الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الساحرة المستديرة والعرب...جمعتهم أم فرقتهم؟ *بقلم - محمد عثمان

نشر بتاريخ: 15/11/2009 ( آخر تحديث: 15/11/2009 الساعة: 13:54 )
ما أن دقت الساعة السابعة والنصف مساء بتوقيت مصر حتى تحلق جميع أبناء الوطن العربي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه, كبارهم وصغارهم, ومنهم الفلسطينيين حول الفضائيات يتابعون اللقاء الكروي بين منتخبي مصر والجزائر في التصفيات النهائية التي تؤهل احدهما إلى كأس العالم حاسبين معها أنفاسهم, وما أن دقت الساعة بثوانيها الأخيرة من اللقاء نفسه حتى خرج مشجعي مصر في كافة أرجاء الوطن العربي يهتفون ويهللون ويرقصون لتجاوز المنتخب المصري مرحلة الخطر وفوزه على شقيقه الجزائري بهدفين مقابل لا شئ, ورغم وجود مباراة فاصل بين المنتخبين سيتم في السودان يوم الأربعاء القادم.

سميت كرة القدم المستديرة بلقب الساحرة, لم تكتسب تلك التسمية من فراغ, فهي بالفعل ساحرة ليس لجمالها فقط, وإنما لما تتركه من اثر على نفس وسلوك مريديها ومحبيها رغم انه من أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها هؤلاء المريدون هي الرياضية أي تقبل أي نتيجة مهما كانت, ولكن في اغلب الأحيان يفتقد هؤلاء لكل روح رياضية وكل سلوك طبيعي في حال كانت نتيجة إحدى المباريات التي يخوضها أي فريق يشجعونه غير مرضية لهم, والعكس صحيح فإذا ما كانت النتيجة مرضية لهم فيكون ردة فعلهم غير طبيعية وكأنهم قد حصلوا على الجنة.

قبل اللقاء بين المنتخبين المصري والجزائري بأيام وساعات قلائل, قام جدل لم ينته حتى هذه اللحظة وكأن حربا عسكرية وليست معركة كروية لا سمح الله سوف تقوم بين البلدين الشقيقين بشعبيهما وليس بفريقيهما, والأغرب من ذلك كله أخذ كل شعب عربي موقف لتشجيع احد المنتخبين رغم انه لا ناقة له فيها ولا جمل, على الرغم من أن أي فريق من المنتخبين إذا ما فاز سوف يمثل العرب اجمع في مونديال كأس العالم, وبعد انتهاء اللقاء الذي كانت نتيجته, عدا عن الأهداف, هي زيادة فترة وحدة الصراع بين مؤيدي ومشجعي كل فريق مدة أربعة أيام أخرى, وهي المدة التي ينتظر بعدها لقاء فاصل بين المنتخبين في السودان.

في يوم الجمعة الذي سبق المباراة دخلت إحدى غرف الدردشة الصوتية على أحد المواقع العربية كي أقوم بجولة استطلاع سريعة لأثر ما قبل هذه المباراة على نفوس أبناء الوطن العربي, فوجدت أن حربا تجري على المواقع الافتراضية ما بين مشجعي المنتخبين, كل يأتي بدلائل فوز فريقه الذي ينتمي إليه حتى كان يصل الأمر إلى مشاحنات بالكلام والشتائم التي تكال من هؤلاء الأشخاص لبعضهم البعض رغم أن معظمهم يعرفون بعضهم منذ أشهر إن لم نقل سنوات, ولكن الساحرة المستديرة جعلتهم يتناسون هذه المعرفة لو حتى لفترة المباراة ويتعدون على بعضهم بعضا, فهل هي استطاعت أن تفرقهم؟

وهنا قد يأتي الجواب مفاجئا لأن السبب في تلك التفرقة ليست هي كرة القدم رغم أن الظاهر يقول ذلك وإنما في طبيعة الإنسان العربي بغض النظر عن إذا كان يحب الرياضة أم لا أو يشجع فريقا معينا أما لا, فطبيعة الإنسان العربي الذي حاولت الخوض في ثناياها هي طبيعة تميل إلى التطرف والتعصب إلا من رحم ربي, فنفسيته وعقليته, أي العربي, جعلته لا يتقبل إلا أي شئ مقتنع به حتى إذا كان هذا الشئ هو الخطأ بحد ذاته, وابتعد ملايين الأميال عن استخدام الروح الرياضية حد في عقر دارها إلا وهي الرياضة, وفي ظل هذا الشحن والتعصب لا يبقى إلا أن نقول أجار الله الشعب العربي من الأيام الأربعة المقبلة ما قبل "مباراة الحسم".