"ماس": توصية بجسر الهوة بين البحث العلمي وصناعة السياسات الاقتصادية
نشر بتاريخ: 19/11/2009 ( آخر تحديث: 19/11/2009 الساعة: 16:43 )
رام الله - معا - أوصى باحثون وأكاديميون بضرورة جسر الفجوة بين البحث العلمي وصناعة السياسات، وطالبوا بتقوية الارتباط بين البحث وصناعة السياسات، وباستقلالية البحث، وتحريره من تأثير مراكز النفوذ أو المؤسسات الحكومية.
جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمها، أمس، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" في مقره برام الله، لمناقشة الدراسة التي أعدها الباحث علاء الترتير حول: تجسير الفجوة بين الأبحاث الاقتصادية والسياسة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، بمشاركة عدد من الباحثين والأكاديميين.
واستعرض الترتير نتائج الدراسة، مؤكداً ضرورة الاعتماد على مراكز البحث المستقلة وتشجيع بناء دوائر أبحاث في المؤسسات الحكومية لعمل الدراسات والأبحاث الضرورية لتطوير سياسات في مجال اختصاصها، مبيناً أن ذلك لا يرجع إلى الحاجة للحفاظ على استقلالية ونزاهة البحث العلمي وحسب، بل لان قدرات البحث المقتدرة والمتوفرة لدينا محدودة جدا، وبالتالي فإن توظيفها بشكل عقلاني يتطلب تركيزها في عدد محدود من مراكز الأبحاث وتوفير الشروط الضرورية لضمان الاستقلالية والنزاهة الأكاديمية.
توفير التمويل لمراكز البحث
وأوصت الدراسة بتوفير التمويل عبر الموازنة العامة لمراكز البحث التي تستوفي شروط الجودة، وتوفير موازنة مناسبة أيضاً للجامعات موجهة نحو تشجيع البحث العلمي، وتطوير مهارات البحث أيضا، وبإعادة تفعيل وحدة البحوث البرلمانية، ليس بالضرورة حتى تقوم بعمل الأبحاث بنفسها، بل لتعمل على تحليل الأبحاث المتعلقة بالشؤون العامة وتقديمها للبرلمانيين بشكل ملخص وواضح لمساعدتهم على معرفة الخيارات ونتائجها قبل التصويت على القرارات، وان تقوم هذه الوحدة بتكليف مراكز البحث المختلفة عن طريق العطاءات التنافسية بعمل الدراسات والأبحاث الضرورية لعمل المجلس التشريعي.
ربط البحث بصناعة السياسة
كما تضمنت توصيات الدراسة عددا من النقاط المتعلقة ببعض الإجراءات المؤسسية والإدارية لتحسين ربط البحث بصناعة السياسة، منها ضرورة إشراك مؤسسات البحث المحلية في جميع الدراسات والأبحاث التي تمولها مؤسسات البحث الأجنبية، وضرورة اهتمام الوزارات باعتماد الأبحاث الموثوقة والرزينة عند صياغة خطتها المتوسطة المدى أو السنوية، وحث الجهات المانحة على زيادة الموارد المالية المقدمة لمراكز البحث ولتشجيع البحث العلمي، وضرورة تطوير طريقة تقديم نتائج الأبحاث لدوائر صنع القرار، وتمكينهم من الاستفادة من نتائج الأبحاث الموجودة والمستقبلية.
تطوير "بنك المعلومات"
ومن بين ابرز التوصيات التي خرجت بها الدراسة ضرورة تطوير "بنك المعلومات": مكتبة الكترونية تحتوي على كافة الدراسات والتقارير والأبحاث التي وضعت عن الاقتصاد الفلسطيني منذ تأسيس السلطة الوطنية. إن تجميع وفهرسة اكبر عدد ممكن من الأبحاث والدراسات لن يضمن سهولة الوصول إليها وحفظها من الضياع فحسب، ولكن سيساهم بشكل قوي في الحيلولة دون تكرار الأبحاث وفي رفع نوعية الأبحاث نفسها لأن الدراسات الجديدة ستتمكن من البناء على الدراسات السابقة عليها. ولقد قام فريق البحث بإجراء مسح استكشافي أولي للمكتبات وللمواقع الالكترونية التي تضم قوائم جزئية للمراجع، كما وضع خطة عمل لتحقيق هذه التوصية على الموقع الالكتروني لمعهد ماس.
