور مع الأردن تحت رقابة دولية مثلما جرى في اتفاق رفح الأخير .

لذا على العرب الرد القوي على هذه الإجراءات وقراءة مخاطرها جديا ليس فقط على الفلسطينيين بل تهديدها الجدي لاستقرار المنطقة العربية ككل .

المطلوب:

لا يريد الفلسطينيون من قمة الخرطوم أن تعيد لاءاتها المشهورة التي قررتها قبل أربعين سنة (لا صلح .. ولا اعتراف ..ولا تقسيم ) .. نريد فقط دعما سياسيا واقتصاديا وتصديا فعليا لما يهدد العرب قبل الفلسطينيين من إجراءات إسرائيلية لاننا ندرك أن الزمن العربي الحالي ليس بوارد أن يكون مسلحا بهذه اللاءات ..لكن على الأقل فليمنح لاءات " حماس " من الصمود كرسالة على الاستخفاف الأميركي والإسرائيلي وحتى بكل المبادرات العربية

* حماية الخيار الديمقراطي الفلسطيني واحتضان ودعم حكومة حماس في مواجهة الضغوط الأميركية والمخطط الإسرائيلية التي تهدد العرب بل الفلسطينيين .

* اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الخطط الإسرائيلية ولو بالحد الأدنى من خلال تفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية أو التلويح استخدام سلاح النفط.

* دعم الشعب الفلسطيني شهريا بما لايقل عن مائتي مليون دولار وإعطاء الحماية السياسية للمبادرات الشعبية والجماعية لمساعدة الشعب الفلسطيني .