السبت: 21/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

إيران التي لا تقل خطراً عن إسرائيل/ بقلم : تامر المصري

نشر بتاريخ: 02/04/2006 ( آخر تحديث: 02/04/2006 الساعة: 15:51 )
تسعى إيران من جديد لترجمة حلمها القديم على الأرض, بإقامة الدولة الفارسية الكبرى التي تحقق لها بسط سيادتها على المشرق,وتحديد مكان لها في خارطة موازين قوى العالم الحديث, كقوة عالمية تستطيع التأثير في الأحداث الإقليمية و الدولية, بما يؤهلها لتنفيذ طموحاتها في الشرق الأوسط, القائمة على تعزيز القدرة الإيرانية, وتطويرها إلى اقتدار لا يمكن للعرب التعايش الطبيعي معه حاضراً و مستقبلاً, لأسباب تاريخية و جغرافية, أحد أهمها هو ذاك الادعاء الإيراني بوجوب سيطرتهم على المنطقة العربية الشرقية, لاسيما دول الخليج العربي و العراق , على اعتبار أن عرب الجزيرة هم الذين أزاحوا الدولة الساسانية, و بالتالي قضوا على النفوذ الفارسي ! عندما استبدلوا فاتحين كل حكمٍ و دينٍ بشريعة الرسول محمد عليه الصلاة و السلام.

فإيران الإسلامية التي كانت و لا تزال تتحين فرصة منذ قرون و ليس سنوات, لاسترجاع مجدها البائد, أيام جاهلية الأعراب الأولى, باتت تنظر حالياً؛ إلى إفرازات غزو العراق كفرصة ذهبية, قلما يجود التاريخ بمثلها, لتنفيذ مخططاتها التوسعية, و كذلك الاستفادة من حالة التأثير التي تستطيع إنتاجه طهران وقتما تشاء في بلاد الرافدين, للضغط على الولايات المتحدة و تصعيد نبرة التحدي باتجاه لأخيرة و المجتمع الدولي سوياً, من أجل الإبقاء على مشروعها النووي غير السلمي؛على عكس ما تدعي, و الإسراع في إنجازه, مستخدمةً تفاعلات الساحة العراقية و أحداثها من أجل لوي الذراع الأمريكي.

ولا أحد منا يستطيع إنكار حجم الدور الإيراني السلبي في العراق, و الذي لا و لم يقتصر على مراوغة الأمريكيين و الضغط عليهم فقط ؛ بل؛ يسير بطريقة عمل ممنهجة لتصفية علماء و طياريي العراق السابقين إبان الحرب العراقية الإيرانية و القضاء على نخبويه, و العبث بالنسيج الاجتماعي العراقي, من خلال إحياء بعض النعرات الطائفية و إذكائها, حتى صار العراقي يُعامل على هذا الأساس الطائفي و الإثني و القومي, ليصبح العراق مفتتا دون تماسك, و تمسي فكرة التقسيم حاضرة أكثر من أي وقت مضى .

يتفق الجميع على أن سلامة العراق و أمنه, ترتبط بسلامة الأمن القومي العربي, و خصوصاً الخليج العربي, و ذلك لأن العراق بوابة البلاد العربية الشرقية, و ما كانت تصريحات وزير الخارجية السعودي, الأمير سعود الفيصل العام الماضي, و التي حذر فيها من خطورة الدور الإيراني في العراق, و اتهمها بتهديد أمنه و استقراره, إلا قراءة واقعية لتعاظم التهديد الإيراني, و لكن المحزن ألا تتعاطى الدول العربية مع تلك التصريحات و هذا الملف بجدية و واقعية, و كذاك تحذير الملك الأردني عبدالله الثاني من تشكل هلال شيعي, في قراءة أخرى لم تجد من يتعامل معها بمسؤولية عالية, ليصل الحال بنا, إلى أن تطلب الولايات المتحدة تحت ضغط تداعيات الساعات, التي تزداد تعقيداً في العراق كلما مر الوقت, من طهران التفاوض معها بشأن العراق ! و تلك مسألة غاية في الخطورة, عندما يتم تجاهل أربع دول عربية متاخمة للعراق مع بقية الدول العربية, و يتم الاتجاه للجلوس مع الزعماء الإيرانيين, للتباحث في أمر العراق و التفاوض بشأنه ! مما يدلل على حجم التدخل الإيراني المبرمج في العراق.