وأشار الترتير إلى أن خطة الإصلاح والتنمية (2008ــ2010) وكذلك برنامج الحكومة الثالثة عشرة "إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة" أكدت على أهمية أن يكون الطرف الفلسطيني في موقع قيادة وتوجيه الجهد التنموي. وسعت هذه الخطط والبرامج أيضا إلى تطوير العملية التخطيطية لجهة إشراك كافة المؤسسات الحكومية في وضعها إلى جانب إشراك أطراف المجتمع المدني. كذلك هناك سعي دؤوب لتحقيق تطوير مؤسسي والارتقاء بالعمل الحكومي نوعياً.
وأضاف إن الدراسة لاحظت التطور الذي جرى في بيئة صناعة السياسات مؤخراً، حيث تزايد الاهتمام بموضوع المساءلة، الأمر الذي يحفز صناع القرار على الاطلاع بصورة أفضل على جوانب القرار الذي هم بصدده، وعلى نتائج هذا القرار التي ربما يتولد منها انعكاسات وتبعات سياسية واقتصادية واجتماعية مهمة. وهذا بالطبع يضع على كاهل مؤسسات البحث العلمي مهمات وتحديات لتطوير قدراتها على الاستجابة السريعة للاحتياجات ولبيان الخيارات الممكنة والمقارنة بينها من حيث تكاليفها ومخاطرها.
وأضاف: من جهة ثانية، فإن التحولات الايجابية في منهجية التخطيط والبرمجة يجب أن تحفز الحكومة لمضاعفة اهتمامها بدعم البحث العلمي والتوصية على كافة الوزارات والمؤسسات أن تكون قراراتها ومشاريعها قائمة على قاعدة معرفية سليمة وموثوقة.
وقال: تكتسب العلاقة بين البحث وصناعة السياسات أهمية كبيرة في الاقتصاديات النامية. إذ إن الأبحاث العلمية تسمح بوضع وتطبيق سياسات أكثر فعالية وهذا يقلل بدوره من هدر وسوء استخدام الموارد المحدودة.
الاعتماد على الأبحاث الوطنية
وأضاف: من جهة ثانية، فإن الاعتماد على الأبحاث الوطنية يوفر إمكانية أفضل لتوجيه العملية التنموية على ضوء الحاجات المحلية ويضع الكفاءات المحلية في موضع القيادة. إن التجربة الفلسطينية تشكل حالة متفردة بالمقارنة مع تجارب الدول النامية الأخرى، فهي تواجه تحديات إضافية بسبب حالة الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي القائم والمستمر منذ فترة طويلة، حيث يشكل الاحتلال معيقاً جوهرياً ومحبطاً للتنمية الفلسطينية، بما في ذلك في مجال صناعة وتنفيذ السياسات التنموية. ولكن وبالرغم من ذلك، فان صناعة سياسات سليمة وفعالة وقائمة على الأبحاث في إطار الهامش الضيق المتاح، تظل ضرورية وحيوية.
من جهته قال الخبير الاقتصادي د. سمير عبد الله، إن الدراسة تهدف إلى تحسين وتطوير ملاءمة وفعالية وتأثير البحث في الأراضي الفلسطينية على صناعة السياسات الاقتصادية عبر توفير فهم أفضل وأعمق لعمل الأطراف المنضوية في جهود البحث وصنع السياسة. كما تتطرق الدراسة إلى الحلبات التي يتقاطع فيها الطرفان والى نقاط الضعف في شبكة التواصل بينهما والى دور الأطراف الوطنية والجهات المانحة في التأثير على المسارين.
