الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

رفح: مشروع الحديقة المنزلية في 'خربة العدس' كان حلماً يراود النساء ثم أصبح حقيقة

نشر بتاريخ: 05/04/2006 ( آخر تحديث: 05/04/2006 الساعة: 12:46 )
خان يونس- معا- مساحات خضراء وواسعة تلف عدداً من المنازل الريفية قامت بإنشائها ورعايتها مجموعة من النساء في منطقة خربة العدس في رفح، الحديقة المنزلية الواحدة لا تتجاوز الخمسمائة متر، والأشجار مختلفة وغاية في الجمال فمنظرها متراصة يعطيك إحساساً جميلاً وكأنك في وسط كروم خضراء من الفواكه والخضروات المختلفة جنباً إلى جنب والأعشاب الطبية (المرمية والزعتر والبابونج) وغيرها.

هذه الحدائق النموذجية تساعد الأسر الفقيرة والمحتاجة على توفير قوت يومها من غذاء ودخل بسيط تتخطى به مصاعب الحياة.

يحملنا الوقت بشغف ليوصلنا إلى منطقة "خربة العدس" الواقعة في محافظة رفح، فهذا الحي المتواضع بمبانيه وقاطنيه يعتبر من الأحياء الريفية الفريدة، فهو يقع على مساحة ألفي دونم بعدد سكان تجاوز (13) ألف نسمة يشتهرون بالزراعة والفلاحة ويتلقون خدماتهم الصحية من مركز اتحاد الكنائس وخدمات لا تزال وليدة النشأة من بلدية رفح حيث يدخل ضمن نفوذها، فيما تتناوب الدراسة فيه من المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية بمدرسة واحدة.

هذه المعطيات السابقة ونتيجة الظروف التي ألمت بالشعب الفلسطيني خلال الفترة السابقة ساهمت في ارتفاع نسبة البطالة بين سكان الحي تزامناً مع قلة فرص العمل وما نتج عنها من ظروف معيشية صعبة.

وما أن تدخل الشارع الرئيسي المؤدي إلى ذاك الحي وصولاً إلى جمعية "تنمية المرأة الريفية" حتى ترى المساحات الخضراء الواسعة على جانبي الطريق، وما أن وصلنا إلى مقر الجمعية أحاط بنا بعض الصبية والأطفال تعلو وجوههم الابتسامات الواسعة لضيف قد حل فجأة على حيهم البسيط. رأيناهم يلعبون ويمرحون بكل براءة تحتكم إليها طفولتهم.

وفي مقر متواضع أسفل بناية صغيرة قابلنا هناك السيد فاطمة شلوف "أم عبد الله" الخبيرة الزراعية في الجمعية، حيث قامت بصحبتنا خلال الجولة الميدانية التفقدية لمشروع "إنشاء حدائق منزلية نموذجية للنساء الريفيات" المنفذ من قِبل جمعية تنمية المرأة الريفية التي تنشط في مدينتي خان يونس ورفح بقيمة عشرة ألاف دولار بدعم من الوكالة الكندية للتنمية الدولية (CIDA) بواسطة اتحاد البلديات الكندية (FCM) بالتعاون مع بلدية رفح.

موسوعة زراعية
وقالت أم عبد الله خلال حديث خاص بوكالة " معا " : أنها مزارعة منذ قرابة (27) عاماً، حياتها كانت جملة من البؤس والشقاء حولتها بكفاحها إلى مسيرة من العطاء والتضحية، وأشارت إلى أنها تمتلك قرابة الدونم من الأرض، تمارس عليه مهنتها المحببة لقلبها وهي "الزراعة" وخاصة الخضراوات منها، فتزرع البذور المختلفة في (المقاشات) وترعاها حتى تكبر ومن ثم تغرسها في الأرض لينمو ويكبر معها حلمها فتصبح نبتة كبيرة وارفة الأغصان.

وتقول إن الجميع يقصدونني في بيتي وأرضي ليبتاعوا مني الخضراوات والفواكه فضلاً عن مساعدتي لهم في حل الإشكاليات الزراعية للمزارعين نتيجة قلة خبرتهم.
وتستطرد قائلة أنها تقوم أحياناً بعملية تدريب النساء على المواضيع الزراعية وتساعد الجمعيات والنوادي ذات العلاقة من خلال عمليات التشبيك والتعاقد.

وهي بشهادة الجميع تحظى بعلاقات وطيدة مع كافة الجهات والمؤسسات ومرجع خصب للزراعة الفلسطينية.

