هدفان في مرمى واحد: المساواة والدولة
نشر بتاريخ: 01/11/2009 ( آخر تحديث: 03/11/2009 الساعة: 09:38 )
بقلم: إيزابيل كيرشنير /ترجمة: نضال عمرو "خاص بوكالة معا "
الرام، الضفة الغربية – على وقع صيحات التشجيع الصاخبة التي أطلقها المشجعون، ورفرفة الأعلام والنشيد الوطني احتشدت الجماهير الغفيرة المشجعة في ظهيرة أحد أيام هذا الأسبوع في استاد هذه البلدة التي يغلب عليها عادةً اللون الرمادي الكئيب. إنّ هذا الحدث الاستثنائي يجعل المتأمّل له يعتقد – ولو خاطئاً – أنه أمام احتفال ولادة دولة فلسطين العتيدة.
في هذا اللقاء واجه المنتخب الفلسطيني نظيره الأردني، غير أنّ ما يجعل هذا الحدث فريداً من نوعه أنّ من يلعب هذه المرة هو منتخب النساء وما يزيد من استثنائية الحدث أيضاً أنّ المنتخب النسوي يلعب أوّل مرة في تاريخه بين جمهوره في ملعب خارجي.
على مرأى من جمهور حاشد صاخب قُدّر عدده بـ 10000 مشجع على الأقل – ثلاثة أرباعه من النساء تقريبًا، والربع الأخير من رجالٍ لا يقلّون حماسة – أبدت اللاعبات حساً جماعياً بالإنجاز الذي لم يحظ به نُظرائهنّ من الرجال لفترة طويلة.
وبالرغم من الجوّ العام الذي يتسم بصرامة الموقف وجدية الأحداث نظرا لجمود عملية السلام والانقسام الفلسطيني، إلا أنّ هذه المباراة تحوّلت إلى مهرجان للتحرّر الاجتماعي والاعتزاز والفخر الوطني. فقد تحوّل ذلك الخط الذي يفصل ما بين هدفين متوازيين: السعي نحو المساواة، ونحو الدولة، إلى خط ضبابي غير واضح الملامح أكثر فأكثر مع كل ركلة وكل ملاحقة للكرة.
مديرة الفريق الفلسطيني، رقية تكروري، 50، قالت: "في ثقافتنا، تَعمل النساء الفلسطينيات جنباً على جنب مع الرجال في الحقول والمصانع. وهم يقاتلون معاً، ويتظاهرون معاً. وأحياناً تأخذ المرأة مكان الرجل لكونه في السجن أو مختبئا في الجبال."
وتتابع رقية قولها إنّ هذه المباراة تثبت أنّ "النساء الفلسطينيات يمكنهنّ القيام بأي شيء - حتى كرة القدم."
في بلدة الرام الواقعة شمال القدس، مظاهر الاحتلال الإسرائيلي ليست بعيدة أبداً. فالملعب لا يبعُد سوى مسافة نصف شارع عن جدار الفصل الذي أقامته إسرائيل في الضفة الغربية. ورغم أن معظم الجدار في البلدة مصنوع من السياج والأسلاك الشائكة والخنادق، إلا أنه يتجسّد بشكل جدار إسمنتي لا نهاية له في هذه البيئة المدنيّة.
لدخول القدس، يتعيّن على سكان الضفة الغربية أن يُصدروا تصاريح خاصة للمرور عبر حاجز قلنديا المجاور، هذا المعبر الرمادي الشبيه بالسجن والمزود ببوابات دوّارة وأبراج مراقبة. على نفس هذا الحاجز في يوم الأحد الذي سبق يوم المباراة بيوم، طَعنت شابّة فلسطينية ضابط أمنٍ إسرائيلي وأصابته.
مع ذلك، فقد كان احتشاد الفلسطينيين معاً خلال مباراة الاثنين محاولة سِلمية لخدمة القضية. ورغم أن الحدث لا يعتبر حزبياً، فقد غلب عليه طابع المعسكر غير الإسلامي الماسك بزمام الحكم في الضفة الغربية.
