الأربعاء: 25/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الكـــرة والنحس * بقلم :عبد الشافي صيام ( العسقلاني )

نشر بتاريخ: 19/11/2009 ( آخر تحديث: 19/11/2009 الساعة: 18:47 )
انشغل العرب ( الكرويون ) خلال الأسبوعين الماضيين بالاستعدادات والتحصينـات والمنـاورات الكرويـة لمبــاراة الصعود لمنافسات كأس العالـم الكروي أو المونديال باللغة الكروية المتحضرة الدارجة الآن .
ما أنفق من أموال على هذه المباراة ربما يغطي جزءاً كبيراً من تكاليف إعادة الإعمـار في قطاع غزة ، وما بذل من جهود وسهر وخطط ربما يساعد على حل كثير من عقد الوضع الفلسطيني سواء حالة الانقسام أو تعثر المفاوضات الكسيحة .
في السياسة .. الناس ينقسمون إلى أحزاب وإلى مذاهب وإلى تكتلات وأحلاف ، أما في عالم الكرة فإلى ماذا ينقسمون ؟
بالفطرة جميع المخلوقات تحب الرياضة ، حتى الحيوانات تمر بها لحظات لهو و نطنطة ، والإنسان رفع ذلك الشعار الإنساني الجميل .. الرياضة للجميع والروح الرياضية التي تتقبل نتائج الخسارة بروح عالية ومحفّـــِزة للاستعداد والتحضير والاستعداد لمقابلة أو مبارزة قادمة ، تتجلى فيها روح التسامح والمحبة .
وقد شدَّت لعبة كرة القدم اهتمام قطاع عريض من الناس وأصبحت اللعبة الأكثر شعبية في العالم ، وتطورت بذلك القوانين المنظمة لهذه اللعبة التي انحرفت عن هدفها الإنساني والرياضي لتصبح شكلاً من أشكال المضاربات المالية الممزوجة بالنعرات الإقليمية والجوانب السياسية . وكلنا نذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما قرَّرت دخول هذه اللعبة لم تعين بطلاً رياضيا ليرأس اللجنة الوطنية المعنية بكرة القدم وإنما اختارت وزير خارجيتها هنري كيسنجر آنذاك وكأنها توجه رسالة للعالم بأن من يقود السياسة يقود الكرة .
وربما منذ ذلك الحين تم شطب ذلك الشعار الرياضي الروح الرياضية ليحل مكانه التعصب والمنافسة غير الشريفة ، وبدأت تظهر ميليشيات كرة القدم التي يطلقون عليها مسميات المشجعون والذين كثيراً ما أثاروا أحداث شغب وعرضوا حياة الناس للخطر والموت في كثير من الأحيان . وربما لا تمحى من ذاكرة من شاهد منظراً نُقـِلَ على شاشات التلفزيون لمدير فريق ضخم الجثة كان يجري على حافة الملعب في دولة إفريقية أثناء مباراة لكرة القدم بين فريقه وفريق آخر وهو يتعرض لطعنات بالسكاكين من مشجعي الفريق الآخر ، إذ يتكرَّر نزول أشخاص من الجالسين على المدرج يتوجهون نحو الرجل يوجهون له طعنات بالسكاكين والدماء تنزف من جسده دون أن يتقدم أي شخص لحمايته أو إنقاذه .
حالة التعبئة التي سبقت مباراة مصر والجزائر كانت مشحونة لدرجة الاحتقان ، وكادت أن تعصف بالعلاقـات بين بلدين عربيين شقيقين ، وانقسم المشجعون من غير مواطني البلدين ليس على حدود الملاعب الرياضية وإنما على الخطوط السياسية لهذه البلدان .
كنا ننظر للأمر بحزن وألم على حال هذه الأمة لأننا نفهم اللعبة من منظور آخر .. إن غلبت مصر فالمنتصرة هي الجزائر .. وإن غلبت الجزائر فالمنتصرة هي مصر ، ونتمنى في مثل هذه الحالة إن وصل فريقان عربيان شقيقان لمباراة نهائية أن يتم بعد انتهاء المباراة تشكيل فريق يضم لاعبين من الفريقين يمثل العرب في اللقاء الدولي إذا سمحت بذلك قوانين اللعبة .
لقد كنا أمام مشهد محزن ونحن نرى حالة التوتر العالية التي عبَّرت عنها بعض التصريحات من هنا وهناك ، والموجة التسونامية الإعلامية التي ضربت سواحل البلدين .
يقول بعض عُشَّاقُ اللعبة إن الكثير من المعنيين بلعبة كرة القدم يربطون فوزهم بالفــأل وبعضهم يستعين بالعرافين وقرَّاء البخت والتطير . ويبدو أن الرئيس المصري حسني مبارك أهمل هذا الجانب ، فبدلاً من إلغاء كل المواعيد لاستقبال وفود رسمية قبل المباراة ، أصرَّ على استقبال وفد رسمي ربما كان هو السبب في نَحاسَة الفريق المصري الذي خسر المباراة في الخرطوم .
فازت الجزائر وانتصرت مصر .. والجزائر ستمثل العرب في الملتقى الدولي أو المنوديال المهم أن تتنبَّه الجزائر لقضية النحاسة التي وقعت فيها مصر . ومبروك للجزائر .