واستفاضت (أم عبد الله) بتقديم شرح مفصل عن كل حديقة منزلية استفادت من المشروع الكندي مبينة بصدق اهتمام النساء الريفيات بهذه الحدائق التي أصبحت جزءً من تكوين العائلات المستفيدة، حيث تحظى بالرعاية والاهتمام إذ أنها تؤمِن قوت أطفالهن من غذاء ودواء ومتطلبات الحياة الأساسية.

تكامل الأهداف
المهندسة عفاف أبو غالي مدير جمعية تنمية المرأة الريفية بقطاع غزة قالت أن تنفيذ المشروع يأتي في السياق الطبيعي لأهداف الجمعية المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي على مستوى المنزل للأسر الريفية عبر الاستخدام السليم للموارد المتاحة سواء الأشتال التي تمت زراعتها أو الدجاج البياض الذي يوفر البروتين والغذاء اليومي للأطفال.

وأكدت أن المشروع ساهم في تحسين مستوى معيشة الأسر المستفيدة، حيث تم إنشاء (30) حديقة منزلية للنساء تمت زراعتها بأنواع مختلفة من الأشتال والخضروات والأعشاب الطبية فضلاً عن تمديد شبكات الري ودعم الحظيرة المنزلية بعشر دجاجات بياض مع ديك لكل منها لضمان استمرارية الإنتاج الحيواني بداخلها.

والشجر يطرح ثماره
وأكدت لنا الجمعية أن المشروع تم تنفيذه مطلع العام (2004) مما ترك مجالاً واسعاً من الزمن لنمو الأشجار، فحان موعد قطف الثمار وجني الخيرات من هذه المساحات الخضراء حول المنازل والتي ساهمت كما لاحظنا في تحقيق الأمن الغذائي للأسرة المستفيدة بعيداً عن تلويث المنتجات الزراعية بالمبيدات الكيماوية.

حين تتجول بين مجموعة من الحدائق، يشدك منظر اللون الأخضر الذي يُعد سيد المكان..إنها وفي كلمات بسيطة مزيج من الأحلام وروعة الجمال أنتجته النساء في غضون أشهر بسيطة.

استوقفنا منظر السيدة فريدة أحمد ماضي (37) عاماً تعيل أسرة قوامها (12) فرداً مع زوج فقد مصدر دخله الوحيد.. وهي واحدة من النساء المستفدن من مشروع الحدائق المنزلية النموذجية، قابلناها في حديقتها التي أصبحت جزءً من عائلتها يحيط بها أولادها الصغار، قالت لنا: إنني أشعر بالسعادة لأن هذه الحديقة ساعدتني كثيراً في تجاوز مصاعب الحياة جراء تزويد عائلتي بكل ما تنتجه من خضراوات وفواكه على مدار السنة.

وأشارت إلى أنها قامت بتهجين دجاجها البياض واستحداث جيل جديد منه وتوليد فراخ صغيرة، حيث توالت هذه التفاصيل إلى أن أصبحت تُدر دخلاً مادياً وصفته لنا بالنوعي على أسرتها نتيجة لبيع بيض الدجاج ناهيك عن استغلال جزء بسيط منه في بيتها مما عمل على توفير البروتينات لأطفالها تزامناً مع ما تطرحه الأشجار الفواكه والخضراوات في الحديقة مما حقق لها الغايات المرجوة في أن تعيش مع أسرتها بكرامة وسعادة.

اكتفاء ذاتي
وتقول لنا السيدة (أم عبد الله) أن تنفيذ المشروع حقق نوعاً عالياً من الاكتفاء الذاتي لقرابة ثلاثين أسرة من المستفيدين من المشروع، حيث ساهم وبكل قوة في تلبية احتياجاتهم المختلفة من الخضراوات والفواكه والأعشاب الطبية وغيرها من عوامل اتحدت جميعها في تقدير الذات والغايات.

وهذا ما أكدته لنا السيدة كاملة الشاعر (47) عاماً متزوجة ولديها من الأبناء ستة أفراد، مبينة أنها كانت غير قادرة على استصلاح الأرض بجوار منزلها جراء ضعف الناحية المادية وما إن تم طرح المشروع على أهالي الحي حتى تقدمت بطلب لذلك حيث منحتها الجمعية من خلال المشروع الكندي الأشتال الموسمية المثمرة والبذور وعدد من الدجاج.

وقامت من خلال العامين السابقين برعايتها والاهتمام بها فساهمت الحديقة بما أنتجته بتوفير معوزاتها من الأسواق وكل شئ أصبح في متناول يديها.