وقد لاحت فوق رؤوس اللاعبات صورتان كبيرتان للرئيس الراحل ياسر عرفات وخليفته محمود عباس. إضافة إلى صورتين للملك عبد الله الثاني تم إضافتهما لاحقاً. وقد حضر اللقاء عدد من الشخصيات من بينهم رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية سلام فياض.
وقد أرسل الاتحاد الدولي لكرة القدم - الفيفا مندوبة عنه كتقدير لالتزام الفلسطينيين بهذه اللعبة.
وقد لعبت جميع اللاعبات دون ارتداء الحجاب إلا لاعبة فلسطينية واحدة وعدة لاعبات أردنيات اللواتي لبسن بنطالا تحت لباسهن الرياضي كذلك. كابتن الفريق الفلسطيني هي هني ثلجية 24، وهي مسيحية من بيت لحم. أما أصغر سناً اللاعبات فهي آية خطيب، 14، وهي مسلمة من مخيم للاجئين بالقرب من أريحا.
بالرغم من هذا التنوع الكبير في المجتمع الفلسطيني، إلا أنّ تناغماً فريداً قد ساد الأجواء. "لا دخل للسياسة هنا" قالت نور النابلسي، 17، عضو في المنتخب الفلسطيني، "نحن نلعب من أجل فلسطين فحسب".
وقد رأت هؤلاء النسوة بطلا لا مثيل له في شخص جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، والرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي مرهوب الجانب في الضفة الغربية.
وقد قال الرجوب في لقاء معه في رام الله قبل أيام من موعد المباراة إنّه كان دائم الالتزام خلال مسيرته المهنية بتشجيع وتعزيز النساء. وقد أضاف أنّه حين كان رئيساً لجهاز الأمن الوقائي، فقد فتح أبواب جميع الأقسام أمام مشاركة العنصر النسائي قائلا: "لقد محوت للأبد فكرة أنّ السيدات هنّ سكرتيرات فحسب".
فبُعيد تسلمه مهام رئاسة اتحاد كرة القدم في أيار عام 2008، قام بإنشاء دوري للنساء. ولم تكن نتيجة مباراة الاثنين مهمة بالنسبة له، بل هي كما قال: "حدث تاريخي بالنسبة لي".
وقد أبدى السيد الرجوب رغبته في أن يُرسل الاتحاد الأمريكي لكرة القدم فريقًا للعب في الضفة الغربية. مشيرا إلى أنّ ذلك سيكون أكثر فعالية لكسب قلوب وعقول الفلسطينيين من الزيارات المتكررة التي يقوم بها جورج ميتشل المبعوث الخاص للشرق الأوسط في إدارة الرئيس أوباما.
فالرياضة حسب تعبير السيد الرجوب، هي "الطريق الصحيح كي نُبيِّن أننا نسعى من أجل السلام والاستقلال – فنحن سفراء سلام لقضيتنا."
وإجابةً عن سؤال حول اللعب مع الإسرائيليين، قال السيد الرجوب "إن الوقت ما زال باكراً للحديث عن ذلك". مشيراً إلى أن اللاعبين في الملعب قد يتقابلون في ظروف مختلفة للغاية على حاجز أمني في اليوم التالي.
وبعد انطلاق المباراة، اعتلى آلاف الرجال والشباب الفلسطينيين أسطح المباني المطلّة على الاستاد واحتشدوا خلف السياج المحيط بالملعب. وقد انتهى الشوط الأول بنتيجة غير مُشجعة: 1-0 لصالح المنتخب الأردني، بعد أن سجل الفريق الفلسطيني بالخطأ الهدف الأول في مرماه.
وقد اتسم اللعب بالخشونة من كلا الجانبين، حيث نقلت لاعبتان أردنيتان على النقالات خارج الملعب جرّاء الإصابة، واحتسبت ضربتا جزاء للمنتخب الفلسطيني لينتهي اللقاء بالتعادل الايجابي 2-2.
عن صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الثاني، 2009