السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حافظ البرغوثي: لو كنت مكان الرئيس لقدمت استقالتي منذ زمن

نشر بتاريخ: 07/11/2009 ( آخر تحديث: 07/11/2009 الساعة: 15:26 )
حياتنا مبايعة - جاء الرئيس محمود عباس الى الرئاسة رافعاً شعار تحقيق السلام وتوفير الأمن والأمان للمواطن بمعنى آخر انه جاء يحمل مشروعاً تفاوضياً، وإذا فشل مشروعه فإنه من الطبيعي أن ينسحب، فهو أنجز الشق الفلسطيني من مشروعه وهو توفير الأمن والأمان، لكنه اصطدم بالتعنت الاسرائيلي الذي بلغ ذروته في عهد الحكومة اليمينية الحالية التي لا تملك مشروعاً سلمياً، بل تملك استيطانياً توسعياً.

وعندما ربط الرئيس استئناف المفاوضات بالالتزام بخارطة الطريق لم يأت بشيء من عنده، بل من خارطة الطريق ومن أفواه الاسرائيليين أنفسهم الذين كانوا يرفعون شعار "لا مفاوضات في ظل اطلاق النار" في زمن شارون وأولمرت، ولما تحقق وقف اطلاق النار من الجانب الفلسطيني، واصل الاسرائيليون الاستيطان دون كلل وبشكل مكثف وممنهج للاستحواذ على القدس المحتلة أولاً ولزرع المزيد من البؤر الاستيطانية، بحيث يتعذر الحديث عن دولة فلسطينية مترابطة، بل مقطعة الأوصال لا تنطبق عليها مواصفات الدولة.

ويزعم الاسرائيليون اننا فاوضنا دائماً في ظل الاستيطان فما الجديد؟
والرد على ذلك هو ما نشهده حالياً أي لا تسوية في الأفق لأن الذي يريد التوصل الى تسوية يوقف أي نشاط مضر بالعملية التفاوضية، فبعد 16سنة من أوسلو وفي ظل استمرار الاستيطان لم نصل الى تسوية ولن نصل، طالما أن الوسيط النزيه انحاز الى حيث لا نزاهة وتواطأ مع الاحتلال وتراجع عن مواقف متقدمة اتخذتها الادارة السابقة في زمن جورج بوش المعروف بأنه أكثر الرؤساء الاميركيين دعماً لاسرائيل، فما الذي يتبقى للفلسطيني بعد ذلك؟
لقد صبر الرئيس طويلاً وتعرض للمحن المرة تلو الأخرى، ولو كان أي مسؤول في مكانه لترك الرئاسة منذ زمن، لكنه تحمّل الكثير لأنه يحمل مشروعاً سلمياً يستحق التضحية ولا يريد أن يخذل شعبه.

كان بإمكانه أن يحلّ السلطة أو يستقيل عندما اجتاح الاسرائيليون سجن أريحا واختطفوا أحمد سعدات والشوبكي رغم الضمانات الدولية، فهم داسوا كل التفاهمات والاتفاقات.

وكان بإمكانه أن يحلّ السلطة ويستقيل وهو يقاتل لفرض الأمن والقانون عندما رفض الاسرائيليون السماح له بتسليح قوات الأمن أو حتى تحريكها من مدينة الى أخرى أو إرسال تعزيزات الى غزة للحد من غطرسة حركة حماس المتنامية، لكنه صبر وتحمّل، وصبر أكثر على الانقلاب وعنجهية أمراء الأنفاق المستمرة ولم يحاول الانتقام من أحد ولم يحرّض لا ضد الاحتلال ولا ضد حماس التي ارتكبت موبقات ضد شعبنا كأنها في سباق مع الاحتلال ذاته.

قرار الرئيس بعدم الترشح ليس هروباً من مسؤوليات وطنية، بل لغياب الرغبة الدولية في انجاز تسوية سلمية عادلة بعد 16عاماً من المفاوضات والدم والدموع.. فهو لا يريد أن يكون غطاءً لاستمرار الاحتلال ومفاوضات عقيمة أعدّ لها الاسرائيليون جيداً وقلبوا السياسة الاميركية رأساً على عقب.. فالرئيس على صواب ليس في عدم الترشح فقط، بل وفي حالة اتخاذه قرارات مصيرية حاسمة أشد حدة لصالح شعبنا وقضيته كحل السلطة مثلاً، ذلك أن السلطة لم تقم إلا لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات، وها هي السنون تتوالى دون حل حقيقي ولا يجب أن تتحول السلطة الى وكيل للاحتلال تتحمل عنه أعباء وتكاليف احتلاله، فالشعب الذي خذله المجتمع الدولي له الحق في قلب الطاولة على رؤوس الجميع واعلان نفسه شعباً تحت الاحتلال له الحق وفق القوانين الدولية في النضال ضد الاحتلال بشتى الأساليب، ولعل الرئيس عندما خاطب الشعب الاسرائيلي في كلمته التاريخية إنما أراد أن يلفت نظر الاسرائيليين الى أي مصير نحن ذاهبون اليه جميعاً في حالة التنصل من التزاماته العملية التفاوضية وأي فوضى ستكون في حالة وجود فراغ في السلطة أو عدم وجود سلطة، ذلك أن حكومة نتنياهو لا تمتلك سوى مشروع دولة ذات حدود مؤقتة حتى تواصل مشروعها الاستيطاني في اطار ما يسمى بالسلام الاقتصادي وهو هنا يتوافق مصلحياً مع حركة حماس التي تطرح نفسها بديلاً للسلطة ولمنظمة التحرير وجاهزة للمشروع التصفوي أي الدولة ذات الحدود المؤقتة وهذه حلول لا تحل قضية، بل تزيدها تعقيداً وتريق المزيد من الدماء الفلسطينية والاسرائيلية.

خطاب الرئيس هو نقطة مفصلية، وعلى العالم أن يختار بين طريق التسوية العادلة أم طريق الاستيطان والدم والتصفية. وهو في خطواته هذه يحظى بدعم شعبي غير مسبوق لأن شعبنا يرفض أن يبقى أسيراً وأرضنا ترفض أن تكون نهباً، وهو هنا يبايع الرئيس في أي خطوة يتخذها، فلا رئيس غيره.