الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ندوة حول "الحالة النفسية للفلسطينيين في قطاع غزة-بين الحاضر والمستقبل"

نشر بتاريخ: 13/10/2009 ( آخر تحديث: 13/10/2009 الساعة: 10:26 )
غزة- معا- عقد اليوم برنامج غزة للصحة النفسية بمناسبة يوم الصحة النفسية العالمي ندوة بعنوان: "الحالة النفسية للفلسطينيين في قطاع غزة- الحاضر والمستقبل" بمشاركة عدد كبير من ممثلي المؤسسات الأهلية المختصة والمهنيين والمختصين في مجال الصحة النفسية، وذلك في قاعة فندق القدس الدولي بغزة.

وافتتحت الندوة بكلمة ترحيبية للدكتور تيسير دياب الطبيب النفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية والتي أكد فيها على مرور أكثر من 9 شهور على الهجمة الإسرائيلية العسكرية على قطاع غزة، ومرور أكثر من عامين على الحصار المحكم والذي أوصل غزة إلى حالة أشبه بالجحيم، خاصةً وأن الحرب استهدفت جميع وعامة مناحي الحياة، كونه لم يسلم منها لا القطاع العام ولا الخاص.

وأشار دياب إلى أن الجهود التي تبذل من أجل تدمير كرامة الإنسان عادةً لا تؤدي إلى الاستسلام والإذعان بل إلى زيادة العنف والذي يخلق دائرة مفرغة من الصعب التحكم فيها موضحاً أن العالم بدون عدالة يعتبر مكان خطير للعيش فيه، وهو يشكل تربة خصبة للشعور بالعجز وفقدان الأمل.

وتحدث د. سمير زقوت الأخصائي النفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية في مداخلته التي كانت بعنوان: "الضغط النفسي وأثره على العلاقات الأسرية والنسيج الاجتماعي في قطاع غزة" والتي بين فيها أهمية استعراض الخبرات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني وتعرضه للصدمات منذ عام 1948 وصولاً للحرب الأخيرة على قطاع غزة وآثار هذه الصدمات النفسية المتعاقبة على الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن هذه الآثار والصعاب لا تقف عند فترة معينة ولكنها تنتقل عبر الأجيال.

وتطرق د. زقوت إلى أنه من أصعب الحالات وضعية هي الترقب والانتظار والقلق على المصير وغموض المستقبل مما ينعكس سلباً على نفسية الإنسان، مبيناً أن الأزمة الاجتماعية التقت بالأزمة الاقتصادية وبأزمة النظام السياسي والانقسام، مما أدى إلى تركيبة إجتماعية أصيبت باختلال إجتماعي كبير مهد لظهور معضلات مزمنة.

وذكر د. زقوت أن أخطر اضطراب الأدوار الأسرية هو اضطراب أدوار الأبوة والأمومة واضطراب أدوار السلطة وتغيير المواقع وانعكاس ذلك على المرجعية الأسرية وضعفها أو إنهيارها أحياناً، مما يجعل الشباب يشعرون بالاغتراب وفقدان المجال الحيوي، وأيضاً اضطراب الضوابط الأخلاقية وبروز مشاعر التعصب وفقدان مشاعر الانتماء والولاء، مبيناً بعض وسائل الدفاع التي تستخدمها الأسر ومنها التضييق والانغلاق والتجنب، وكذلك السلوك الاندفاعي كالغضب والعدوان.

وبدورها استعرضت الأخصائية الاجتماعية والنفسية في مركز صحة المرأة التابع لمركز الثقافة والفكر الحر بالبريج فريال ثابت بمداخلتها بعنوان: "الأوضاع النفسية والاجتماعية التي تعيشها المرأة الفلسطينية في قطاع غزة" الأثر الذي تركه استشهاد نحو 117 إمراة في الحرب على الأسر الفلسطينية في قطاع غزة، والذي أدى إلى تفكك الكثير من هذه الأسر وتشرد أفرادها، مما جعل النساء الأخريات يعشن هاجس الخوف من تجدد الحرب واستهدافهن خاصةً وأنهن كانين خلال الحرب الماضية أكثر حنواً على الزوج والأطفال والأسرة بشكلٍ عام.

وأضافت ثابت أن الأمهات اللاتي عشن ويلات الحرب وخوفهن على أطفالهن ما زلن يعشن حالة من الاضطراب والفزع والضغط النفسي بعد الحرب، وخاصة من دمرت منالهم واستشهدت أبنائهن وأزواجهن وأصبحن هن المعيلات والمربيات مما أطهر لديهن مشاكل نفسية وصحية قد تستمر لسنوات طويلة لا تزول إلا بزوال الأسباب ، وهذا أمر مستحيل.

وقدم د.أحمد أبو طواحينة مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية ورقة عمل بعنوان الوضع النفسي وأثره على التغير القيمي والثقافي في المجتمع على المدى البعيد أوضح فيها أن هناك جهاز مناعي على الصعيد النفسي وعلى الصعيد الاجتماعي لدى الشعب الفلسطيني والذي تعرض لصدمات عدة يجعله يتكيف مع الأوضاع الطارئة سواء كانت كوارث طبيعية أو بصنع الإنسان والعودة إلى دورة الحياة من جديد، وأكبر دليل على ذلك زوال فكرة الهجرة والتمسك بالأرض أكثر من ذي قبل وخاصة على الصعيد الأسري .

وأوضح د.أبو طواحينة أن الشعب الفلسطيني بعد الحرب أبقى على قيمه الثقافية والاجتماعية حيث بينت الدراسات البحثية أن الزيجات زادت خلال الشهور التسعة بعد الحرب مقارنةً مع الفترة المقابلة لها خلال العام الماضي، وهذا يؤكد توجه المواطنين إلى إعادة بناء الأسر من جديد وإنجاب الأطفال مشيراً إلى أن الفلسطيني بحاجة إلى خطط وبرامج ثقافية ونفسية متوسطة وبعيدة المدى للحفاظ على كرامة الإنسان بحيث لا تؤدي به الاستسلام والإذعان ومن ثم اللجوء إلى العنف.

ومن جانبه تحدث ممثل منظمة الصحة العالمية ضياء صايمة عن اليوم العالمي للصحة النفسية موضحاً أن منظمة الصحة العالمية كان لها تطور خلال العشر سنوات الماضية في برامج الصحة النفسية على اعتبار أن خدماتها تتمدد بشكل أفقي، ويجب أن تقدم في جميع المراكز الصحية التي تقدم خدمات مباشرة للجمهور وأن للصحة النفسية أولوية كبرى وذلك لأنه تم تناول الانتحار كظاهرة من الظواهر الناتجة عن الاضطرابات النفسية لوجدنا أن الانتحار هو من الأسباب الثلاثة الرئيسية في العالم المسببة للوفاة وأن المقدمين هم ممن يتناولون المخدرات أو الحبوب المخدرة بكافة أنواعها.

ولفت صايمة إلى أن منظمة الصحة العالمية عملت على إنشاء مشروع تدريب كل العاملين في مجال الرعاية الأولية على برامج الصحة النفسية حتى يكون لديهم مهارة وقدرة على التدخل النفسي والاجتماعي، وأن يكون لديهم القدرة على التحويل من خلال نظام تحويل متكامل إلى المستشفيات النفسية، موضحاً أن هذا المشروع والبرامج التي يتضمنها بدأت ترى النور، وبدأت الخطوات العملية في 56 مركزاً للرعاية الأولية في غزة تقدم فيها برامج الصحة النفسية، حيث أنه بها 12 برنامجاً للصحة العامة وبها أيضاً 12 برنامجاً للصحة النفسية.

ومن جهته استعرض د. عايش سمور ممثلاً عن وزارة الصحة بغزة في ورقة عمله التي كانت بعنوان: "البرامج النفسية المطلوبة للدعم النفسي والاجتماعي في قطاع غزة" ما تقوم به الوزارة من وضع برامج وخطط لدمج الصحة النفسية بالصحة العامة وذلك لإنقاذ المئات من المرضى النفسيين والمرضى العضويين من العمليات الجراحية، موضحاً أن هناك برنامجاً للمرضى النفسيين يتم من خلاله التدخل في العلاج النفسي داخل المنزل وتأهيل المرضى في المجتمع.

وبين سمور أنه سيتم العمل على تطوير الخدمات الصحية والنفسية للفئات المهمشة أو المهملة كالمسنين والأطفال والمدمنين، كما سيتم العمل على إدخال الصحة النفسية مراكز الرعاية الأولية والحفاظ على التعاون والاتصال بين طبيب الرعاية والطبيب النفسي المتخصص من أجل مساعدة المريض، بالإضافة إلى إدخال برنامج تمريضي لماجستير في الصحة النفسية في الجامعة الإسلامية.

وفي نهاية الندوة تم فتح باب النقاش وقدمت العديد من المداخلات الهامة من المشاركين في الندوة حول الموضوع.