و لا أحد يضمن ألا تستغل طهران ما سينتج عن هذه المفاوضات, لتثبيت وجودها في العراق على المدى القريب و المتوسط البعيد, للعبث بأمن و استقرار الدول العربية, سيما السعودية و الكويت كما هو هدف لطهران "لا قدر الله", لتكمل إيران ما كانت قد صرحت به و نوت له بعد نجاح ثورة الخميني, و اعتلاء الملالي من ذوي التوجهات القومية الفارسية البحتة سدة الحكم, متمسحين بالدين و المذاهب, في الوقت الذي كانت إيران التي ترفع شعار الإسلام تستراً, تزدري العراقيين من نفس المذهب الشيعي الذين كانوا يقيمون فيها أيام حكم نظام الرئيس العراقي السابق, و مخيماتهم آنذاك تشهد على ما نقول, و ذلك لأنهم عرب, مما يؤكد ميل إيران لقوميتها و ليس لدينها أو مذهبها, هذا لو أقررنا أن شعارات الدين ما هي إلا وسيلة لهدف, و ليس أدل على ذلك من مراجعة تاريخية سريعة لتاريخ إيران مع العرب, التي تثبت أن طهران و من قبلها "قم" لم تقف مع العرب في أي قضية مفصلية, و إن وقفت قليلا بالشعارات فقط, فهو للاستغلال السياسي و الإعلامي, كما فعلت و تفعل مع القضية الفلسطينية, التي لم تستفد شيئاً حقيقياً من إيران, في حين أن الثورة الإيرانية ما كانت لتنجح دون مساعدة منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي, و هذا موضوع طويل فيه من التفصيل ما فيه, و قد كان مستغرباً تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ؛خالد مشعل, عندما وصف مؤخراً حماس بالابن الروحي للخميني, و إعلانه سابقاً عن عدم وقوف حركته صامتة إذا ما هوجمت إيران ! مما يوحي بتيه الرجل و عدم تفرقته بين الموقف السياسي و المجاملة الاجتماعية, إلا أن هذا المشعل لن يجني من إيران أكثر مما جناه ياسر عرفات, في الوقت الذي كان الراحل عرفات قد قدم لإيران شيئاً, فبارت تجارته و كذاك ستبور تجارة مشعل بالسيد الإيراني .

مخطىء من يعتقد أن الخطر الإيراني يقل عن خطر إسرائيل, فالخطران يتفقان في العداء للعرب, و كلاهما يجيد البكاء على طريقته, فيما ثبت في الحرب العراقية الإيرانية السابقة تورط إيران بعلاقات مع إسرائيل كما تفضح ذلك فضيحة "إيران جيت", في وقت يتمتع يهود إيران بحقوق و امتيازات كاملة المواصفات هناك, و هناك إسرائيليون يزورون بجوازاتهم الإسرائيلية بعض الأماكن الدينية المقدسة بالنسبة لهم في المدن الإيرانية, و لا يزال الفستق الإيراني يتدفق إلى تل أبيب منذ قيام ثورة الخميني دونما انقطاع, فيما ندرك أن إسرائيل متذمرة من خطوات إيران الساعية لامتلاك ناصية التكنولوجيا النووية, و ذلك على أساس الرغبة الإسرائيلية في التفرد بذاك السلاح في الشرق الأوسط, و ليس لأن إيران يمكن لها استخدامه ضد إسرائيل لتحرير القدس كما يتخيل بعض الجهلاء من العرب, بل؛ إن السلاح النووي الإيراني لو تم إنتاجه عمليا "لا سمح الله" سيكون فارقاً واضحاً في القوة بين العرب و إيران لصالح الأخيرة, و هو ما قد يعزز من قناعات الإيرانيين الطامحة للعبث في المصالح العربية و ربما اقتطاع بعض الأراضي الأخرى, كما تفعل حالياً و تحتل ثلاث جزر عربية عزيزة من دولة الإمارات "طنب الصغرى؛ و طنب الكبرى؛ و أبو موسى", و هو احتلال لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1967م, سوى أن إسرائيل تعترف باحتلالها فيما إيران لا تعترف و تعتبرها جزءا من أراضيها ! في حين لا زالت إيران تطلق على الخليج العربي كما هو متعارف عليه دولياً, تسمية الخليج الفارسي, حتى أنها قد منعت شركة ألمانية كبرى من العمل في أراضيها,لإصدار الشركة خارطة جغرافية للمنطقة, تحمل تعريفاً للخليج على انه عربي و ليس فارسياً, و هي كذلك مستمرة في تعزيز هذه الثقافة السيئة من خلال عدم احترامها على الأقل للعقول و المشاعر العربية, عندما تخاطبهم عبر إعلامها المرئي و المسموع, بإطلاق ذات التسمية الفارسية على الخليج العربي.

إن الخطر الإيراني القائم حالياً في العراق, يمكن له أن يمتد ليأخذ أبعادا أخرى, و يتغلغل حتى يتعدى خارج حدود العراق, ما لم تتخذ الدول العربية موقفاً يتناسب مع هذا التهديد, سيما و أن البرنامج النووي الإيراني في طريقة للاستكمال دون معوقات, و هو ما يتطلب خطوات دبلوماسية عربية على الملأ بالتضافر مع الدول الغربية لإعاقة إتمام هذا المشروع, فيما العرب مدعوون لمناقشة كافة جوانب و تأثيرات الدور الإيراني في العراق, ليبقى العراق عربياً كما كان, و تعيش فيه كل الطوائف و القوميات دون تفرقة على قاعدة الشراكة في المواطنة و المصير, و التساوي في الحقوق و الواجبات, و يبقى الدين لله الذي لا يفرق في دماء خلقه المسالمين.


* الكاتب صحافي مقيم خان يونس .