الطيب عبد الرحيم - لمن يريد أن يعرف الحقيقة
نشر بتاريخ: 08/10/2009 ( آخر تحديث: 08/10/2009 الساعة: 11:25 )
كتب الطيب عبد الرحيم- لا أريد أن أستبق لجنة دراسة الملابسات لما حدث في جنيف التي شكلها السيد الرئيس ( من باب القناعة والثقة بالنفس واحترام المؤسسة) ولكنني أود التأكيد على أن اللغط وردود الفعل العديدة من عدة أطراف حول ما جرى في لجنة حقوق الإنسان قد غيب الحقيقة ولو إلى حين، ووفر لكل من يريد أن يدلي بدلوه ولأسبابه الخاصة فرصة الحديث في موضوع لا يعرف تفاصيله .
ولهذا أوضح عدداً من النقاط التي لا لبس فيها لما جرى، بعيداً عن التهريج والتهييج لأهداف ليست خافية على كل من يتبصر الأمور بهدوء وروية. وهي :
1- منذ تشكيل اللجنة برئاسة القاضي غولد ستون، كانت التعليمات من الرئاسة للسفير ابراهيم خريشة تتمثل في العمل مع اللجنة والتنسيق معها، وقد عقد عدة لقاءات مع رئيس وأعضاء اللجنة قبل ذهابهم الى غزه وبعد عودتهم، وكان قد نظم قبل ذلك زيارة لممثل لجنة حقوق الأنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فولك الذي منعته اسرائيل من الدخول عبر مطار بن غوريون وأعادته الى الولايات المتحدة، وقد تدخلت السلطة آنذاك من خلال القنصلية الأميركية في القدس للسماح له بالوصول الى الضفة الغربية ولكن السلطات الإسرائيلية أبقته ليلة كاملة في المطار حتى موعد تسفيره .
2- لم تتوقف قيادة السلطة عند دين أو جنسية رئيس لجنة التحقيق أو ممثل لجنة حقوق الأنسان، فكلاهما بالمناسبة يهوديان، وكان المهم هو المهنية والشفافية والشجاعة، ولذلك شجعنا هذين الشخصين في مقابل تشكيك واتهام بعض الجهات الفلسطينية التي كانت تحرض عليهما وخاصة على القاضي غولدستون .
3- عندما صدر التقرير يوم 15/9 والمكون من 575 صفحة كان ذلك في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وتحدد موعد نقاش التقرير يوم 29/9 وأن يتم التصويت عليه يوم 2/10، لقد كان عامل الوقت هاماً جداً، فالتصويت على التقرير بحاجة الى مشروع قرار يؤدي الى التصويت عليه .
ولذلك عمل سفيرنا وبعثتنا طيلة أيام عيد الفطر وما قبله وما بعده، حتى تم الوصول الى مشروع قرار من قبل المجموعة الإسلامية وعرض على المجموعات الأخرى التي أخذت تقدم تعديلات على مشروع القرار، شملت عدداً من الدول بينها روسيا والصين ودول افريقية وأخرى من أميركا اللاتينية.
كانت اجتماعات المجموعة الإسلامية تتم برئاسة مندوب باكستان، وكان ينقل التعديلات المقترحة يوماً بيوم لدول المجموعة.
4- من بين الدول التي تقدمت بتعديلات كانت الولايات المتحدة الأميركية التي أرسلت الى المؤتمر وفداً عالي المستوى ضم مساعديِ وزيرة الخارجية للشؤون القانونية، ولشؤون حقوق الإنسان، وتضمنت تلك التعديلات شطب العنوان والاكتفاء بعبارة الوضع ما بين جنوب اسرائيل وقطاع غزة، ثم شطب عبارات الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وتطبيق اتفاقية جنيف، والإشارة للقدس الشرقية.
وقد تم رفض هذه التعديلات رفضاً مطلقاً وكنت شاهداً على مكالمة تلفونية قال السيد الرئيس خلالها "لينقعوا تعديلاتهم ويشربوا ماءها" في حين استمر التعاطي مع تعديلات الدول الأخرى دون الوصول الى صيغة متفق عليها .
5- عندما بدأت التدخلات، بل والضغوط من أجل اصدار مشروع قرار ضعيف، بدأت تظهر تبريرات من بعض المندوبين مثل أن حكوماتهم لم يتح لها الوقت للاطلاع على تقرير كبير خلال وقت قصير، وبدأ يظهر أيضاً أن هناك أطرافاً ممن يؤيدون القضية الفلسطينية عموماً، ربما يتغيبون او يمتنعون عن التصويت وذلك قبل يوم واحد من موعد التصويت أي يوم الخميس 1/10 .
