ثقافة الأولمبياد ** بقلم :نضال نعيسة
نشر بتاريخ: 12/10/2009 ( آخر تحديث: 12/10/2009 الساعة: 21:08 )
حزنت طوكيو ومدريد وشيكاغو، هذه الأساطير الكوزموبوليتانية العولمية الثلاث، التي كانت تتنافس على استضافة أولمبياد 2016، وقبلت الهزيمة بكل روح رياضية، بعد أن نالت هذا الشرف الرفيع مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، متفوقة على الدقة الإليكترونية اليابانية، وعلى الماكدونالدية الأمريكية، وعاصمة أوروبا السياحية مدريد، وفي ذلك سر وعبرة وآيات لقوم يعقلون ويفكرون. فإذا كانت هذه المدن قد خرجت بهذا الشكل، فإنه وقياساً، على ذلك، ينبغي على مدن أخرى أن تنتحر، بسبب بعدها الضوئي المخيف عن الحلم الأولمبيادي.
ولم ينفع الحضور المعنوي الطاغي للرئيس الأمريكي، باراك أوباما وزوجته ميشيل، في ترجيح كفة ولايته شيكاغو، أو في كسب أية نقاط، أو إحراز أي تأثير لجهة فوزها بشرف التنظيم، وهو الذي وضع كل ثقله المعنوي فيه. فالمعايير هنا دقيقة وعالية مهنية، والاعتبارات الحضارية والإنسانية ربما هي الأهم.
ومن يتذكر البرازيل، لا يتبادر لذهنه سوى الرقص ومهرجان الريو والفرح الغامر على الوجوه السمراء النابضة بالحياة، والسامبا والصدور العامرة بالدسم والحيوية والإغراء والأجساد الطافحة بالأنوثة والروعة والجمال. هذه لوحدها أولمبياد سنوي عفوي تجذب المتابع وتأسر الألباب ولن تجد ما يضاهيه في مدن الخراب والذباب وإمارات الظلام. من يتابع مهرجان الريو السنوي؟ هذا الصرح الثقافي الفريد من نوعه في العالم حيث ترقص البرازيل ولا تغفو لأسابيع في كل عام، إنه لوحده كفيل بترجيح كفة البرازيل؟
ولا تنفع، ها هنا، في هذه المنافسات وجاهات البداوة التي اعتدنا عليها في مجتمعات الظلام ومدن الخراب وإمارات القهر والعذاب. وفي الحقيقة، فإن المرء ليتعجب، ويقف حائراً كيف تخسر مدينة كوزموبوليتانية غاية في التنظيم، والنظافة والرقي والتمدن، كطوكيو، أمام مدينة مثل ريو دي جانير، التي تحيط بها العشوائيات من كل حدب وصوب وتماماً، مثل مدننا العربية، التي تحولت إلى قرى كبيرة، لم أفلح في تصنيف أي منها في موضع كوزموبوليتاني، أو الشعور بأنني في مدينة عصرية وإنسانية، وتنتابني حالات من الرعب والهلع والخجل عند دخول أية عاصمة منها، فهي ما تزال غافية على عسل الفتوحات والغزوات، وترزح تحت ضجيج المآذن في كل مكان، مع أصوات الدعاة الذين لم يتوقفوا عن الدعاء والصراخ والتبشير بالويل والخراب من 1400 عام.
والسؤال الذي يحيـر المرء، الآن، إذا كانت مدن من مثل طوكيو ومدريد وشيكاغو، لم تنجح في تخطي عقبة المعايير حتى العام 2016، وهي ما هي، فكم ستنتظر مدن من مثل الزرقاء ورفح، ودارفور، وتيزي أوزو، والقصيم، وبريدة، وكركوك، وصعدة، وأسوان، والجهراء، وعجمان ...إلخ حتى تستطيع أن تحظى بشرف تنظيم أولمبياد؟
المدن العربية، كالوجوه الغربية، كئيبة، موحشة، حزينة، فوضوية، وباكية، ومظلمة، عابسة، مقفرة، حالكة السواد، حذرة، مقفلة، خائفة، متوجسة، تقفل أبوابها باكراً وتنام مع الدجاجات. مدن لا تتباهي بالرياضيين والمتفوقين والمبدعين وأصحاب الأرقام القياسية بل بأصحاب العقد والأمراض والعاهات، وبعدد المآذن، والمصلين العابدين لله، والدعاة "المودرن" الذين يهدون الناس للصراط المستقيم بافتراض أن جلّ هذه الشعوب من الضالين الذين لا يميزون بالفطرة بين الخير والشر والخطأ والصواب، مدن تتفوق بأرقام الأرامل والعانسات ، والأيتام ولا وقت لديها لخزعبلات الضالين، فهي مشغولة بالإمساكيات والعبادات فقط، ومعرفة أوقات الصلوات، ومواعيد الإفطار، وشهر رمضان، وانقضاء العدة، وظهور الهلال، وآخر فتوى، بلبس وخلع وشرعية الحجاب والنقاب، وساعات تنفيذ القصاص، وقطع رؤوس العباد، هي تغفو على أنين المظلومين وتصحو على بكاء الفقراء والمحرومين والمسروقين والجياع.
فأين منها ثقافة الفرح والأولمبياد؟
الأولمبياد ثقافة قائمة بحد ذاتها، لها شروط ومتطلبات، مكان للتنافس الشريف، والانفتاح على الآخر وعلى الثقافات الحية والأمم والشعوب التي تتفاعل مع الحياة، التي لا تتلاءم مع ثقافات الظلام، وربما هذا هو السر في غياب العرب والثقافة العربية الدائم والمزمن من الأدوار التمهيدية للأولمبيادات، وعن مسرح الثقافة العالمية، وهي تحيط نفسها بالأمن والتابو والمحظورات والممنوعات والأسوار والمقدسات، وتحافظ على تقاليدها من الضياع والانقراض. ثقافة الموت تخشى الاندماج لأنه سيعني انقراضها وسط ثقافات الحياة. الأولمبياد كلمة تعني فيما تعنيه، الانفتاح على الآخر، التلاقي، الأخوة الإنسانية، الروح الرياضية، التشاركية، الأخوة الإنسانية، التنافس الشريف، الإبداع، التفوق، وكلها صفات، غائبة، أو تبدو غريبة عن ثقافتنا، وليس لنا فيها نصيب، ولا باع.