ويختلف حال هذه الأسرة عن سابقيها فزوجها عاطل عن العمل ولديها ثلاثة أبناء يدرسون بالجامعة مما صعب من معيشتها، وحالياً تقوم الشاعر بعملية تبادل لبعض الخضراوات مع شقيقاتها النسوة ، بما يكفل لها سد كل احتياجاتها.

والآن دخلنا حديقتها الخلابة فهناك ثمانية عشرة شجرة من التفاح والتين والعنب والرمان والبرتقال بعضها مثمر والآخر مزهر تتوزع بشكل هندسي على أرجاء الحديقة تتوسطها أعشاب الزعتر والمرمية.

قالت بوجه اعتلته ابتسامة صافية أتمنى من القائمين على المشروع تكرار تنفيذه للسيدات الأخريات لتعميم الفائدة على الجميع وتحقيق أكبر قدر من الشراكة المجتمعية.

تشبيك مجتمعي
ومن جهتها أشارت أحلام الشاعر منسقة جمعية تنمية المرأة برفح إلى أن تنفيذ المشروع جاء بناءً على تقدير احتياجات النساء، فهو بالطبع يحاكي البيئة المحيطة ويتلمس احتياجاتهن مما ساهم في كسب علاقات ودية مع المشروع الكندي وبلدية رفح وعزز من علاقتنا بالمجتمع فضلاً عن رفع المستوى الاقتصادي الصعب التي تحياه تلك الأسر.

تخطي للمصاعب = النجاح
إن المصاعب دوماً تدفع إلى النجاح وتحقيق كل ما يتمناه المرء.. هذا ما قالته لنا الحاجة منصورة عيد قشطة تبلغ من العمر (48) عاماً، أسرتها مكونة من (12) فرداً، وزوجها كان يعمل مزارعاً داخل إسرائيل واستُنكف من العمل نتيجة لظروف خاصة ألمت به وبأبناء شعبنا حالت دون تحقيق رغبات أسرته بالعيش بعيداً عن شظف الحياة.

عندما ترى الحاجة قشطة لأول مرة تشعر وكأنك تتنفس عبق التاريخ والماضي المشرق لهذا الشعب، فهي تتلفح بقطعة قماش بيضاء اللون تزينها مجمعة من النقوش التراثية على أطرافها.

قالت وهي تشير إلى مزرعتها الصغيرة إننا أصبحنا الآن نعتاش على ما تنتجه هذه الحديقة، فنحن الآن لا نشتري الخضراوات من السوق فكل ما يتم إنتاجه يفي بجميع احتياجاتنا.

وذكرت أن حظيرة الدجاج الخاصة بالحديقة تنتج عشرات البيضات تساعدنا في توفير الغذاء لأطفالنا فضلاً عن شراء السكان المحيطين لبيض الدجاج حيث أنهم دائماً متلهفون على كل منتج طبيعي.

واختتمت حديثها بتوجيه رسالة شكر لكل من ساهم بترسيخ هذا الحلم إلى حقيقة واقعة تفخر بها نساء منطقة خربة العدس.

الاستمرارية
وأكدت لنا م.أبو غالي أن المشروع يعمل على تحقيق قدر عالٍ من الاستمرارية إذ تقوم النساء الريفيات بتخصيص جزء من هذه المزروعات ليتم تجفيفها بطرق زراعية علمية للحصول على بذورها ومن ثم استخدامها في الزراعة مرة أخرى والتوسع فيها بالكميات المطلوبة وبالتالي ضمان الاستمرارية في الإنتاج مما يعود بالفائدة المادية واللوجستية للأسرة المستفيدة من المشروع.

ونوهت أن استمرار عملية تنشيط بيض الدجاج في الحظائر يشكل نموذجاً آخر من العمل المتواصل، فهناك في الحظيرة يخرج الجيل من الفراخ بعد الجيل وتعاقبها يولد الرغبة لدى النساء في الاستمرار والعمل وتحقيق غاياتهن وكل اهتماماتهن والتي من بينها توفير حياة كريمة لأسرتهن.

وأعربت أبو غالي عن أملها في أن يتم تكرار المشروع في عدد من المناطق الريفية في محافظتي خان يونس ورفح باعتبارها من أكثر المناطق المهمشة في قطاع غزة وبحاجة ماسة لتوفير كل الدعم المادي والمعنوي من أجل النهوض بواقعها في شتى المجالات.