6- في اجتماع تم ليلة الخميس الجمعة، طرح المندوب الباكستاني كافة المعطيات، وخلص الى القول بأن هناك احتمالين.
- أما الذهاب الى التصويت على مشروع قرار الدول الأسلامية "وفي هذه الحالة لن يكون واضحاً عدد من سيصوت لصالحه، ويبدو أن العدد الأكبر سيتغيب عن التصويت أو سيمتنع.
- أما الاحتمال الآخر فهو التأجيل الى شهر آذار القادم على أن يتم الإعداد جيداً لذلك من أجل ضمان النجاح، والنجاح هنا يعني بكل وضوح إيصال القضية للمحكمة الجنائية الدولية، وأن يتم تحديد من هم المطلوبون للمحكمة.
لقد كان الهم الأساسي للسيد الرئيس أن لا تتم المساواة بين الجلاد والضحية "الشعب الفلسطيني" أي أن لنا تحفظات لأسباب وطنية، (أيا كان رأي قيادات حركة حماس التي رفضت التقرير بداية وتزاود بشأنه الآن) أي أن تتم معاملتهم كما سيعامل مسؤولون اسرائيليون بصفتهم متهمين بجرائم حرب، حيث أن قيادة "حماس" رفضت مناشدة الرئيس أكثر من مرة ( مباشرة وغير مباشرة) بوقف اطلاق الصواريخ كمبرر ستتخذه اسرائيل لشن عدوانها، فقد صرح رئيس وزراء "حماس" اسماعيل هنية رداً على تلك المناشدات وقبل العدوان بقوله "إنهم لو أبادوا غزة عن بكرة أبيها فلن نتراجع عن اطلاق الصواريخ" ثم قال مشعل بعد العدوان ان ما حدث في غزة ( الكارثة) هو مجرد أذى عابر، ثم ها هم ينصاعون للردع الإسرائيلي الآن بعد الذي حل بشعبنا من كارثة نتيجة العدوان وبسبب سياساتهم التي مارسوها خدمة لأجندات أقليمية وبثمن بخس.
7- كان القبول باقتراح مندوب باكستان، رئيس المجموعة الإسلامية هو الخيار الأفضل، اذ سيبقى التقرير سيفاً مسلطاً، وهذا ما أشار له أكثر من مسؤول ومعلق اسرائيلي بعد صدور قرار التأجيل حتى موعد المؤتمر القادم الذي يجب الإعداد له منذ الآن، آملين أن تتم قراءة التقرير بكامله، وأن تُبحث الوسائل العملية التي تقود لإيصال هذا التقرير الى مدعي عام محكمة الجنايات الدولية دون المرور عبر بوابة مجلس الأمن، حيث سيقف الفيتو الأميركي المعتاد هناك عقبة في سبيل ذلك، وسيكون مصيره سلة المهملات كتقرير القس ديزموند توتو حول مجزرة بيت حانون.
نعلم أن هناك من بادر الى كيل الاتهامات لأن هذا هو موقفه أساساً من قيادة السلطة ومنظمة التحرير، وهناك من خلط ما بين التقرير ومشروع القرار، أو سحب التقرير وتأجيل التصويت عليه، وهناك من أراد أن يدلي بدلوه طالما أن السوق مفتوح للمزاودات.
وأخيراً، أؤكد أن الحملة تستهدف أولاً وأخيراً الشرعية الفلسطينية ورأسها ورئيسها وصولا لتحقيق مخططهم في المتاجرة بمعاناة شعبنا التي كانوا احد اسبابها ولإفشال الحوار وتكريس الانقسام بدعاوى الوطنية والبحث عن تمثيل مواز لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إضافة الى الطرف الإسرائيلي الذي يرفض الدخول في مفاوضات جادة على أساس الشرعية الدولية فيواصلون استيطانهم وسياستهم في تهويد القدس ولايتورعون عن القول بأن منظمة التحرير الفلسطينية تقف خلف الأحداث التي تقع في القدس، هدفهم من كل ذلك ما أصبح معروفاً للجميع وهو رفض المفاوضات تحت ذريعة أنه لا يوجد شريك فلسطيني، وإثارة الإشاعات المغرضة حول قيادة السلطة.
إنهم يلفقون الأحداث ويختلقون الحواديت والوقائع والأسماء بلا أية محرمات.
آثرت الكتابة الآن بعيداً عن موجة الضجيج وبعد أن بدأ الكثيرون يتبصرون أن البعض كان يريد أن يسوقنا لنشرب من نهر الجنون .. والشكوك، لتحقيق بعض مآربه السابقة والضيقة.
والله من وراء القصد.
أمين عام الرئاسة