الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مزارع شبعا مفتاح الدبلوماسية المائية للمشرق العربي

نشر بتاريخ: 17/09/2009 ( آخر تحديث: 17/09/2009 الساعة: 16:08 )
الخليل- معا- طالما غطت سياسة مزارع شبعا المحتلة، هذه السلسلة الوعرة من الجبال الممتدة بين لبنان وسوريا وإسرائيل والمحتلة من طرف هذه الأخيرة، على ما يُطلق عليه بعض خبراء البيئة اللبنانيين "القضية الحقيقية" للمنطقة المتنازع عليها والمتمثلة في قضية الموارد المائية.

ويدعو النشطاء الآن إلى إعطاء الدبلوماسية المائية الأولوية على المناورة السياسية باعتبارها أكثر الحلول فاعلية لواحدة من العقبات الرئيسية للسلام في الشرق الأوسط.

فقد أشار تقرير صادر في شهر يونيو عن المعهد الدولي للتنمية المستدامة، بتمويل من وزارة الخارجية الدانمركية، تحت عنوان "ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التوترات"، إلى أن المياه تشكل أحد الأسباب الرئيسية للنزاع في الشرق الأوسط الذي يعتبر أكثر مناطق العالم ندرة في المياه.

وتقول كل من سوريا ولبنان بأن مزارع شبعا التي لا تزيد مساحتها عن 22 كم مربع هي أراض لبنانية على الرغم من أن الأمم المتحدة قضت بكونها جزءاً من مرتفعات الجولان السورية التي تقع على الجانب الشرقي من المزارع عبر جبل الشيخ الغني بالمياه.

وكانت إسرائيل قد قامت باحتلال كل من مرتفعات الجولان ومزارع شبعا خلال حرب 1967 التي استمرت لستة أيام. وتقول إسرائيل أنها لن تنسحب من شبعا إلا بموجب اتفاق سلام مع سوريا والانسحاب من الجولان.

ولكن فادي قمير، المدير العام للموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة والمياه اللبنانية، يقول أن احتلال إسرائيل لمزارع شبعا ناتج عما هو أكثر من مجرد المخاوف الإستراتيجية العسكرية، موضحا أن "احتلال إسرائيل لمزارع شبعا مرتبط بمسألة السيطرة على الموارد المائية بها".

ويضع حزب الله، الجماعة اللبنانية المسلحة التي حاربت إسرائيل حتى النهاية عام 2006 ، تحرير شبعا كواحد من أهدافه الإستراتيجية.

ندرة المياه

شكلت تلبية الاحتياجات المائية للسكان المتزايدين بشكل سريع تحديا وجوديا لحكومات منطقة الشرق الأوسط القاحلة. وهو التحدي الذي أصبح أكثر إلحاحا وحدة الآن في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة.

وتصنف كل من إسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة دون الحد الأدنى المقبول دوليا للمياه والمتمثل في ألف متر مكعب للفرد سنويا. وطبقا لما ذكره المعهد الدولي للتنمية المستدامة، فإن إسرائيل تملك موارد مائية طبيعية متجددة تبلغ 265 متر مكعب من المياه للفرد سنويا مقابل 169 متر مكعب بالنسبة للفرد في الأردن و 90 متر مكعب فقط بالنسبة للفرد في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويقتصر وجود الفائض في المياه على لبنان وسوريا فقط بمعدل 1220 متر مكعب من المياه للفرد سنويا في لبنان و1541 متر مكعب من المياه للفرد سنويا في سوريا.

ومع ذلك فإن حصة الفرد من المياه تتناقص بصورة سريعة. حيث حذر وزير البيئة الإسرائيلي من انخفاض الإمداد بالمياه بنسبة 60 بالمائة بحلول عام 2100 مقارنة بما كان عليه عام 2000.

نهر الأردن

ويذهب تقرير المعهد الدولي للتنمية المستديمة إلى ما هو أبعد من ذلك محذرا من احتمال تقلص مياه نهر الأردن، الذي يعد المورد الرئيسي للمياه بالنسبة لإسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، بنسبة 80 بالمائة بنهاية هذا القرن.

وتجعل تلك الندرة الشديد في المياه عملية تأمين إمدادات المياه أمرا حيويا. ويبدأ نهر الأردن في جبل الشيخ وتغذيه روافد في مرتفعات الجولان ومزارع شبعا ويصب في بحر الجليل المعروف أيضا باسم بحيرة طبرية قبل أن يستمر جنوبا حيث يشكل الحدود بين الأردن في الشرق والضفة الغربية ثم يصب في البحر الميت بعد مسافة 320 كم.

