الحاجة أم عمر تضيء قناديل الأمل لتبدد فيها ظلام السجن والسجان
نشر بتاريخ: 12/10/2009 ( آخر تحديث: 12/10/2009 الساعة: 18:53 )
ابوديس- ببراعة فنية استطاع الزمان رسم تقاسيمه على ملامح وجهها ، تعب وإرهاق ومعاناة حملت فصولها على كاهلها سنين طويلة ، لكنها لا تزال تقف على رصيف الانتظار تضيء قناديل الأمل تبدد فيها ظلام اليأس ، تتوسل إلى الله ليل نهار أن تحضن نجلها الأسير مرة بالعمر وتتخلص من أهاتاتها العميقة قبل أن تنشب المنية أظفارها .
الحاجة المسنة سليمة خليل عياد المعروفة بأم عمر من بلدة أبوديس الصغيرة الهادئة ، عمرها قد تجاوز الخمسة والسبعين ، نحيلة الجسد ، هادئة الطباع ومتسلحة بالأمل ، لا تزال تحمل في قلبها الصغير بقايا أمنية أن تجمع الأيام شملها بنجلها إبراهيم المعتقل منذ أربع سنوات والمحكوم مدى الحياة .
لم أنم تلك الليلة وأنا أفكر كيف سأحضن نجلي إبراهيم بين ساعدي " بهذه العبارة بدأت الحاجة أم عمر عياد الحديث وهي تصف مشاعرها لنا حينما زف لها أبناؤها على جرعات نبأ إدراج اسم نجلها إبراهيم في صفقة التبادل مع الجندي الإٍسرائيلي جلعاط شالبط ، المأسور لدى المقاومة الفلسطينية منذ الخامس والعشرين من شهر حزيران من العام 2006 .
إبراهيم عياد المعتقل منذ الرابع عشر من شهر تموز من العام 2004 ، والذي كان قد أمضى في سجون الاحتلال سبع سنوات سابقة ، قضاها متجولاً في غياهب السجون ، يقضي فترة حكم حالية مدى الحياة ، لم تعد تستطيع والدته الطاعنة بالسن زيارته ورؤيته بعد أن خانتها قواها الجسدية وأنهكها التعب ، وبعد أن ذاقت الأمرين من مشاق الزيارات ورحلة المعاناة التي يعيشها أهالي الأسرى في زيارتهم لأبنائهم ، بسبب الإجراءات التعسفية الإسرائيلية المتبعة بحق المعتقلين الفلسطينيين وذويهم ، والتعقيدات التي تتبعها إدارة السجون في عملية الزيارة تستكمل الحاجة أم عمر الحديث وتقول " حينما سمحت إدارة السجن لنجلي عبد السلام بزيارة شقيقة إبراهيم ، كان إبراهيم قد أبلغ شقيقه بأن يخبر والدته أن تنتظره وتزين المنزل وتستعد للقائه ، لأنه سيعود حتماً ، حالما يتم الاتفاق بين الجانبين على إتمام صفقة التبادل التي ينتظرها أهالي الأسرى المنوي الإفراج عنهم بفارع الصبر، ولكن الحاجة أم عمر لا تزال تنتظر حتى هذه الأثناء على الرغم من الآمال التي تحملها بين عينيها بعودة نجلها إبراهيم ، إلا أن هذا التفاؤل بقي يغلفه جرعات من الحذر .
صفقة شاليط التي طال انتظارها ، شهدت أزمات متفاوتة توقفت أو تجمدت أو تجددت المفاوضات بشأنها عدة مرات ، حيث يطالب الطرف الفلسطيني المفاوض بأن تشمل صفقة التبادل الأسرى من ذوي الأحكام العالية والأسرى القدامى والإفراج عن 450 أسيرا ضمن قائمة قدمتها حماس ولجان المقاومة الشعبية من أجل مبادلتهم بشاليط ، إلا أن سلطات الاحتلال تتعنت وتضع خطوطا حمراء تدعي بأنه لا يمكن تجاوزها ، وتتقن في وضع الشروط التعجيزية والعراقيل لإفشالها وتحميل المسؤولية الفشل لحركة حماس في نهاية المطاف.
فهل ستبقى إسرائيل تراوغ لإفشال الصفقة التي ترى أن في إنجاحها انتصار للمقاومة الفلسطينية ، وهل سيبقى الاحتلال الإسرائيلي عدواً للشمس والحربة ، فهل يتحقق حلم الحاجة أم عمر برؤية نجلها إبراهيم أم ستبقى لحظات فرح مسروقة وعابرة ، وهل ستبقى أمهات الأسرى الفلسطينيين يتجرعن مرارة الانتظار ويفتشن عن بقايا حلم توارى خلف أستار الزمن ، وسوط الجلاد الذي يغيب دوماً كل معاني ومفردات الفرح في عيون كل فلسطيني .
كفايه حديدون