السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

بعد عقود من الفقدان- نجية هلوسي القبرصية التي هاجرت من يافا تجد أهلها

نشر بتاريخ: 07/11/2009 ( آخر تحديث: 07/11/2009 الساعة: 16:10 )
غزة- معا- الحاجة "نجية هلوسي شراب" ( 75 عاما) القبرصية التي عاشت صباها في تلك الجزيرة تزوجت من ابن يافا وعاشت في مدينة الساحل الفلسطيني قبل ان يخطف الاحتلال سنوات الزمن الجميل وتجد نفسها بعد النكبة في مخيم للاجئين برفح.

القبرصية الحاجة نجية هلوسي تروي حكاياتها لـ "معا"، أهلها القبارصة اعتقدوا انها ماتت وهي سلمت بأقدار الغيب والغياب.. واليوم بعد ان عادت لها اّمالها التي كادت ان تتلاشى وهي رؤية اهلها بعد فراق دام 35 عاما لم تفقد الأمل في الخروج من هذا الحصار لتعود للقاء ذويها في قبرص، الا ان اغلاق معبر رفح المتواصل فرض نفسه بقوة امام احلام الست نجية برؤية اهلها التي هي في أي مكان آخر من هذا العالم قد تكون للبعض عادية، الا في هذا المكان المحاصر.

رغم كبر سنها وعدم قدرتها على تحمل اعباء السفر الا ان الحاجة هلوسي استعدت للقاء الاهل والاحبة في قبرص فخرجت تحمل امالا كبيرة الا ان اغلاق معبر رفح خيب امالها.

"بدي اطلع يوم واحد واشوفهم حتى لو كان ذلك أخر يوم في حياتي اريد ان اقضيه مع اهلي" هذا كل ما تتمناه بعد ان افتقدت دفء العائلة لما يزيد عن نصف قرن اعتقدت انهم في عداد الاموات.

"معا" التقت الحاجة نجية الهلوسي لتقف عند معاناتها التي لا تشبه معاناة احد من ابناء هذا القطاع، فقصص التشرد هنا كثيرة او إنْ صح التعبير فقصص الفلسطينيين مع التشرد كثيرة ولكن دائما هناك جديد.

سردت الحاجة قصتها منذ البداية فقالت: "غادرت قبرص التي ولدت فيها منذ اعوام بعد ان تزوجت من زوجي الاول الذي يسكن في مدينة يافا الفلسطينية ثم في العام 1948 عام النكبة هاجرت وزوجي مع من هاجر الى قطاع غزة، وشاءت الاقدار ان انفصلت عن زوجي"، مشيرة الى انه بعد ثلاث سنوات من زواجها انفصلت واختارت ان تربي ابنها "مصطفى" الذي بلغ 9 سنوات عندما تزوجت مرة اخرى احد العاملين على سكك الحديد في مدينة خان يونس من عائلة شراب حيث كانت تستعين به لتوصيل الرسائل لاهلها في قبرص.

وأوضحت الحاجة نجية أنها وتحديداً في عام 1973، سافرت إلى قبرص ورأت والدها وفي العام التالي اندلعت الحرب التركية اليونانية في قبرص ولم تسمع عن أهلها أية أخبار واستمرت في ارسال الرسائل، لكن عبثا تفعل لانها لم تتلقى اي رد من اهلها وذويها في قبرص وهنا استبد اليأس بها اعتقاداً بأنهم ماتوا خلال الحرب هاجس لازمها طوال 35 عاماً.


مرت 35 وسنة والحاجة نجية بعيدة عن اهلها اعتقادا منها بانهم لقوا مصرعهم اثناء الحرب ولكن دموعها لم تعرف الكلل طوال هذه المدة، فكأنما شي بداخلها يذكرها بأهل لم يموتوا ولكنهم في مكان آخر من هذا العالم.

القصة بدأت كما يقول حفيدها "قاسم شراب" عندما عاد والده من السفر وطلب من الحاجة نجية كافة الاوراق الثبوتية التي بحوزتها حتى يبدأ عملية البحث عن أهلها من خلال الشبكة العنكبوتية او من خلال معارفه الا ان الحاجة نجية اعتبرت الموضوع مجرد تخفيف عنها او كما يقال بالعامية "جبر خاطر" لا اكثر، فلم تصدق امكانية رؤيتهم مرة اخرى ولكنها جازفت.

ويقول قاسم: "كلف والدي أحد معارفه للبحث عن اسم عائلتها "هلوسي" في بريطانيا وبعد عدة محاولات من البحث عبر الـ telecom عثرنا على اسمين لعائلة هلوسي من بينهم "اورهان هلوسي" وهو الشقيق الصغير للحاجة نجية.