وتشمل الروافد الرئيسية لنهر الأردن نهر الحاصباني الذي ينبع من لبنان ويصب في إسرائيل، ونهر بانياس الذي ينبع من سوريا. ويعتبر نهر دان الذي يُغذي نهر الأردن النهر الوحيد الذي ينبع من إسرائيل.

حروب المياه

يعكس غياب دبلوماسية المياه طبيعة الصراع في المنطقة. ففي عام 1965 بدأت سوريا ولبنان في بناء قنوات لتحويل نهر بانياس و الحاصباني ومنع المياه من التدفق إلى إسرائيل. وقامت إسرائيل بمهاجمة أعمال التحويل وهو الهجوم الأول في سلسلة من التحركات أدت إلى اندلاع حرب إقليمية بعد عامين من هذا التاريخ.

وفي عام 2002 عندما قام لبنان ببناء خط أنابيب على نهر الوزاني من أجل إمداد المنازل في جنوب لبنان بالمياه أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون أن هذا الإجراء يشكل مبررا لعمل حربي. وخلال حرب يوليو 2006 قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية باستهداف شبكة المياه في جنوب لبنان.

ويقول بسام جابر، خبير المياه في وزارة الطاقة والمياه اللبنانية، أن مزارع شبعا مصدر حيوي بالنسبة لاحتياجات إسرائيل المائية "خصوصا وأن توفر المياه العذبة يشكل أمرا ملحا في ظل اتسام جميع المصادر المائية داخل إسرائيل بالملوحة ودنرتدفقات المياه التي تأتي من شبعا في تنظيم ملوحة بحيرة طبرية.

ولا توفر مزارع شبعا لإسرائيل المياه السطحية المباشرة فقط. حيث أفاد قومير من وزارة الطاقة والمياه اللبنانية أن ما بين 30 و40 بالمائة من مياه نهر دان تدفق إليه من خلال إمدادات المياه الجوفية التي تنبع من شبعا. وأضاف أن "إسرائيل تشعر بالقلق حيال سيطرة لبنان على تدفق نهر دان إذا ما تمكن من السيطرة على شبعا".

دبلوماسية المياه

ويدعو لبنان، باعتباره واحدة من ثماني دول فقط صدقت على معاهدة الأمم المتحدة لقانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية عام 1997، إسرائيل إلى التصديق بدورها على هذه المعاهدة. ويشير قومير إلى أن "إسرائيل ليست من الدول الموقعة على المعاهدات ذات الصلة بالمياه وهو ما يعد مشكلة كبيرة نظرا لأن تلك المعاهدات في صميم مسألة الاستخدام المنصف والمعقول لتقاسم المياه".

وقد أظهرت إسرائيل بالفعل أن المياه يمكن أن تلعب دورا في حفظ السلام، حيث شملت اتفاقية السلام التي وقعتها مع الأردن عام 1994 التزام إسرائيل بنقل 75 مليون متر مكعب من المياه سنويا إلى الأردن في مقابل تأمين الحدود من جهة الشرق.

وتدعو الآن وزارة الطاقة والمياه اللبنانية إلى تشكيل هيئة إقليمية لحوض مياه نهر الأردن تضم لبنان وسوريا والأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتساءل قومير عن كيفية "التوصل إلى أي اتفاقيات حول التقاسم المعقول للمجاري المائية الدولية في ظل انعدام التعاون اللازم".

حلول مائية للجميع

ا يقتنع الجميع بأن احتلال إسرائيل لمزارع شبعا هو من أجل تأمين المياه في المقام الأول. حيث يقول معتصم الفاضل، مدير مركز الموارد المائية بالجامعة الأمريكية في بيروت، أن "المياه تشكل دون شك أحد مظاهر الصراع السياسي الاجتماعي ولكنها ليست المحرك الرئيسي له".

ويشير الفاضل إلى أن هناك عددا من المشاريع قيد الدراسة حاليا بإمكانها أن تساهم في حل مشكلة احتياجات إسرائيل المائية دون استمرار احتلالها لشبعا، مثل مشروع قناة ربط البحر الميت بالبحر الأحمر وخط أنابيب مياه السلام من تركيا وخطط معالجة مياه الصرف الصحي ومشروعات تحلية المياه. ويرى أن "دمج تلك المشاريع مع بعض من شأنه أن يكون الحل لمشكلة المياه لجميع دول المنطقة الخمس".

غير أن غياب دبلوماسية المياه بين إسرائيل ولبنان والاحتلال الإسرائيلي المستمر لمزارع شبعا سيظل سببا رئيسيا لتجدد الصراع بين البلدين. حيث يقول قومير: "لن تكون هناك مياه كافية لجيلنا أو الجيل القادم. وسنشهد صراعات اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية خلال السنوات العشرين القادمة".

عن شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين"