هديـل.. وداعـــــــــــاً!
نشر بتاريخ: 11/04/2006 ( آخر تحديث: 11/04/2006 الساعة: 15:37 )
غزة -معا- الغرفة معتمة، والجرحى استلقوا متجانبين بعضهم بجانب البعض الآخر، ولكن غرفتهم لم تتسع لهم فبقي بعضهم في المستشفى المجاورة واستلقى آخرون في غرفة أخرى في بيت متهالك.
عائلة أصيبت بنكسة أخرى ولكنها ترفض أيضاً أن تكرر النكبة او أن ترحل عن بيتها ولو لمرة واحدة، وتسجل تعجبها من اختراق القذيفة المدفعية لكامل المسافة الواصلة بين معبر كارني شرقي مدينة غزة وبلدة بيت لاهيا الهادئة شمال القطاع لتسقط الشهيدة هديل غبن " 7" أعوام وباقي أسرتها جرحى تحت سقف البيت الذي انهار والكهرباء التي لامست أجساد الجميع.
لنبدأ من بداية القصة حيث يقبع المنزل الجديد والذي لم يكتمل بعد، في مكان مزدحم بالمنازل في شارع غبن في مكان يطلق عليه اسم بلوك 2 والذي يعني بدوره ان المكان مخيم للاجئين.
البيت الذي أصابت القذيفة سقفه العلوي سقط على من فيه" الام صفية غبن، الأطفال تحرير 18 عاماً، إيمان 16 عاماً، بسام 14 عاما، غسان 12 عاماً، منير عشرة أعوام، آمنة تسع أعوام، رنا عامان ونصف وروان التي احتضنتها الأم عام واحد وثلاثة شهور أما من الأبناء فقد نجى الابن حسام 16 عاماً والوالد الذي لقدره لم يكن بالبيت ساعة سقطت القذيفة على من فيه.
والد الشهيدة محمد ربيع غبن قال لمعا:" انا أتعجب كيف سقطت القذيفة على منزلي، وكيف تجاوزت كل مدينة غزة ومخيم جباليا وجاءت إلى بيتي من معبر كارني الذي يقع شرقي مدينة غزة".
أما تفاصيل ما حدث تقول تحرير الفتاة الاكبر والتي اتخذت من غرفة أختها المتزوجة في منزل عمها القريب ملجأ لجراحها قالت:" كنا جالسين بالخارج أمام البيت في فسحة زراعية شعرنا ببعض الخوف من أصوات الانفجارات التي تدوي عقب قصف القذائف المدفعية فلجأنا إلى البيت علنا نحتمي بداخله، ولكن فجأة ضربت إحدى القذائف سقف المنزل وشعرنا به يهوي فوق رؤوسنا ورأينا الدنيا كلها سوداء وشعرت بالكهرباء تلامس جسدي وحروق وفجأة لم أعرف من أين القوة نهضت من تحت الأنقاض وأصبحت أصرخ على ابن عمي وعمي ولكن أغمي علي ولم أعد أشعر بشيء ولم أر هديل حين ماتت".
أما الام والتي تقبع في مستشفى العودة كون جراحها خطرة وهي حامل فيقول زوجها أنه بات مطمئنا على حالتها، معرباً عن حزنه الشديد لما أصاب عائلته، مؤكداً أن ليس هناك ما يعتاش منه سوى أنه يعمل سائقاً على سيارة يتناوبها ثلاثة آخرين كمصدر رزق لعائلاتهم.
في البيت القريب والذي يعود لأحد الأعمام بين الأروقة قبع خمسة مصابين أحدهم منير الطفل الصغير وقد التفت عيناه بقطابتين بيضاويتين وآمنة فتاة لم تستطع الإجابة كونها تشعر بدوار مما حدث وعدم استيعاب لمن مات ومن بقي على قيد الحياة، وبسام الذي بدا متماسكاً رغم إصابته بالرأس ورنا طفلة صغيرة هدأت بعد أن توفر لها قسط من النوم ورأسها ملتفة بعصابة بيضاء، وروان الطفلة الرضيعة والتي كانت الأوفر حظاً بين المصابين ولم تصب إلا ببعض الخدوش كون والدتها احتضنتها بقوة واستقبلت السقف فوق رأسها وفوق ظهرها.
أما ابن العم وزوج الأخت والذي تولى جميع المصابين بالرعاية ويعرف بالضبط متى موعد دواء كل منهم لم يسمح لنفسه إلا بقليل من السخرية مما جرى وقال لمعا:" أنا أخبركم بمن هنا وبدأ بالإشارة لكل منهم ويضيف مسترسلاً:" أي ضرر يصيب أحد من الجرحى الذين تم إخلاؤهم من المستشفى أحمل المسئولية كاملة عنه لوزارة الصحة".
أما نهاية القصة فتحكي عن اعتذار عبر الهاتف قدمه الضابط الإسرائيلي المسئول عن قصف المنزل لوالد الشهيدة والذي قال له بدوره:" وماذا يفيدني اعتذارك هيا أكمل ما بدأت به فقد بقي هناك أحياء ممن كان بالمنزل وبقيت بعض الأسوار في منزلي ولكنني لن أرحل منه فأين أذهب".