وأضاف لتحقيق هذا الهدف تبدأ الدراسة باستعراض سياسات الربط بين البحث العلمي وبين صناعة السياسات في تجارب عدد من الدول هي: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، جمهورية كوريا، وألمانيا. وبالرغم من الفارق الكبير بين بيئة اتخاذ القرارات في تلك الدول وبيئة صناعة السياسات والقرارات في الأراضي الفلسطينية، إلا أن كل حالة منها تقدم لنا دروساً وعبراً مفيدة في المسعى لجسر الفجوة بين البحث وصناعة القرار. وتتمحور الدروس المستقاة من تلك التجارب حول أشكال تمويل البحث العلمي المستقل، طريقة التعاقد على الأبحاث مع مؤسسات البحث، طبيعة ووظيفة القدرات البحثية في القطاع الحكومي وغيرها. ولقد ساعد تحليل تلك التجارب على تحديد اطر الأسئلة التي قام فريق البحث بطرحها على عدد كبير من الأفراد والمختصين من أصحاب العلاقة بالبحث وقرارات السياسة في الأراضي الفلسطينية. وهذه المقابلات شكلت أساس التحليل الذي قامت عليه الدراسة.
أما سامية البطمة، من جامعة لندن، فعقبت قائلة بعد استعراض بعض التجارب الدولية المختارة حول علاقة البحث بصناعة السياسات، تقدم الدراسة تحليلا لبيئة صناعة القرارات والسياسات في الأراضي الفلسطينية، والمؤسسات الحكومية المسؤولة عن صناعة السياسات التي نشأت بعد اتفاق أوسلو، والصلاحيات والمسؤوليات التي توضح ولاية تلك المؤسسات المحددة في اتفاقية إعلان المبادئ والاتفاقات التي بنيت عليها. وقالت إن الدراسة تشرح الدور والتأثير الهام للجهات المانحة على مختلف جوانب الحياة الفلسطينية، بما في ذلك على العلاقة بين البحث وصناعة السياسات. ويرمي هذا في المحل الأول إلى التركيز على فرادة الحالة الفلسطينية وعلى محدودية الأفق المتاح للأبحاث ولصانعي القرار للتأثير على التطور الفعلي على الأرض.
وأشارت الى أن الفصل الثالث من الدراسة يدرس بالتفصيل الفجوة القائمة بين البحث العلمي وبين صناعة السياسات، من حيث اتساعها وأسبابها وتأثيرها ونتائجها على العمل التنموي الفلسطيني. وتصل الدراسة إلى استنتاجات حول النواقص الموجودة في جانب الطلب على البحث، سواء منها المتعلق بالعمل في بيئة سياسية غير مستقرة ومتغيرة، أو بالقدرة الاستيعابية لدى صانعي القرار للاستفادة من البحث وتطبيق نتائجه في صناعة السياسات العامة.
ضعف القدرات البحثية
كما تبين وجود نقص وضعف في قدرات البحث العلمي المستقل، وضعف شديد في القدرات البحثية لدى دوائر البحث الحكومية. ويبدو أن هناك حلقة مفرغة ناجمة عن ضعف الطلب على الأبحاث يولد ضعف في تمويل مؤسسات البحث وهذا بدوره يخلق حالة من ضعف الاستدامة وهروب الباحثين إلى مجالات العمل الأخرى أو إلى الخارج. ويعود سبب نشوء هذه الحلقة المفرغة إلى عدد من العوامل أبرزها: تفضيل الجهات المانحة لمؤسسات البحث الأجنبية لعمل الدراسات والأبحاث اللازمة لهم أو لشركائهم من المؤسسات المحلية ومحدودية اهتمام الجهات المانحة بدعم مؤسسات البحث العلمي.
وتخصيص السلطة الوطنية لمبالغ زهيدة جدا لدعم البحث العلمي، ولا يوفر لها ابسط متطلبات الاستدامة. وضعف القدرات البحثية لدى خريجي الجامعات المحلية الأمر الذي ينعكس على القدرات البحثية لمؤسسات البحث في مختلف القطاعات. وتشتت المصادر المحدودة المتاحة للبحث في تغطية مسائل بعيدة عن الأولويات الوطنية وذات صلة غير مباشرة، بما يلزم لصناعة السياسات، وعدم التنسيق بين أطراف العرض والطلب بصورة تساعد على ترشيد العمل البحثي بمنع التكرار، وعدم تعميم المعرفة بصورة مناسبة لتحقيق الاستفادة القصوى من الأبحاث المعدة.