وتعد الحاجة نجية كبرى إخوتها التسعة وهم جميعاً مقيمون في مدينة لارنكا القبرصية حالياً: إبراهيم ومحمد وأورهان، وخليل، بالإضافة إلى عائشة وشريفة وقدرية ونور.

ويتابع: "المفاجأة الكبرى هي عندما علمنا ان لجدتي تسعة اخوة على قيد الحياة وليس كما اعتقدت منذ 35 عاما والمفاجأة ذاتها كانت بالنسبة لاورهان عندما سأله والدي "اختك نجية" فرد عليه بصوت يكاد يختنق"نجية عايشة". "مشيرا الى ان عائلتها في قبرص ايضا اعتبروها من ضمن المفقودين وبدأوا بالبحث عنها من خلال وسائل الاعلام القبرصية.

رأت الحاجة نجية اخوتها وأخواتها وبقية أفراد العائلة عبر الانترنت واستطاعت أن تتعرف عليهم، فيما علمت بأن والدها توفي بعد الغزو التركي لقبرص عام 1974 وبحسب حفيدها قاسم فانه بعد 35 عاما نطقت جدته اللغة القبرصية مع اخوتها "ما ان رأت اهلها عن طريق النت استذكرت كل الكلام القبرصي وتكلمت معهم باللهجة القبرصية شو كان اخوها يحكيلها كانت ترد عليه كأنها عايشة بينهم ولكن تطلبي منها ان تتكلم القبرصية لا تستطيع او لا تعرف او لا تتذكر".

بدأ والد قاسم اجراءات السفر حتى تتمكن الحاجة نجية ان تقضي ما تبقى من عمرها مع اخوة لم تعرفهم ولم تشعر بهم فكان ان تم استخراج شهادة ميلاد قبرصة كما قام اخوتها باصدار شهادة افادة تفيد بانها اختهم كما ان الحكومة القبرصية اعترفت بانها احد رعاياها في غزة ولكنها لا تحمل الجنسية القبرصية.

السفير القبرصي بحسب قاسم ابدى تعاونا كبيرا مع الحاجة نجية، موضحا انه جاء الى غزة التي لم يزرها منذ خمس سنوات فقط ليطلع على اوضاع الحاجة نجية التي منحها تأشيرة "فيزا" لمدة ثلاثة شهور حتى تستطيع خلال هذه المدة الذهاب الى اهلها في قبرص.

في الخامس من آب الماضي توجهت الحاجة نجية الى معبر رفح وانتظرت كما ينتظر كافة المسافرين دورهم للدخول الى الجانب المصري وعندما وصلت ورغم التاشيرة القبرصية على جواز سفرها الا انه تم ارجاعها دون ابداء أي اسباب، وهناك اغلقت مرة اخرى جميع الابواب التي سعت لفتحها واصطدمت امالها بلقاء اخوتها بالاجراءات على معبر رفح التي لا تفرق بين كبير ولا صغير.

كما علمنا من حفيدها قاسم فان الحاجة نجية حصلت على عدة فرص للخروج من غزة، الا ان عدم حوزتها في تلك الفترة على شهادة ميلاد قبرصية حال دون ذلك حيث كانت هناك فرصة للخروج عبر آخر سفينة كانت في طريقها الى غزة من ميناء لارنكا القبرصي، الا ان السلطات الاسرائيلية اعترضتها ومنعتها من الوصول بالاضافة الى انها كانت امام فرصة للخروج إبان الحرب الاخيرة على القطاع عندما تم اجلاء الرعايا ولكن افتقادها للاوراق الثبوتية حال دون اتمام ذلك.

اما هي فتتساءل ما الذنب الذي اقترفته حتى تمنع من لقاء اهل لم تعرفهم الا منذ سنتين تقريبا وتقول: "أريد منهم ان يساعدوني في الوصول الى اهلي ما ذنبي ما التهديد الذي قد اشكله لهم، ليش يمنعوني من السفر كان سفّروني وريحوني!".

وتوجه قاسم بمناشدة لكافة المسؤولين بكافة مستوياتهم في الضفة وغزة كما ناشد الحكومة القبرصية والمصرية التدخل حتى يجمع شمل الحاجة نجية باهلها في قبرص بعد ان استنفد كافة الوسائل لاخراج جدته من القطاع، مبينا ان الدور الاعلامي الذي استخدمه كان ضعيفا ولم يستطع حل مشكلة جدته.

لم تسعف الحاجة نجية الهلوسي وحفيدها قاسم كافة الوسائل التي استخدموها، لم تسعفها التأشيرة التي حصلت عليها ولا حتى شهادة الميلاد التي استخرجت لها، ولا حتى الافادة التي حصلت عليها من اخوتها، ولا جميع مناشداتها. فهل تفلح مناشدتها عبر وكالة "معا" في حل مشكلتها وأن تجمع شملها مع اهلها بعد غياب 35 سنة.